من الاحتجاجات إلى خطاب الكراهية: كيف تعززت قوة اليمين المتطرف في بريطانيا؟

لم تَعُد الاحتجاجات المناهضة للاجئين في بريطانيا مجرد مظاهرات محلية عابرة، بل تحولت إلى منصة لتصاعد خطاب الكراهية المنظم، الذي بات يوفر أرضية خصبة لتعزيز قوة التيارات اليمينية المتطرفة. فالقضية التي بدأت بخلاف في استخدام فندق تاريخي في بلدة إيبينغ كمأوى لطالبي اللجوء، سرعان ما تطورت إلى أزمة سياسية وقانونية تهدد مستقبل سياسة اللجوء في البلاد برمتها.
من الاحتجاجات إلى خطاب الكراهية
قضت المحكمة العليا الأسبوع الماضي بأن قرار وزارة الداخلية باستخدام فندق بيل لإيواء اللاجئين يخالف قوانين التخطيط العمراني، بعد طعن قدَّمته بلدية إيبينغ فورست ذات القيادة المحافظة، مدعومًا بموجة احتجاجات محلية. القرار فتح الباب أمام احتمال إخراج نحو 140 لاجئًا دون وجهة واضحة، كما شجع مجالس محلية أخرى على التفكير في خطوات مشابهة، ما يهدد بإحداث فوضى في نظام استقبال طالبي اللجوء.
ومع أن الملف قانوني في جوهره، فإن المشهد سرعان ما اتخذ أبعادًا سياسية واجتماعية أوسع. فقد شهد أكثر من 40 منطقة في بريطانيا احتجاجات مناهضة للاجئين، رافقتها حملات منظمة لرفع أعلام “سانت جورج” والاتحاد البريطاني. هذه الحملة التي قُدِّمت بوصفها رمزًا وطنيًّا، رآها كثيرون محاولة لبث الخوف في صفوف المهاجرين. منظمات مثل (Hope Not Hate) و(Stand Up to Racism) أكدت أن هذه التحركات ليست عفوية، بل يقودها ناشطون معروفون في أوساط اليمين المتطرف.
تداعيات هذه الأجواء لم تتوقف عند الشعارات، بل انعكست في حوادث عنصرية مقلقة. ففي ريدكار شمال يوركشاير، تعرّض رجل أسود لحملة تشويه قادها الناشط اليميني تومي روبنسون بعد نشر مقطع مُضلّل اتهمه فيه بالتحرش. وفي شرق بلفاست، شكّلت مجموعات محلية “دوريات” لتوقيف رجال ذوي بشرة داكنة والتحقق من هوياتهم.
كما كشف مجلس اللاجئين عن رفض بعض بنوك الطعام تقديم المساعدة لغير البريطانيين، وروى حادثة لرجل إفريقي ستيني تعرّض لهجوم عنيف أدى إلى كسر ذراعه، فأصبح يخشى مغادرة منزله.
الخطاب السياسي يزيد الاحتقان
التوتر المتصاعد غذّته تصريحات مثيرة للجدل من قادة سياسيين. فرئيس الوزراء العمالي كير ستارمر استخدم عبارة مثيرة بشأن “جزيرة الغرباء”، قبل أن يعرب عن ندمه عليها لاحقًا. أما زعيمة حزب المحافظين كيمي بادينوك فقد أثارت المخاوف بالحديث عن “لاجئين مختبئين في الشجيرات”، بينما ظهر وزير الظل روبرت جنريك في فعاليات مع ناشطين من أقصى اليمين. وزعيم حزب “ريفورم” اليميني المتطرف نايجل فاراج دعا بدوره إلى احتجاجات أمام الفنادق التي تستضيف طالبي اللجوء.
الباحثون حذروا من أن هذه التطورات قد تمنح اليمين المتطرف مساحة أوسع للتمدد. أما الأكاديمي بول جاكسون فرأى أن بعض الساسة من العمال والمحافظين يشرعنون مخاوف الشارع بخطاب شعبوي، بدلًا من تقديم قيادة أخلاقية بديلة. وأما الباحث سندر كاتوالا فأكد أن غياب موقف حكومي واضح ضد خطاب الكراهية يفاقم الوضع، مع أن المجتمع البريطاني على المدى البعيد ما زال أكثر انفتاحًا وتسامحًا من دول أوروبية أخرى.
وسط هذا المشهد، برزت أصوات عائلات الضحايا للتحذير من استغلال مآسيهم. عائلة الطفلة بيبي كينغ -إحدى ضحايا جريمة ساوثبورت- أدانت محاولات اليمين المتطرف تسييس مأساتهم، فيما اعتبر جدها أن خطط نشر بيانات عرقية عن المشتبه بهم خضوع خطير لضغوط سياسية.
ترى منصة العرب في بريطانيا أن ما تشهده البلاد من تصاعد في خطاب الكراهية والتمييز ضد اللاجئين والمهاجرين ليس مجرد انعكاس لتوترات اجتماعية عابرة، بل هو نتاج مباشر لتقاعس الخطاب السياسي والإعلامي عن مواجهة اليمين المتطرف بوضوح. وتؤكد المنصة أن معالجة ملف اللجوء تتطلب حلولًا عادلة وإنسانية تحمي الفئات المستضعفة، بدلًا من دفعهم إلى خانة “المذنبين” أو تحويلهم إلى أدوات للصراع السياسي.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇