رجل الأعمال منيب المصري يطالب بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور
في لحظة رمزية تحمل ثقل قرن من التاريخ، تقدّم الملياردير الفلسطيني منيب المصري، أحد أبرز رجال الأعمال في العالم العربي ومؤسس شركة (Palestine Telecom)، بعريضة قانونية إلى الحكومة البريطانية، مطالبًا بـ«الاعتذار والتعويض عن وعد بلفور»، الذي يعتبره الجذر التاريخي للاحتلال الإسرائيلي ومعاناة الفلسطينيين المستمرة منذ أكثر من سبعة عقود.
الخطوة جاءت في وقتٍ تشهد فيه بريطانيا جدلًا واسع النطاق بشأن مسؤوليتها التاريخية عن تأسيس الكيان الإسرائيلي، ولا سيما بعد تصاعد الحرب على غزة واتساع نطاق الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين في مدنها الكبرى.
رحلة طويلة من الجرح إلى المطالبة بالعدالة
أصيب “المصري” برصاصة بريطانية عام 1943 أثناء مشاركته في مظاهرة وهو طفل في نابلس، ولا تزال إصابته في ساقه تلازمه. عاش النكبة عام 1948 حين رأى بأم عينه آلاف اللاجئين يصلون إلى مدينته حفاة وجائعين بعد طردهم من قراهم. يقول: «كان مشهدًا فاجعًا، وجوه شاحبة وأقدام دامية تبحث عن مأوى».
بعد عقود، تكرّر المشهد في عائلته حين أُصيب حفيده برصاص جيش الاحتلال عام 2011 خلال مظاهرة سلمية على الحدود اللبنانية، فأصيب بالشلل. في أيلول/سبتمبر الماضي، حمل الجد والحفيد معًا ملفًّا قانونيًّا إلى مقر الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت، برفقة المؤرخ الإسرائيلي البريطاني آفي شلايم، وخبير القانون الدولي فيكتور كاتان.
المطالبة باعتذار وتعويض عن وعد بلفور
تضم العريضة التي أعدّها فريق من الخبراء القانونيين، بينهم المحامي بن إميرسون، نحو أربعمئة صفحة تطالب بريطانيا بالاعتذار عن وعد بلفور ودفع التعويضات عن نتائجه. جاء فيها أن بريطانيا «غيّرت الطابع القانوني والسياسي والديمغرافي لفلسطين من دون أي تفويض شرعي».
المصري الذي بدأ حياته المهنية في قطاع النفط والغاز في الخمسينيات، بنى إمبراطورية اقتصادية تمتد من الخليج إلى شمال إفريقيا، ويعيش اليوم في فيلته المشيدة على تلة من تلال نابلس، وسط بساتين الزيتون.
بيت فلسطين على أطلال دير بيزنطي

أدار المصري إمبراطوريته التجارية من المملكة المتحدة في أواخر السبعينيات والثمانينيات، لكنه يعيش في فلسطين المحتلة منذ عام 1993، حيث أسس عدداً من الشركات، بما في ذلك شركة الاتصالات الفلسطينية (بالتل). يُعرف منزله باسم «بيت فلسطين»، وقد بُني على موقع دير بيزنطي من القرن الخامس يطل على مخيم بلاطة. يقول المصري: إنه لو لم يشيده، لتحوّل الموقع إلى مستوطنة إسرائيلية. وخلال الانتفاضة الثانية، اقتحمه الجنود الإسرائيليون وحوّلوه إلى ثكنة عسكرية، مضيفًا بمرارة: «تركوه كما لو كان مرحاضًا كبيرًا».
المنزل أصبح رمزًا في مسيرته، يجسد التداخل بين الذاكرة الفلسطينية والتاريخ الحضاري للمنطقة، ويعبّر عن تصميمه على البقاء في أرضه رغم الاحتلال.
منيب المصري بين لندن وغزة

يقول المصري: إن الحرب على غزة «كشفت للعالم زيف الرواية الإسرائيلية»، مشيرًا إلى أن أكثر من 79 ألف فلسطيني قُتلوا أو فُقدوا منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ويضيف أن كل ما يحدث اليوم هو امتداد مباشر لوعد بلفور: «على بريطانيا أن تعترف بخطئها الكبير، وأن تقول للشعب الفلسطيني: نحن آسفون. يجب أن تعوّض من تضرروا كما فعلت مع الهند وكينيا».
ويؤكد أن العريضة التي قدمها ليست رمزية، بل خطوة قانونية مدروسة: «ننتظر رد الحكومة البريطانية. إن لم تُسَوَّ القضية وديًّا، فسنواصلها قضائيًّا».
شبكة علاقات تمتد من روتشيلد إلى ترامب
في مفارقة لافتة، استضاف المصري في منزله اللورد جاكوب روتشيلد، أحد أحفاد العائلة التي كان لها دور محوري في استصدار وعد بلفور. يقول: «تحدثنا عن التاريخ، عن الخطأ الذي ارتكبه أجداده، وعن حق الفلسطينيين في استعادة كرامتهم».
درس المصري في تكساس في الخمسينيات، وشغل لاحقًا منصب نائب رئيس بنك العرب، حيث شارك في تمويل صفقة شراء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفندق بلازا في نيويورك. يروي أنه كتب إلى ترامب مرتين بعد توليه الرئاسة، مذكّرًا إياه بالقرض القديم: «قلت له إن الوقت حان ليسدد الدين، ليس بالمال، بل بعدالة تنهي حروب إسرائيل وتعيد حقوق الفلسطينيين».
لقاءات رابين ونتنياهو
بعد اتفاق أوسلو، عيّنه ياسر عرفات وزيرًا بلا حقيبة في أول حكومة فلسطينية عام 1994. ويقول المصري: إنه التقى إسحق رابين بناءً على تكليف من عرفات، ثم التقى بنيامين نتنياهو عام 1996 في أول ولاية له: «استمر اللقاء ثلاث ساعات، وبعدها قال لمساعديه: أحب منيب المصري، أريد أن ألتقيه كل شهر. لكنه لم يفِ بوعده. قال شيئًا وفعل نقيضه».
نقد عباس والدعوة إلى الوحدة
يرى المصري أن الانقسام بين فتح وحماس هو «أخطر ما يواجه المشروع الوطني الفلسطيني»، مضيفًا أنه كتب إلى الرئيس محمود عباس يطالبه بالتنازل من أجل المصالحة الوطنية. يقول: «الرئيس عباس يجب أن يدرك أن الوحدة ضرورة وجودية. لا يمكن مواجهة الاحتلال في ظل الانقسام».
ويعتبر أن حل الدولتين، رغم تآكله، يبقى مرحلة انتقالية نحو صيغة اتحادية يعيش فيها الفلسطينيون واليهود كمواطنين متساوين: «نريد أن نعيش معًا كما كنا قبل قرون. فلسطين يمكن أن تكون أول دولة اتحادية تضم أبناءها جميعًا».
ذاكرة ومساءلة تاريخية

تشير منصة العرب في بريطانيا (AUK) إلى أن تحرك منيب المصري ليس مبادرة قانونية فحسب؛ إنه فعل ذاكرة ومساءلة تاريخية يعيد فتح ملف المسؤولية البريطانية عن مأساة فلسطين.
وترى المنصة أن أهمية الخطوة تكمن في أنها تأتي من رجل يجمع بين التجربة السياسية والثقل الاقتصادي، ما يمنحها بعدًا أخلاقيًّا يتجاوز الحسابات القانونية.
وفي وقتٍ تزداد فيه الدعوات في الغرب لمراجعة الإرث الاستعماري، تبدو مطالبة المصري باعتذار بريطانيا وتحمّلها تبعات وعد بلفور خطوة رمزية تعبّر عن يقظة جديدة في الوعي الفلسطيني، حيث لا يُنظر إلى التاريخ بوصفه عبئًا بل أداة لاستعادة العدالة.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضا:
الرابط المختصر هنا ⬇
