منصات الكراهية: كيف تربح وسائل التواصل الاجتماعي من العنصرية والتحريض؟

في عالم تحكمه الخوارزميات وتغذّيه التفاعلات، أصبحت منصات التواصل الاجتماعي من أبرز المحرّكات لخطاب الكراهية والعنصرية حول العالم. ورغم ما تدّعيه من التزام بسياسات “مكافحة المحتوى الضار”، فإن الواقع يُظهر استفادة مباشرة ومتصاعدة من انتشار التحريض والتمييز والعنف الرمزي في الفضاء الرقمي.
فما الذي يدفع هذه الشركات العملاقة لغضّ الطرف أحيانًا، أو الإخفاق في ضبط المحتوى أحيانًا أخرى؟ الجواب باختصار: المال والنفوذ.
كيف تتحول الكراهية إلى أرباح؟
تعتمد المنصات مثل فيسبوك، وإكس، وإنستغرام، ويوتيوب على خوارزميات مصممة لزيادة مدة بقاء المستخدم داخل التطبيق، ما يُعرف بمصطلح “الاحتباس الرقمي” (Digital Retention). وهنا تظهر الحقيقة الصادمة: المحتوى السلبي والصادم، مثل منشورات الكراهية والعنصرية، يحفّز التفاعل أكثر من المحتوى العادي.
- المزيد من التفاعل يعني المزيد من الإعلانات، ويعني المزيد من الأرباح.
- ينجذب المستخدمون غالبًا إلى المنشورات التي تثير الغضب أو الاستفزاز، فيشاركونها ويعلقون عليها أكثر.
- هذه التفاعلات تُترجم إلى بيانات يمكن بيعها للمعلنين، وتُستخدم لتوجيه حملات دعائية مخصّصة.
ومن ثَمّ تتحول مشاعر الغضب والكراهية إلى أداة تسويق فعّالة لا تتردد الشركات في استغلالها، حتى لو كانت على حساب السلم المجتمعي أو حقوق الأقليات.
أجندات سياسية تخترق الفضاء الرقمي
وبعيدًا عن الربح المالي، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة مثالية للتلاعب السياسي:
- أنظمة وحكومات، وكذلك جهات غير حكومية، تستثمر في نشر رسائل عنصرية أو تحريضية لتحقيق مكاسب سياسية.
- حملات تضليل مدروسة تُستخدم لتأجيج الرأي العام، وشيطنة فئات معينة، أو تشتيت الانتباه عن قضايا محورية.
- حسابات مموّلة تنشر الكراهية بأسماء مستعارة، لكن المنصات تغض الطرف عنها بدعوى “حرية التعبير”.
ولعلّ أكثر ما يثير القلق هو أن بعض المنصات نفسها تُتَّهَم بالتحيّز السياسي أو العمل ضمن أجندات معينة، سواء من خلال التلاعب بالخوارزميات أو عبر الشراكات الإعلانية.
من المسؤول وهل من حلول؟
رغم تصاعد الأصوات المطالبة بمحاسبة المنصات، فإن التشريعات في العديد من الدول ما تزال عاجزة عن مجاراة السرعة الهائلة لتطور التقنيات الرقمية. وحتى حين تُفرض غرامات أو تُقرّ قوانين مثل “قانون الخدمات الرقمية” في أوروبا، فإن التنفيذ الفعلي يكون جزئيًّا في الغالب.
أبرز المقترحات المطروحة:
- شفافية الخوارزميات: الكشف عن كيفية ترويج المحتوى.
- مساءلة الشركات: اعتبار المنصات مسؤولة قانونيًّا عن المحتوى المنشور عليها.
- تعزيز الذكاء الاصطناعي الأخلاقي: لتحليل المحتوى الضار والتدخل مبكرًا.
- دعم الإعلام المستقل: بوصفه خط دفاع أمام المدّ التحريضي الرقمي.
الكراهية تجارة رابحة ما لم نوقفها!
لم تعد منصات التواصل مجرّد أدوات تواصل اجتماعي، بل تحوّلت إلى قنوات نفوذ سياسي واقتصادي. وبينما تحقق هذه الشركات المليارات، تدفع المجتمعات الثمن، من انقسام، وعنف، وشيطنة للفئات الضعيفة.
ومع غياب رقابة حقيقية، تبقى مسؤولية التغيير مشتركة: على الأفراد أن يكونوا أكثر وعيًا، وعلى الحكومات أن تتحرّك، وعلى المنصات أن تدرك أن مسؤوليتها الأخلاقية لا تقل عن مسؤوليتها التجارية.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة