تقليص المساعدات البريطانية يهدد تعليم وصحة الملايين بأفريقيا
كشفت الحكومة البريطانية عن تفاصيل خطّتها لخفض المساعدات الخارجية بنسبة تصل إلى 40٪، في خطوة أثارت انتقادات واسعة من منظمات الإغاثة والبرلمانيين، لا سيما بعد أن تبيّن أن الدعم الموجّه لتعليم الأطفال وصحة النساء في أفريقيا سيكون من بين أكثر القطاعات تضررًا.
وأشارت الحكومة في وقت سابق إلى أنها تعتزم تقليص نسبة المساعدات الخارجية من 0.5٪ إلى 0.3٪ من الدخل القومي الإجمالي، وذلك من أجل زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 2.5٪، استجابةً لضغوط من الولايات المتحدة.
ووفقًا لتقييم صادر عن وزارة الخارجية البريطانية، فإن أكبر التخفيضات لهذا العام ستطال الدول الأفريقية، مما يعني تقليص الإنفاق على صحة النساء والصرف الصحي، وهو ما ينذر، بحسب التقرير، بزيادة في معدلات الأمراض والوفيات.
انتقادات حادّة وتحذيرات من “مزيد من القسوة”
انتقدت جمعيات الإغاثة القرار، معتبرة أنه سيضرّ بالفئات الأكثر ضعفًا في العالم. كما حذّرت رئيسة لجنة التنمية الدولية في البرلمان، سارة تشامبيون، من أن التخفيضات “ستأتي على حساب الأشخاص الأشد ضعفًا”. أما النائبة عن الحزب الليبرالي الديمقراطي، مونيكا هاردينغ، فرأت أن خفض المساعدات إلى “أدنى مستوى لها في هذا القرن” ستكون له تبعات مروعة، مؤكدة: “ما نراه اليوم ليس سوى البداية… العام المقبل سيشهد تخفيضات أعمق وأقسى”.
دعم مستمر للمنظمات متعددة الأطراف.. ووعود بمواصلة العمل في غزة وأوكرانيا
في المقابل، أكدت الحكومة أن التمويل الموجّه إلى المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي وتحالف لقاحات “غافي” سيُحافَظ عليه، مشيرة إلى استمرار الدور البريطاني الإنساني في مناطق الأزمات مثل غزة وأوكرانيا والسودان.
وقالت الوزيرة بارونيس تشابمان إن كل جنيه من أموال دافعي الضرائب يجب أن “يعمل بجدية أكبر”، وأن هذه التخفيضات جاءت نتيجة “مراجعة استراتيجية دقيقة” تركّز على الكفاءة والانسحاب المنظَّم من بعض البرامج.
كما أوضحت وزارة الخارجية أن الدعم الثنائي – أي الموجّه مباشرة للدول المتلقية – سيتقلّص، في حين سيتم تقييم أداء المنظمات متعددة الأطراف، وقد تُحرَم تلك التي تُعتبر “ضعيفة الأداء” من التمويل في المستقبل.
تخفيض التعليم والصحة والمساواة بين الجنسين
من جهتها، انتقدت شبكة “بوند” للتنمية الدولية خفض تمويل برامج التعليم والمساواة بين الجنسين، رغم الأزمات الإنسانية التي تشهدها دول مثل جنوب السودان، إثيوبيا، الصومال، وحتى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال جدعون رابينوفيتز، مدير السياسات في “بوند”: “من المقلق أن ينخفض التمويل الثنائي لأفريقيا، ولبرامج الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين”، مضيفًا أن المجتمعات الأشد تهميشًا – وخاصة النساء والفتيات في مناطق النزاعات – ستدفع الثمن الأعلى لهذه القرارات السياسية.
وأضاف: “في الوقت الذي أوقفت فيه الولايات المتحدة كل برامج النوع الاجتماعي، على بريطانيا أن تتقدم، لا أن تتراجع”.
يونيسف: تخفيضات مدمّرة.. وتعليم الأطفال مهدَّد
وصفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” التخفيضات بأنها “مدمّرة وقصيرة النظر”، محذّرة من أثر غير متكافئ على النساء والأطفال. ودعا مدير “يونيسف المملكة المتحدة” فيليب غودوين إلى اعتماد نهج جديد يضع الأطفال في صميم برامج المساعدات، مؤكّدًا أن “25٪ على الأقل من المساعدات يجب أن تُخصّص لمبادرات تُعنى بصحة الأطفال وتغذيتهم وتعليمهم”.
أما مؤسسة “Street Child” البريطانية فقد حذّرت من أن بعض برامجها التي كانت تمكّن الأطفال من الالتحاق بالمدارس في سيراليون، جنوب السودان، والكونغو، ستتوقف بسبب هذه التخفيضات. وقال المدير التنفيذي توم دانات: “التعليم هو أعظم ما يبعث الأمل على المدى الطويل… وخفض الدعم لهو قرار محزن وقصير النظر”. وأضاف: “الأطفال الذين كانوا يذهبون إلى المدرسة سيُتركون للتشرد أو العمل في الحقول، ولن تتطور قدراتهم الفكرية كما ينبغي”.
أشارت الحكومة إلى أن البنك الدولي – وتحديدًا صندوق التنمية التابع له – سيحصل على 1.98 مليار باوند من بريطانيا خلال السنوات الثلاث المقبلة. وذكر التقرير أن أحد الوزراء اعترف بأن “الرأي العام لم يعد يؤيّد الإنفاق على المساعدات الخارجية”.
ويُشار إلى أن حكومات حزب العمال بقيادة توني بلير وغوردون براون كانت قد التزمت برفع ميزانية المساعدات الخارجية إلى 0.7٪ من الدخل القومي، وهو الهدف الذي تحقق عام 2013 وأُدرج في القانون عام 2015. غير أن حكومة المحافظين خفّضت النسبة إلى 0.5٪ عام 2021، مبرّرة القرار بالضغوط الاقتصادية الناتجة عن جائحة كوفيد.
في الوقت الذي يشهد فيه العالم تفاقمًا في أزمات الجوع والصحة والتعليم، يبدو أن أولويات الحكومة البريطانية تنحرف بعيدًا عن القيم التي لطالما تبنّاها المجتمع الدولي. إن توجيه الضربات إلى النساء والأطفال في أكثر المناطق هشاشة، لا يمكن تبريره بذرائع مالية، خاصة حين ينجو الكبار وتتلقى المؤسسات الدولية دعمًا مستمرًا.
تؤمن منصة “العرب في بريطانيا” أن تخفيض المساعدات في هذا التوقيت – وبهذه الطريقة – لا يمثّل فقط تقليصًا في الموارد، بل يُعدّ تقليصًا في المبدأ الإنساني نفسه. التضامن ليس رفاهية تُعلَّق في الأزمات، بل هو المحكّ الأخلاقي للسياسات الخارجية.
المصدر: بي بي سي نيوز
إقرأ أيّضا
- بريطانيا تخصص 84 مليون باوند لهذه المشاريع في إفريقيا والشرق الأوسط
- جنوب إفريقيا تعتزم مقاضاة واشنطن ولندن بتهمة التواطؤ في الحرب على غزة
- جيرمي كوربين يسمّي حزبه الجديد.. “يور بارتي” لمستقبل بريطاني أكثر عدالة
الرابط المختصر هنا ⬇