مخطط بملايين الدولارات: كيف ساهمت شركة أمريكية في نموذج “التهجير الطوعي” للفلسطينيين؟

كشفت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تحقيق استقصائي موسّع، عن تورط شركة الاستشارات الأمريكية العملاقة “بوسطن كونسلتينغ غروب” (BCG) في مخطط مشبوه لإعادة هيكلة منظومة المساعدات في قطاع غزة، تضمن مقترحًا صادمًا لنقل مئات الآلاف من السكان خارج القطاع، ضمن مشروع تدعمه الولايات المتحدة وإسرائيل ويستهدف استبدال الآليات الأممية القائمة.
مخطط بملايين الدولارات!
وبحسَب التحقيق، حصلت الشركة على عقد بقيمة 4 ملايين دولار لتنفيذ المخطط خلال فترة امتدت لسبعة أشهر، تحت اسم رمزي هو “أورورا”. شارك في العمل أكثر من 12 موظفًا من الشركة، وتركزت المهمات على تقديم نماذج اقتصادية وخطط تشغيلية لإعادة إعمار ما بعد الحرب، لكنها شملت أيضًا سيناريوهات “ترحيل طوعي” لسكان غزة.
أحد أبرز تلك السيناريوهات كان تقديم “رُزم ترحيل” بقيمة 9 آلاف دولار للفرد، بهدف تشجيع 500 ألف فلسطيني على مغادرة القطاع. ووفقًا للنماذج، توقعت الخطة أن ربع سكان غزة قد يقبلون بالرحيل، مع تقديرات بأن معظمهم لن يعودوا. كما أظهرت الدراسة أن التهجير القسري سيكون أرخص من دعمهم داخل القطاع بمقدار 23 ألف دولار للفرد.
وفي يونيو الماضي، حاولت شركة (BCG) التنصل من مسؤوليتها، مدعية أنها قدمت دعمًا استشاريًّا مجانيًّا (pro bono) في مرحلة أولى، وأن اثنين من كبار شركائها -مات شلوتر وريان أوردواي- عملا لاحقًا على المشروع دون تفويض رسمي. وقد أعلنت الشركة طرد الشريكين وفتحت تحقيقًا داخليًّا في القضية، مؤكدة أن كبار مسؤوليها خُدعوا بشأن طبيعة المشروع.
لكن مصادر مطلعة تحدثت للصحيفة نفت هذه الرواية، وأكدت أن إدارة الشركة كانت على علم بتفاصيل المشروع منذ مراحله الأولى، وأن أعمالًا إضافية نُفذت تحت إشراف وحدة الاستشارات الدفاعية داخل الشركة، بالتنسيق مع جهات أمنية.
دور استخباري وشراكات أمنية
التحقيق أشار إلى أن شركة “أوربس” الأمنية، ومقرها واشنطن، كانت الجهة التي تعاقدت مبدئيًّا مع (BCG) لإعداد دراسة جدوى نيابة عن “معهد (Tachlith) الإسرائيلي. وقد اختيرت الشركة بسبب علاقتها بالضابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) فيل رايلي، الذي كان يشغل منصب مستشار كبير في (BCG) حين بدأ مناقشة المساعدات لغزة عام 2024.
رايلي أسس لاحقًا شركة أمنية خاصة باسم (Safe Reach Solutions)، التي أصبحت المزود الأمني الرئيس للمشروع، وانتقل موظفون من (BCG) لدعم خططها التشغيلية. ووقّعت (SRS) عقدًا أوليًّا بقيمة مليون دولار لتشغيل عملياتها في غزة، مع موافقات سفر صدرت عن إدارة المخاطر في (BCG).
خطة (GHF) استبدلت أكثر من 400 نقطة توزيع إنساني داخل القطاع بأربع نقاط توزيع عسكرية شديدة التحصين. وقد اضطُرّ المدنيون للاصطفاف في طوابير تحت التهديد، في ظل تقارير مؤكدة عن إطلاق جنود الاحتلال النار على فلسطينيين عزل ينتظرون الطعام.
التحقيق وثّق اعترافات من جنود إسرائيليين أكدوا تلقيهم أوامر مباشرة بإطلاق النار على المدنيين خلال انتظارهم المساعدات، ما يطرح تساؤلات عن البُعد الأمني للمشروع، ومدى تورط الأطراف الدولية في انتهاكات حقوقية خطيرة.
ورغم ضخامة المشروع، لا تزال مصادر تمويل كل من (GHF) و(SES) غير واضحة. وقد سُجِّلت الجهتان في ملاذات ضريبية أمريكية، في ظل غياب أي بيانات شفافة. ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع أن دولة لم يُكشف عن اسمها تعهدت بتقديم 100 مليون دولار لمصلحة المشروع، فيما ذكرت وكالة رويترز أن بنكي (UBS) و(Goldman Sachs) رفضا فتح حسابات مصرفية لـ(GHF) بسبب افتقارها للشفافية.
من جهتها صرّحت المؤسسة أنها تلقت تمويلًا أوليًّا من أوروبا، لكنها رفضت الإفصاح عن أسماء المانحين؛ حفاظًا على خصوصيتهم.
موقف منصة العرب في بريطانيا
تعتبر منصة العرب في بريطانيا أن ما ورد في هذا التحقيق يمثل خرقًا صارخًا للمعايير الأخلاقية في العمل الإنساني، ومحاولة ممنهجة لتسييس المساعدات وتحويلها إلى أدوات تهجير قسري.
وتؤكد المنصة أن استخدام خطط اقتصادية وأمنية لفرض واقع جديد في غزة، تحت مسمى “المساعدة”، يُعَدّ انتهاكًا واضحًا لحقوق السكان الأصليين، ويُهدّد بتكريس سياسات الفصل والتهجير التي طالما عانى منها الشعب الفلسطيني. وتدعو المنصة الجهات الإعلامية والحقوقية إلى التحقيق العاجل في هذه الاتهامات، والضغط من أجل محاسبة جميع الجهات المتورطة.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇