محكمة بريطانية تنتصر لمهاجر جزائري ضد وزارة الداخلية

شهدت محكمة العدل العليا في لندن انتصارًا قضائيًّا بارزًا، بعدما قضت بأن وزارة الداخلية البريطانية أخطأت برفضها شكوى مهاجر جزائري تعرّض للاستغلال والعمل القسري، متّبعة تعريفًا “ضيّقًا وجامدًا” لقوانين مكافحة الاتجار بالبشر، ومتجاهلةً تفاصيل محورية عن حالته الصحية وظروف عمله القاسية.
القصة من بدايتها
القضية تتعلّق بمهاجر جزائري عُرِف بالأحرف الأولى (SAC)، دخل المملكة المتحدة بصفة زائر عام 2022، قبل أن تتدهور أحواله الاقتصادية، ما اضطره للعمل تحت تهديدات وضغط نفسي ومادي لدى مقاولين استغلّوا حاجته، فأجبروه على العمل 12 ساعة يوميًّا، دون راحة كافية، بأجور متدنية تتراوح بين 6 و7 باوندات في الساعة، وليس هذا فحسب، بل حُرِم من جزء منها. كما عانى من نقص في السكن الملائم وتعرّض لإصابات ومشكلات صحية، مرفقة بتهديدات بإلقائه على قارعة الطريق إن حاول الاعتراض.
وبعد تدهور حالته، تدخل الصليب الأحمر البريطاني، الذي وفّر له سكنًا آمنًا، وأحاله إلى آلية الإحالة الوطنية (NRM) المختصة بتحديد ضحايا الاتجار والعمل القسري.
قرار الوزارة وتعليلها
وفي سبتمبر 2024، راجعت وزارة الداخلية القضية، واعترفت بوقائع عدّة تؤكّد أن (SAC) وُظِّف ونُقل بين عدّة مواقع عمل، وكذلك تعرّض للاستغلال على خلفية هشاشته وحاجته المالية، ما يشكّل العنصرين الأول والثاني من جريمة الاتجار بالبشر : “الفعل” و”الوسيلة”.
لكنها رفضت العنصر الثالث: “الغرض”، مبررةً قرارها بأن (SAC) “اختار العمل” لسدّ احتياجاته، وبوسعه ترك العمل لو أراد، متجاهلة طبيعة التهديدات والسياق المحيط به.
ورغم تقديم الصليب الأحمر البريطاني طلبًا لإعادة النظر، رفضته الوزارة بعد يومين، متمسّكةً بموقفها ومعتبرةً أنه لم تُقدَّم أدلة جديدة.
محكمة العدل العليا تتدخّل
وبعد تقديم التماس للمراجعة القضائية، قضت محكمة العدل العليا، في يونيو 2025، لمصلحة (SAC)، مؤكدةً أن قرار وزارة الداخلية غير قانوني، حيث:
• تجاهلت اعترافها بوقوع تهديدات واستغلال.
• أغفلت النظر إلى سياق هشاشة المهاجر، وظروف عمله، وعدم قدرته على المغادرة.
• طبّقت تعريفًا “جامدًا وضيقًا” للعمل القسري، مركّزًا على مبدأ “التطوع” دون مراعاة التهديد، الترهيب، أو الافتقار إلى الخيارات.
ونبّه القاضي إلى أن العمل القسري يمكن أن يحدث حتى لو وافق الفرد على العمل مبدئيًّا، إذا تبيّن لاحقًا خضوعه للتهديد والترهيب، أو عدم امتلاكه خيارًا حقيقيًّا. كما أشار إلى أن قرار الوزارة، وكذلك قرار إعادة النظر، خالفا المعايير القانونية وتعارضا مع التوجيهات الرسمية، ما يُشكّل سابقة مهمة تؤثر على طريقة تعامل الوزارة مع قضايا الاتجار والعمل القسري مستقبلًا.
القضية تفتح باب النقاش على مصراعيه بشأن طريقة تعامل الحكومة البريطانية مع ضحايا الاتجار والعمل القسري، حيث يرى خبراء ومؤسسات حقوقية أن الوزارة تتعامل في الغالب مع هذه القضايا على أساس شكلي، دون النظر للسياق العامّ وحجم الاستغلال الواقع على الضحايا.
القضاء، بانتقاده النهج الحالي، يشير إلى ضرورة تبنّي تعريف شامل للعمل القسري يأخذ بالحسبان موازين السلطة، والترهيب، وحجم الضغط الذي يُمارَس على الفرد، بصرف النظر عن “موافقته” الشكلية على العمل.
رأي منصة العرب في بريطانيا
تُرحّب منصة العرب في بريطانيا بقرار محكمة العدل العليا، وتعتبره رسالة مهمة للحكومة البريطانية مفادها أن العدالة وحماية حقوق المهاجرين وضحايا الاتجار بالبشر تتطلّب تعريفًا أوسع للعمل القسري، يأخذ بالحسبان مواقف الضعف، والترهيب، والسياق المحيط بالفرد. كما تؤكد المنصة ضرورة تطوير سياسات وزارة الداخلية وإجراءاتها؛ لضمان التعامل بإنصاف وحِرَفية مع قضايا الاتجار والعمل القسري، وضمان حماية كل فرد على الأراضي البريطانية، مهما كانت جنسيته أو وضعه القانوني.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇