مجزرة الهلال الأحمر: جرائم ضد الإنسانية في عالم يتجاهل معاناة الفلسطينيين

سلّط الصحفي جو جيل في مقالٍ له على موقع ميدل إيست الضوء على الصمت الدولي الذي لم يعد مفاجئًا على جرائم “إسرائيل” في غزة، بعد 18 شهرًا من العدوان المستمر. ويرى جيل أن المجازر اليومية، التي كانت تثير الغضب في الماضي، باتت اليوم مجرد أرقام جديدة في تقارير المنظمات الحقوقية. فالقوى العالمية، التي تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان، لا تتجاوز بيانات القلق الضعيفة، في حين تمضي الولايات المتحدة في دعمها الكامل لحرب التجويع والتهجير القسري التي تستهدف مليونَي فلسطيني.
واستهلّ الكاتب مقاله بالقول: “إن إسرائيل مدعومة بغطاء أمريكي، وتنفّذ تطهيرًا عرقيًّا ممنهجًا في غزة، وهي تعلم جيدًا أن أحدًا لن يتدخل لوقفها. أما المحاكم الدولية، التي يُفترض أن تكون الحصن الأخير للعدالة، فتقف عاجزة رغم القرارات السابقة التي أكدت وقوع جرائم حرب إسرائيلية واحتمال حدوث إبادة جماعية”.
إسرائيل ترتكب جرائم حرب بلا عقاب!
ونقل جيل ما قاله المعلق الإسرائيلي المناهض للصهيونية ألون مزراحي على منصة إكس: “في الوقت التي تبدأ فيه إسرائيل بتنفيذ خطط تطهير غزة عرقيًّا، فلنتذكر أن محكمة العدل الدولية لم تعقد أي جلسة لمناقشة الإبادة الجماعية منذ الـ24 من مايو 2024، عندما استخدمت لغة غامضة بشأن العملية العسكرية في رفح. منذ ذلك الوقت، قُتل عشرات الآلاف، وأُصيب مئات الآلاف، ومات الأطفال جوعًا وبردًا، وبُترت أطراف الآلاف. لكن المحكمة التزمت الصمت”.
وأشار المقال إلى أن الإدارات الأمريكية السابقة كانت تحاول، “ولو شكليًّا”، إظهار بعض الاحترام للشرعية الدولية. أما اليوم، ومع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فقد انتهى عهد الدبلوماسية الشكلية، وأصبح القانون الوحيد المعتمد هو “قانون الغاب”، حيث تُفرَض السياسات بالقوة العسكرية.
كما أشار إلى أن القوات الإسرائيلية ارتكبت في الـ23 من مارس الماضي جريمة جديدة ضد فرق الإغاثة، حيث استهدفت طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني والأمم المتحدة، ما أدى إلى مقتل 14 عامل إغاثة. وبعد أسبوع، عُثر على جثثهم في مقبرة جماعية بمدينة رفح، بعضها مشوّه ومقطوع الرؤوس، وأخرى مقيدة الأيدي وتحمل إصابات في الرأس والصدر.
ونقل جيل عن المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل قوله: “المقبرة كانت على بُعد أمتار قليلة من سياراتهم، ما يعني أن قوات الاحتلال أخرجتهم من المركبات، أعدمتهم، ثم ألقت بجثثهم في حفرة. إنها واحدة من أفظع المجازر التي شهدتها غزة في العصر الحديث”.
وأشار الكاتب إلى أن الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية لم تجد أي ردود فعل دولية على هذه الجريمة، تمامًا كما حدث بعد مقتل سبعة من موظفي منظمة “وورلد سنترال كيتشن” في الأول من إبريل 2024، عندما قُتل عاملون من بريطانيا وبولندا وأستراليا وفلسطين، إضافةً إلى مواطن يحمل الجنسيتين الأمريكية والكندية. حينها أبدت بعض الدول ‘قلقًا’، لكنه لم يُترجَم إلى أي إجراءات عقابية ضد إسرائيل، التي واصلت استهداف عمال الإغاثة بلا خوف من العواقب”.
وأضاف الكاتب: “إسرائيل كانت قد صنّفت وكالة الأونروا ‘منظمة إرهابية’ في أكتوبر الماضي، ومنذ ذلك الحين قتلت أكثر من 280 من موظفيها، وهو ما يمثل الأغلبية العظمى من إجمالي 408 عمال إغاثة قُتلوا في غزة منذ أكتوبر 2023.
صمت بريطانيا عن جرائم الحرب في غزة
أما عن موقف بريطانيا من المجازر المتتالية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين فقال جيل: “إن منظمات ‘أنقذوا الأطفال’ و’المساعدات الطبية للفلسطينيين’، و’كريستيان إيد’ دعت الحكومة البريطانية إلى وقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل. لكن رئيس الوزراء المنشغل بحملته لترحيل المهاجرين ‘غير الشرعيين’ لم يُصدر أي تعليق على المجازر الإسرائيلية. أما وزير الخارجية، فقد وجد الوقت للحديث عن زلزال ميانمار، والناتو، والهجمات الروسية على أوكرانيا، لكنه لم يُعلّق على غزة منذ الـ22 من مارس، عندما اكتفى ببيان مقتضب قال فيه: “استئناف الضربات الإسرائيلية في غزة خطوة إلى الوراء. مع فرنسا وألمانيا، ندعو إلى وقف إطلاق النار”.
وانتقد جيل تجاهل وزير الخارجية في بيانه المجازر الإسرائيلية وقتل مئات الأطفال، واكتفائه بالقول: “نشعر بالغضب إزاء هذه الوفَيَات، ونتوقع إجراء تحقيق شفاف ومحاسبة المسؤولين”، لكن البيان لم يُترجَم إلى أي خطوات عملية!
عصر الفوضى: انهيار النظام العالمي
وبحسَب جيل، فإن النظام العالمي لم يعد يحترم القوانين الدولية، إذ باتت القوى الكبرى ترسم خرائط جديدة بالعنف؛ وفلسطين تُبتلع تدريجيًّا داخل إسرائيل بدعم أمريكي، وأوكرانيا تفقد أراضيها الشرقية لمصلحة روسيا، والدول الصغيرة تُهاجَم دون محاسبة، من اليمن إلى لبنان.
وختم جيل مقاله قائلًا: “لطالما كانت هذه هي طبيعة السياسة العالمية، لكن في العقود الماضية، كانت القوى العظمى تدّعي على الأقل احترام القانون الدولي. أما اليوم، فحتى هذا الادعاء تلاشى تمامًا”.
“إسرائيل، التي لم تكن يومًا معنية بالقانون الدولي، أرست مبدأ ‘القوة تصنع الحق’، والآن أصبح هذا المبدأ هو القاعدة السائدة عالميًّا. حتى في بريطانيا، شهد الأسبوع الماضي اقتحام الشرطة لمقر (Quaker Friends House) في لندن، حيث كان ناشطون شباب يجتمعون لمناقشة مقاومة الإبادة في غزة بطرق سلمية. ست نسوة اعتُقلن خلال المداهمة”.
“قبل سنوات، كان هذا المشهد مستحيلًا. لكن القوانين الجديدة جعلت مثل هذه الممارسات أمرًا شائعًا. هذا هو عصر الفوضى، حيث أصبح كل من يدافع عن حقوق الإنسان والسلام عدوًّا للدولة، سواء كان في فلسطين، أو لندن، أو حتى في جامعة كولومبيا”.
المصدر: ميدل إيست آي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇