العرب في بريطانيا | ما رأيته في غزة لا يُصدّق.. شهادة طبيبة بريطانية

1447 محرم 27 | 23 يوليو 2025

ما رأيته في غزة لا يُصدّق.. شهادة طبيبة بريطانية

مقالArtboard-2-copy-2_2 (1)

بصفتي طبيبة، وعاملة في مجال الإغاثة الإنسانية، وأمًّا، فقد قضيت العقدين الماضيين أستجيب للأزمات في سوريا واليمن وباكستان وغيرها.

عالجتُ أطفالًا يتشبثون بالحياة من أمراض كان يمكن الوقاية منها، وقدّمتُ الدعم لنساء مصابات بصدمات نفسية أثناء الولادة في مناطق الحروب، وشهدتُ الأثر الإنساني المدمر للحصار والقصف والقسوة البيروقراطية.

ورغم كل هذا الألم، لا شيء يقارن بما نشهده من إبادة جماعية في غزة.

اليوم قطاع غزة ينهار تحت وطأة مجاعة من صنع الإنسان، تتحمل النساء والأطفال العبء الأكبر، وهذا الذي وصفه خبراء الأمم المتحدة بـ”التجويع المتعمد” وأنه “ذو دوافع سياسية”، لم تسببه كارثة، بل خُطِّط له.

في جميع سنوات عملي الميداني، لم أرَ هجومًا منهجيًّا كهذا على صحة الأمهات والأطفال.

هذه ليست أزمة إنسانية مجردة. إنها حرمان متعمد لمجتمع مدني بأسره من الغذاء والماء والدواء، جريمة تُرتكب أمام أنظار العالم.

تجويع متعمد

الوكالات الإنسانية مثل وكالتي، أكشن فور هيومانيتي، تُمنَع باستمرار من الوصول إلى غزة.

وفي الوقت نفسه، يُسلَّح ما يسمى بـ”مؤسسة غزة الإنسانية” -وهي منظمة وهمية- لأغراض سياسية في أحسن الأحوال، ولتعميق معاناة الفلسطينيين في أسوأها.

يُحجَب الغذاء والوقود والإمدادات الطبية وحتى حليب الرضع.
ووفقًا لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، هناك أكثر من 71 ألف طفل دون سن الخامسة وما يقرب من 17 ألف امرأة حامل ومرضعة بحاجة إلى علاج عاجل من سوء التغذية الحاد.

وتقدّر هيئة الأمم المتحدة للمرأة أن أكثر من 557 ألف امرأة يعانين من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

في وحدات حديثي الولادة في خان يونس ورفح، يتمسك الأطفال الخُدّج بالحياة عبر قطرات متبقية من الحليب الصناعي.

وقد حذر موظفو مستشفى ناصر من نفاد آخر عبوات الحليب الطبي المتخصص. هؤلاء الأطفال -بعضهم يزن أقل من 1.5 كغ- لا يموتون بسبب نقص الحنان، بل بسبب نقص السعرات الحرارية.

سوء التغذية أدى بالأمهات المصابات إلى جفاف حليبهن. والأطفال مثل لينا البالغة من العمر ستة أشهر، والتي وُلدت ناقصة الوزن وتعتمد على الحليب الصناعي، الآن تموت جوعًا مع نفاد الإمدادات.

والدتها، الهزيلة والمصابة بفقر الدم، لا تستطيع إرضاعها. عُلب الحليب القليلة التي كانت لديهم جرى تقنينها لتكفي شهرًا، لكنها نفدت خلال أيام.

النساء يلدن في الخيام، بين الأنقاض، وفي عيادات مكتظة دون تخدير، ولا مضادات حيوية، ولا مستلزمات نظافة.

يُجرى للنساء عمليات قيصرية دون مسكنات كافية للألم. وقد سمعت مباشرة من نساء مثل رانيا، التي أنجبت بمفردها، واستلقت تتألم بلا ماء، وأُخرِجت من العيادة خلال ساعات، تنزف وهي محطمة الفؤاد بينما تحتضن مولودها الجديد.

مساعدات مسلحة

غزة

هذه ليست مآسيَ فردية، إنها الوضع الطبيعي في غزة اليوم.
يشهد العاملون في مجال الصحة كارثة صحية عامة في الوقت الفعلي، وهم غير قادرين على التدخل، أيديهم مقيدة نتيجة تدمير النظام الصحي والعوائق المتعمدة أمام إيصال المساعدات.

هذا ليس إخفاقًا في الخدمات اللوجستية، إنه هدف سياسي. جريمة، جريمة ضد الإنسانية.

القانون الإنساني الدولي واضح: تجويع المدنيين في الحرب هو جريمة حرب.

أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش في نيسان/إبريل 2024 بأن أطفال غزة يموتون شيئًا فشيئًا لأسباب مرتبطة بالجوع.

وفي الشهر التالي، أيار/مايو 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، فتجاهلت هذه الأوامر بشكل صارخ.

هذا أمر لا يمكن الدفاع عنه أخلاقيًّا، وليس هذا فقط، بل هو إجرامي.

بصفتي طبيبة، رأيت الهزال البطيء للطفل المصاب بسوء التغذية، وشاهدت عينَي أمّ ملؤهما الأسى؛ لأن طفلها لا يستطيع البكاء لافتقاره للطاقة.

احتضنتُ أطفالًا يموتون بين ذراعَي، يكون الأمر مأساويًّا لا يوصف عندما ترى حالة واحدة، أما الآن، فهو الوضع الطبيعي في غزة، والعالم يشاهد في صمت.

بينما تُنتهك حقوق الإنسان والقانون الدولي وأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية كل دقيقة من كل يوم في غزة، علينا أن نطالب مرة أخرى بالاستئناف الفوري للممرات الإنسانية، لتمكين إيصال الغذاء والوقود وحليب الرّضّع والإمدادات الطبية بأمان واستمرار.

هناك أيضًا حاجة عاجلة لإنشاء مناطق طوارئ لرعاية الأمهات والمواليد الجدد، وينبغي أن تكون هذه الأماكن مزودة بالكوادر والمُعَدات لتوفير ولادة آمنة ورعاية منقذة لحياة المواليد.

تحرك عاجل

تقع على عاتق الحكومات مسؤولية أخلاقية لتمويل وتنفيذ برامج طوارئ لتغذية الأمهات والرّضّع عبر (OCHA) ووكالة الأونروا والمنظمات الإنسانية غير الحكومية، لتوسيع نطاق علاج سوء التغذية الحاد وتوزيع الحليب الضروري.

لا نحتاج إلى قوانين دولية جديدة لمنع ما يحدث، فذلك ممنوع أصلًا وبوضوح، ما نحتاج إليه هو تطبيق هذه القوانين.

على المجتمع الدولي أن يضمن الامتثال لأوامر محكمة العدل الدولية من خلال الضغط الدبلوماسي، والآليات القانونية، وتعليق مبيعات الأسلحة.

الإخفاق في التحرك الآن لن يعرّض أطفال غزة للخطر فقط، بل سيهدد ضحايا الحروب المستقبلية من الأطفال في كل مكان.

السماح لإسرائيل بانتهاك قوانين الحرب بأسرها يُؤدي إلى سابقة قاتلة ستكلّف العالم أرواحًا لسنوات قادمة، بما يتجاوز حدود غزة.

هذه حالة طوارئ طبية، إنها حالة طوارئ إنسانية. إنها حالة طوارئ أخلاقية. وهذه الأزمة تتطلب استجابة توازي رعبها.

بصفتي إنسانة، أطالب بالتحرك العاجل، وبصفتي طبيبة، أطالب بالفرز الطبي على مستوى سكاني، وبصفتي أمًّا، أسأل: كيف يمكننا قبول هذا؟!

تبرع غزة

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
10:52 pm, Jul 23, 2025
temperature icon 18°C
overcast clouds
70 %
1015 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 5:11 am
Sunset 9:02 pm