العرب في بريطانيا | ما بين السطور.. الحكاية التي لم تروَ

1447 ربيع الثاني 9 | 02 أكتوبر 2025

ما بين السطور.. الحكاية التي لم تروَ

مقالArtboard-2-copy-4_2 (3)
عادل يوسف August 26, 2025

يحدث أن يتفوه المرء بكلمات، أو يفتعل سلوكيات واضحة لا شِيَةَ فيها تدندن حول مفردة “أحبك”، لكنه لم يقلها صراحةً، فهو عند القاضي بريء لا يُدان.

وعلى النقيض، بعض العبارات والتصرفات جليّة لا تُخطئها العين، كلها من معاني “ابتعد”، و”أكرهك”، و”انتهى وقتك”… إلخ.

أحيانًا الكثير من الاهتمام والحب متستر بلباس “كيف حالك”، وكمّ هائل من البغضاء وراء “ماذا حلّ بك”.

فما قيل هو الكلام الذي لم يُقلْ؛ لأن الناس باتت تخشى ردات الفعل، فكست أقوالها جلباب الدبلوماسية، حتى إذا سُلّط عليها الضوء، قالوا: هل شققتم عن صدورنا؟ هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، هاتوا دليلًا واحدًا أنّا ذكرنا ذلك؟

قلت: الأفعال والأقوال من حولنا -بعضها- كحصان طروادة، إن قبلتها من دون تمحيص وتفكيك وقراءة ما بين السطور، ستُدهشك بخبثها، بل ربما فتكت بك، وما القوم الذين استقبلوا برحابة صدر هدية القائد اليوناني أوديسيوس وما أصابهم من جراء ذلك عنّا ببعيد.

اقرأ التاريخ إذ فيه العبر
ضل قومٌ ليس يدرون الخبر

والشواهد في هذا الباب كثيرة، أسوق بعضًا منها، وعليك أن تقيس ما ذكرت على ما لم أذكر.

أولها قصة مريم عليها السلام مع قومها لمّا أتت بطفلها تحمله، لاحظ أنهم لم ينعتوها صراحةً بـ(الزانية)، بل عرّضوا بالقول -والتعريض بالقذف قذف- فقالوا: ما كان لأخت رجل صالح (هارون) أن تفعل ذلك، ما عهدنا أباك امرأ سوء، حتى أمك سيرتها ناصعة البياض.

فهم أرادوا ذمها من جهة مدح أهلها، فرد عليهم سبحانه: ﴿وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾.
فما قيل هو الكلام الذي لم يُقَلْ.

ومنها كما ذكر الأستاذ أدهم الشرقاوي، إبّان الاستخراب البريطاني للهند، كان الحاكم الإنجليزي يسير بسيارته مع القنصل، في الطريق وجدوا شابًّا يركل بقرة ويشتمها بأقبح العبارات؛ لأنها أسقطت متاعه، هرع الحاكم مسرعًا نحو الشاب ينهره عن فعله ويمسح على البقرة ويتبرك ببولها، فلما رأى الناس ما حدث انهالوا على الشاب المسكين بالضرب، وأخذوا يكيلون المديح للرجل الأشقر الطيب ويشكرونه على صنيعه.

في طريق العودة، سأل القنصل الحاكم مذهولًا: أرجوك سيدي، لا تقل إنك أصبحت تعبد البقر مثلهم.

فالتفت إليه الحاكم قائلًا: أنت تعلم يا عزيزي أنني ملحد لا أومن بوجود آلهة من الأساس، لكن عليك أن تعي أننا لن نحكم الهند في اللحظة التي سيدرك فيها الهنود أن البقرة ليست إلهًا.

ففعل الحاكم مع الشاب يندرج تحت شعار: ما قيل هو الكلام الذي لم يُقَلْ.

استنادًا إلى ما سبق، ولأنه من الشائن الحديث أيام الطوفان عن شيءٍ غير الطوفان، في محاولة لقراءة وتحليل العبارات السيّارة بين الناس الآن، فقولهم: كنا بخير، من أيقظ العملاق؟ هذا ما جنت أيديكم، أنتم سبب كل هذا الدمار… هل يقابلها قول الأول: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾؟

هل هناك قراءة أخرى لمن يصرخ بأعلى صوته: أعيدوا لهم -ورقة الضغط الوحيدة- أسراهم، ألقوا جانبًا كل شيء، ولنلتف حول طاولة المفاوضات ولا شيء غيرها. ما المقصود بـ”الطاولة”، أهي المفاوضات حقًّا، أم دق آخر مسمار في نعش المقاومة والحرية؟

لا تروّعوا الآمنين المستوطنين، فالإسلام دين السلام، فمن ضربك على خدك الأيمن، فأدر له خدك الأيسر حتى يقتلك، فديننا يحثنا على التسامح!

أحقًّا ديننا يحثنا على التسامح، أم أن ما قيل هو الكلام الذي لم يُقَلْ؟!

لي فيك يا ليلُ آهاتٌ أُردِّدها
أوَّاه لو أجْدَتِ المحزونَ أوَّاه

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
9:28 am, Oct 2, 2025
temperature icon 13°C
few clouds
89 %
1024 mb
5 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 20%
Visibility 10 km
Sunrise 7:02 am
Sunset 6:36 pm

آخر فيديوهات القناة