العرب في بريطانيا | ماذا لو جاءت الحياة في المهجر على غير ما نحلم به؟

1447 ربيع الثاني 12 | 05 أكتوبر 2025

ماذا لو جاءت الحياة في المهجر على غير ما نحلم به؟

مقالArtboard-2-copy-4_2 (15)

الهجرة عبورٌ من عالمٍ مألوفٍ إلى فضاءٍ مجهول، حيث تتشابك أحلامنا مع صدى واقعٍ لم نختره.

نحمل معنا قبل الرحيل صورًا مثاليةً لحياةٍ أفضل: أمان، استقرار، عمل كريم، قلبٌ مطمئن.

لكن في كثير من الأحيان، تأتي الحياة في المهجر مخالفةً لحلمنا، فتجد نفسك أمام واقعٍ آخر، واقعٍ يغلبه الحنين، والوحدة، وأحيانًا مرارة الفقد.

هنا يبرز السؤال الأعمق: ماذا أفعل إذا جاءت الحياة خلاف ما حلمتُ به؟

أول ما يتوجّب علينا هو قبول الواقع. وليس القبول استسلامًا، إنما إدراك الحقيقة بلا إنكار، لنفتح لأنفسنا نافذةً جديدةً للنظر.
في القبول نجد القوة للتفكير بهدوء، بعيدًا عن ضجيج الألم، لنخطو خطوةً جديدةً نحو التغيير.

ثم تأتي لحظة إعادة صياغة الحلم.
والأحلام كأمواج البحر تتشكّل وفق ظروف الرياح.
إذا انهار حلمنا الأصلي، علينا أن نصنع له بديلًا، حلمًا جديدًا ينبثق من رحم الواقع.
قد لا يكون الحلم كما رسمناه، لكنه قد يحمل في طيّاته فرصةً لاكتشاف جوانب لم نكن نعلم بوجودها داخلنا.

التعلّم والتكيّف هما سلاحنا في المهجر.
تعلّم لغة المكان، وفهم ثقافته، واستيعاب عاداته، كلّها جسورٌ نحو الاندماج.
والتكيّف هنا هو فنّ الحفاظ على الذات وسط تيارات التغيير.
من يتعلّم ويتكيّف يصبح سيّد لحظاته، حتى وإن لم تسرِ الحياة كما خُطِّط لها.

أمّا إدارة المشاعر فهي سرّ الصمود.
الغربة تحمل معها موجاتٍ من الحنين، والخوف، والوحدة.
الاعتناء بالنفس، والبحث عن دعمٍ اجتماعي، أو حتى كتابة اليوميات والتأمل، كلّها أدواتٌ لتهدئة النفس وإعادة ترتيب المشاعر.
فالقلب في الغربة يحتاج إلى مأوى، حتى لا يغرق في بحر الاغتراب.

ثم يأتي دور استثمار الوقت والطاقة فيما نستطيع تغييره.
في المهجر، كثيرٌ من الأمور خارجةٌ عن إرادتنا، لكن هناك دومًا ما نستطيع صنعه.
التعلّم، والتطوّع، وبناء شبكة علاقات، واكتساب مهاراتٍ جديدة، كلّها خطواتٌ تمنحنا إحساسًا بالقوة، وتحوّل الحلم إلى حقيقة.

وأيضًا تغيير النظرة.

فأحيانًا لا يكون الواقع هو المشكلة، ربّما نظرتنا إليه هي المشكلة بحدّ ذاتها.
إذا نظرنا إلى المهجر كعقبةٍ لا مفرّ منها، سنبقى أسرى الإحباط، لكن إذا نظرنا إليه كفرصةٍ لاختبار الذات وصياغة المستقبل، يصبح المهجر أرضًا خصبةً للنموّ.

الحياة في المهجر، مهما كانت خلافًا لما حلمنا به، ليست نهاية الطريق، إنما فصلٌ جديدٌ في كتاب حياتنا؛ كتابٌ يخطّه صبرنا، وعزيمتنا، وقوّة أرواحنا.
الحلم قد يتغيّر، لكن جوهر الرحلة يظلّ صامدًا: أن نكون نحن.

لذلك، حين يتبدّل الحلم، لا تدع الإحباط يثنيك.
اجعل من اختلاف الطريق فرصةً لإعادة رسم حلمك، فالمهجر، رغم ما يحمله من تحدّيات، قادرٌ أن يمنحك أعمق تجربةٍ وأغنى حكمة.

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
11:08 am, Oct 5, 2025
temperature icon 15°C
few clouds
61 %
1016 mb
16 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 18%
Visibility 10 km
Sunrise 7:07 am
Sunset 6:29 pm

آخر فيديوهات القناة