العرب في بريطانيا | لماذا يكره البروتستانت الإنجيليون الفلسطينيين؟

1447 محرم 21 | 17 يوليو 2025

لماذا يكره البروتستانت الإنجيليون الفلسطينيين؟

مقالArtboard 2 copy (14)

منذ أبريل 2025، يشغل مايك هاكابي، القس المعمداني والإنجيلي البروتستانتي الأمريكي، منصب سفير الولايات المتحدة لدى الاحتلال الإسرائيلي.

هاكابي، السياسي اليميني المتطرف والمرشح الجمهوري السابق للرئاسة وحاكم ولاية أركنساس الأسبق، عُرف بتطرفه الديني وتصريحاته العنصرية، حيث صرّح في مناسبات عدة أن “الفلسطينيين لا وجود لهم”، معتبراً أن الهوية الفلسطينية ليست سوى “أداة سياسية لانتزاع الأرض من إسرائيل”، على حدّ زعمه.

ومؤخرًا، وصف الفلسطينيين في غزة بأنهم “همجيون أشرار ومتوحشون”، في انسجام تام مع تقليد استشراقي استعلائي يمتد من البعثات التبشيرية إلى المشاريع الاستعمارية التي ادعت أنها جاءت “لتهذيب المتوحشين”.
يعارض هاكابي إقامة دولة فلسطينية، ويُسخّف من مشروع الاستيطان الإسرائيلي الاستعماري في الضفة الغربية باعتباره مجرد “تطوير حضري”.

وفي تناقض حتى مع الرواية الإسرائيلية الرسمية التي تُطلق على هذه المشاريع اسم “مستوطنات”، يصرّ هاكابي على تسميتها “مجتمعات” و”أحياء” و”مدنًا”.

هاكابي مولع بإسرائيل منذ شبابه، وقد زارها أكثر من مئة مرة منذ عام 1973. وهو ليس حالة معزولة، بل يُمثل تيارًا دينيًا متجذرًا.

في بداية هذا الشهر، نظّمت منظمة “مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل” (CUFI)، والتي تزعم أن لها أكثر من 10 ملايين عضو، مؤتمرها السنوي قرب واشنطن العاصمة، ووُصف بأنه “مهرجان حب لإسرائيل يمتد لثلاثة أيام”، ينتهي بجولات ضغط على الكونغرس الأمريكي.

رحّبت المنظمة بتعيين هاكابي وأشادت بوزير الخارجية ماركو روبيو الذي تعهد بأن تكون هذه الإدارة “الأكثر دعمًا لإسرائيل في تاريخ الولايات المتحدة”.

لكن هذا التيار ليس طارئًا، بل يمتد بجذوره إلى قرون مضت.

الجذور الإمبريالية للصهيونية الإنجيلية

يتبع هاكابي تقليدًا طويلًا من المسيحية الإنجيلية الصهيونية، يعود إلى حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، لا سيما تيار “الألفية” الذي دعا إلى “استعادة” اليهود الأوروبيين لفلسطين، وتحويلهم إلى البروتستانت، بهدف تسريع المجيء الثاني للمسيح.

وقد سبقت الصهيونية الإنجيلية نظيرتها اليهودية بثلاثة قرون، وكانت الحاضنة الأيديولوجية التي مهدت الطريق للمشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين.

في أواخر القرن الثامن عشر، نشطت جمعيات تبشيرية بريطانية على رأسها “جمعية تبشير الكنيسة لأفريقيا والشرق” (1799) و”جمعية لندن لتبشير اليهود” (1809)، والتي أسسها اثنان من اليهود الألمان الذين اعتنقوا البروتستانتية.

كانت هذه الجمعيات مدعومة من نخب المجتمع البريطاني، ومنهم وزير الخارجية اللورد بالمرستون وصهره الإنجيلي اللورد شافتسبري. وقد طلب بالمرستون رسميًا من السلطان العثماني السماح لليهود الأوروبيين بالعودة إلى فلسطين.

وبحلول عام 1841، أصبح رئيس أساقفة كانتربري، الزعيم الروحي للكنيسة الأنجليكانية، راعيًا رسميًا لجمعية تبشير اليهود.

“حملة صليبية سلمية”

انضم إنجيليون متعصبون من أمريكا وألمانيا والسويد إلى “حملة صليبية سلمية” جديدة للسيطرة على فلسطين وتحويل اليهود. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، كانت النخبة السياسية البريطانية، بما في ذلك رئيس الوزراء ديفيد لويد جورج ووزير الخارجية آرثر بلفور، من الإنجيليين المتحمسين لاستعادة اليهود لفلسطين، وهو ما تُرجم عمليًا في “وعد بلفور” عام 1917.

وفي الولايات المتحدة، ظهرت مستوطنات إنجيلية في فلسطين منذ منتصف القرن التاسع عشر، كان هدفها المعلن تحويل اليهود وتسريع المجيء الثاني للمسيح.
لم يتراجع هذا التيار في القرن العشرين، بل تضاعف بعد قيام إسرائيل، وخصوصًا بعد نكسة عام 1967.

برزت شخصيات إنجيلية مثل جيري فالويل وبات روبرتسون، إلى جانب رؤساء أمريكيين تبنوا خطابًا إنجيليًا، أبرزهم بيل كلينتون.

وهاكابي اليوم ما هو إلا امتداد لهذه السلالة الدينية المتطرفة.

تفويض إلهي

يرى هاكابي أن انتصارات إسرائيل في الحروب ليست نتيجة تفوق عسكري، بل تدخل إلهي مباشر. يقول: “الجنود الإسرائيليون لم يقاتلوا على أرض عادية، بل على الأرض التي وهبها الله لشعبه قبل 3500 عام”.

وفي حفل عشاء نظّمته “مؤسسة التراث الإسرائيلي”، أعلن أن دعمه لإسرائيل نابع من إيمانه الديني العميق، قائلاً: “نحن لا نطلب من الله أن يتبع قوانيننا. نحن من عليه أن يتبع قانونه”.

وفي عام 2015، وخلال حملته الانتخابية، هاجم الرئيس السابق باراك أوباما بسبب الاتفاق النووي مع إيران، واتهمه بأنه “يقود اليهود إلى أبواب الأفران”، في إشارة صريحة للهولوكوست، ما أثار انتقادات حتى من جهات مؤيدة لإسرائيل مثل “رابطة مكافحة التشهير” والسفير الإسرائيلي في واشنطن آنذاك رون ديرمر.

ورغم ذلك، لم يتراجع هاكابي، بل يستشهد بالنصوص التوراتية التي تنص على أن “من يبارك إسرائيل يُبارَك، ومن يلعنها يُلعن”.

صليبيو العصر الحديث

هاكابي ليس وحده في هذا المسار. فـ”مؤسسة غزة الإنسانية” الأمريكية، التي تدعم العدوان الإسرائيلي باسم “الإغاثة”، يرأسها القس الدكتور جوني مور، المستشار السابق للبيت الأبيض خلال رئاسة ترامب الأولى، والمتخصص في “استكشاف مساهمات المسيحيين في الصهيونية المبكرة”.

مور، الذي عمل مساعدًا لجيري فالويل، تلقى جوائز من مؤسسات صهيونية عديدة، ويُعدّ من أبرز الداعمين للرؤية الأمريكية الاستعمارية في غزة.

وهؤلاء ليسوا استثناءً، بل يمثلون واجهة دينية جديدة لصهيونية إنجيلية متجذرة تعمل عبر مناصب رسمية، وسياسات حكومية، وشبكات تمويل ضخمة.

تقاطع ديني–إمبريالي

تزامن صعود الصهيونية الإنجيلية البروتستانتية مع صعود الإمبريالية البريطانية، التي وفّرت لهذه الأيديولوجيا مجالًا أوسع لنشر دعوتها خارج حدود أوروبا.

في فلسطين، كما في كينيا ونيوزيلندا وسيراليون، لعب الإنجيليون دور الممهد للاستعمار البريطاني.

وفي حالة فلسطين، اكتسب هذا الدور بُعدًا خاصًا، كونها مهد الديانتين اليهودية والمسيحية معًا.

ولم يكن تصاعد الدعم الإنجيلي الأمريكي لإسرائيل بعد 1967 محض مصادفة، بل انعكاسًا لتحالف ديني–سياسي يرى في إسرائيل مشروعًا مقدسًا يخدم المصالح الإمبراطورية الأمريكية.

فالكراهية الإنجيلية للفلسطينيين لا تنفصل عن تقديسهم لإسرائيل. بل هي جزء لا يتجزأ من إيمانهم الأعمى بأن الفلسطينيين أعداء “شعب الله المختار” وعدو لمصالح أمريكا في الشرق الأوسط.

هكذا، يصبح دعم الدولة الإسرائيلية ومشروعها الإبادي في غزة، في نظرهم، عملاً نابعًا من الإيمان، لا من خارجه. ويظل الإنجيليون الأمريكيون أوفياء لهذا الإيمان، دينياً وسياسياً، حتى الرمق الأخير.

 

المصدر: ميدل إيست آي


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
3:52 pm, Jul 17, 2025
temperature icon 25°C
overcast clouds
69 %
1015 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 5:03 am
Sunset 9:09 pm