أبواب تُفتح باليقين: لماذا يفوز المتفائلون دائماً
يقف الإنسان في هذا العالم المثقّل بالضّجيج، والمتسارع في وتيرته، والمرهق في امتحاناته اليوميّة بين طريقين: طريق اليأس الّذي يرهق الرّوح، وطريق اليقين الّذي يُنير القلب. وما بينهما تتحدّد ملامح المصير.
فالتّفاؤل قوّة روحية تُعيد ترتيب الفوضى داخلنا، وتمنحنا قدرةً عجيبةً على رؤية الفرص في قلب العثرات، وعلى قراءة الحياة بعين الإيمان والطمأنينة. ولهذا، كان من الطّبيعيّ أن يكون المتفائلون هم الأكثر فوزاً في سباق الحياة.
اليقين… الباب الّذي يسبق كلّ باب
حين يؤمن الإنسان بأنّ الخير قادم، وأنّ الله يدبّر شؤونه بحكمة، يفتح باباً داخليّاً يستند إليه كلّ باب خارجي. اليقين قوة تُحرّك القدر، تشبه المفتاح الّذي يسبق المفاتيح. ومن كان على يقين بالله، لم تُهزمه العواصف مهما اشتدّت، لأنّ داخله ثابت؛ فالقلوب الّتي امتلأت ثقةً بقول الله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ليست كغيرها؛ إنّها قلوب تعرف أنّ العسر مؤقّت، وأنّ الفرج وعدٌ لا يخلفه الله.
ويكفي أن نتذكّر المقولة المنسوبة لسيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
“مصائركم تُؤخذ من أفواهكم”
في إشارةٍ دقيقةٍ إلى أنّ الكلمة الّتي ينطقها القلب قبل اللّسان، تصنع الطّريق الذي نمشيه. فمن اعتاد قول الخير، جاءه الخير؛ ومن اعتاد توقّع السوء، وجد السوء حاضراً عند عتبة قلبه.
لماذا يفوز المتفائلون؟
المتفائل يفوز لأنّه يرى ما لا يراه غيره. يرى الضّوء قبل أن يشرق، يرى الأمل قبل أن يتجلى، ويرى النّجاة في منتصف الغرق.
ولذلك، فالمتفائلون يتصرفون بطريقةٍ تجعل الفوز أقرب إليهم من غيرهم. فهم:
1_ يملكون عقلاً يختار الحلّ قبل المشكلة
بينما ينشغل البعض بتضخيم الخوف، ينشغل المتفائل بالبحث عن المخارج، فيرى الطريق المختصر نحو الفرج، ويستثمر جهده في البناء لا في الشّكوى.
العقل المتفائل يعمل بطاقةٍ أعلى، ونفسيّةٍ أقوى، وإبداعٍ أنشط، وهذا وحده سببٌ كافٍ للفوز.
2_ يرسلون رسائل إيجابيّة للقدر
حين تقول: “سأشفى”، “سأصل”، “سأنجح”، فإنّك تخاطب الكون الّذي خلقه الله على نظام السّعي والنّية.
فالله تعالى يقول في الحديث القدسيّ: “أنا عند ظنّ عبدي بي”.
وهنا يكمن السّرّ: أنّ الظنّ الحسن يجلب حسن المصير، وأنّ التفاؤل استدعاءٌ فعليّ للفرج.
3_ يتحرّكون بثبات
المتشائم يتردّد، والمتفائل يمضي، ولو خطوة واحدة كلّ يوم، لكنّها في النّهاية تُشكّل طريقاً كاملاً.
المتفائل لا ينتظر أن تصبح الظّروف مثالية؛ وإنّما يخلق من الظّروف المتاحة ما يستطيع، ويُسلّم أمر الباقي إلى الله بيقين.
4_ يمتلكون قلباً لا ينكسر بسهولةٍ
القلب الممتلئ باليقين أقوى من المواقف؛ لا تهزّه خسارة، ولا يسقط عند أوّل خيبة، لأنّه يعرف أنّ ما فات لم يكن خيراً له، وأنّ ما يأتي يحمل رسالة لطفٍ مخفيّةً.
هذا الإيمان العميق يجعلهم يستعيدون توازنهم بسرعةٍ، فيكملون طريقهم بينما يتوقّف غيرهم عند محطّة الألم.
التّفاؤل ليس حلماً… هو عبادةٌ قلبيّةٌ
قد يظنّ البعض أنّ التّفاؤل مجرّد شعورٍ لطيفٍ، لكنّه في الحقيقة عبادةٌ قلبيّةٌ تنبع من الإيمان بالله.
حين تتفاءل، فأنت تقول دون كلمات:
“يا ربّ، أنا أعلم أنّك لن تخذلني.”
وهذا أعظم أشكال التّوكل.
لذلك، كان النّبيّ (صلّى الله عليه وسلّم) يحبّ الفأل الحسن، ويعدّه طريقاً لراحة النّفس وقوّة الرّوح.
كيف يفتح اليقين الأبواب؟
كم من إنسان انهارت خططه كلّها، ثم انفتح له باب لم يكن بالحسبان!
كم من مريضٍ قال له الأطباء “لا شفاء”، فكتب الله له الشّفاء لأنه ظنّ بربه خيراً!
وكم من امرأة أو رجل فقدوا أشياء كانوا يظنّون أنّها نهاية العمر، ثمّ اكتشفوا لاحقاً أنّها كانت بداية العمر الحقيقيّ!
هذه ليست صدفة… هذا اليقين عندما يعمل.
اليقين يصنع كراماتٍ صغيرةً كلّ يوم
قد لا نرى المعجزات الكبرى، لكنّنا نعيش كراماتٍ صغيرةً تحدث كل يوم دون أن نلاحظها:
يد تمتدّ في اللّحظة الحاسمة، باب يُفتح فجأة، قلب يعود للطّمأنينة، مشكلة تنحل دون جهد كبير، رزق يصل دون توقع…
كل هذا يحدث حين نختار التفاؤل.
وبهذا، نرى أنّ المتفائلين يفوزون دوماً؛ لأنّهم يعيشون في نور، بينما يعيش غيرهم في ظلال الشكّ!
يفوزون لأنهم يثقون بالله قبل أنفسهم.
يفوزون لأنّهم لا يحاربون الحياة، إنّما يتصالحون معها، ويتعاملون معها بإيمان هادئ يقول:
“اللّهمّ اختر لي، فإنّي لا أحسن الاختيار.”
وحين يسكن هذا اليقين في القلب، تصبح الأبواب الّتي كانت مغلقةً أمس… مفتوحةً اليوم، ومنيرة غداً.
اقرأ أيضًا:
- حين تثمر الأرواح: فلسفة عطاء النفس
- حين يصبح علم المتديّن أخطرَ من جهله
- لنجعل للسودان وغزة مكانا في ضمائرنا
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇

صدقتِ🌸
صدقت ولله🌿