العرب في بريطانيا | لماذا قررتُ تنظيم حفل موسيقي لفلسطين في ويمبلي ...

1447 ربيع الأول 25 | 18 سبتمبر 2025

لماذا قررتُ تنظيم حفل موسيقي لفلسطين في ويمبلي أرينا؟

مقالArtboard-2-copy-5_2
براين إينو September 18, 2025

آمل أن يحمل حفل ليلة الأربعاء الأثر نفسه الذي أحدثه حفل نيلسون مانديلا عام 1988، وأن يمنح الناس شجاعة الجهر بموقفهم تجاه غزة.

في صيف عام 1988 نظّم المنتج الموسيقي توني هولينغزوورث حفلًا ضخمًا في ملعب ويمبلي بلندن احتفاءً بعيد ميلاد نيلسون مانديلا السبعين. عرض على هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) حقوق البث المباشر، لكن المؤسسة ترددت؛ فمانديلا كان لا يزال في السجن منذ عام 1962، وصورته في الإعلام البريطاني مقترنة بتهمة “الإرهاب”. التقى هولينغزوورث بالمدير التنفيذي آلان ينتوب الذي بدا مترددًا، فقال له: “عليك أن تبتلع الطُعم وتتخذ القرار الشجاع.” وفي النهاية وافق ينتوب قائلاً: “أعطيك خمس ساعات بث، وإذا تحسّن برنامج الحفل سأزيد المدة.”

لم يمض وقت طويل حتى بدأ نواب محافظون بتحريك عريضة في البرلمان تندد بقرار الـBBC التحريري. وكان خصوم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) محقين في قلقهم؛ فقد بُث الحفل أمام جمهور عالمي قُدّر بـ 600 مليون شخص، وحوّل مانديلا إلى رمز عالمي، وساهم على الأرجح في التعجيل بإطلاق سراحه. وقد قال أوليفر تامبو، رئيس المؤتمر الوطني الإفريقي آنذاك، إن الحفل كان “أعظم حدث قمنا به دعمًا للنضال.”

نجح ذلك الحفل لأن الثقافة، آنذاك كما اليوم، تسبق السياسة وتمهّد لها. فالقصص التي نحكيها لأنفسنا وللآخرين هي ما يشكّل مشاعرنا ورؤيتنا للعالم، ويمنح الكُتّاب والموسيقيين والفنانين والممثلين قدرة هائلة على صياغة الفضاء الذي يتحرك فيه الساسة.

وهنا نصل إلى غزة.

منذ بداية عصر الاتصال الحديث، لم يشهد العالم نزاعًا مثل النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي حيث تُخاض المعركة بالكلمات والصور بقدر ما تُخاض بالقنابل والرصاص. ولهذا استُهدف الفنانون الذين يعارضون الاحتلال ويدافعون عن العدالة للفلسطينيين بحملات رقابة ممنهجة، هدفها تضييق الحيز المتاح لرواياتهم.

والأمثلة على ذلك كثيرة: في العام الماضي شُنّت حملة منظمة لإسكات المخرج اليهودي جوناثان جلازر. الممثلة ميليسا باريرا أُقصيت من أحد مشاريع هوليوود لمجرد استخدامها كلمة “إبادة جماعية” عن غزة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي ألمانيا أُلغيت معارض لفنانين لأنهم وجهوا انتقادات مشروعة للحكومة الإسرائيلية. حتى الـBBC رفضت عرض فيلم وثائقي استثنائي عن العاملين في القطاع الصحي بغزة بحجة الخوف من “تصور الانحياز” – قبل أن يُعرض لاحقًا على Channel 4 ويحظى بإشادة كبيرة.

إن ما أصفه بـ”جبن” الـBBC ليس سوى نتاج جدار من الخوف بُني بعناية من قبل أنصار السياسات الإسرائيلية لمعاقبة الفنانين الذين قد تصنع أعمالهم ثقافة بديلة قادرة على إعادة تشكيل السياسة. لكن هذا الجدار بدأ يتصدع.

خذ مثلًا حفل Together for Palestine الذي أقيم ليلة الأربعاء في ويمبلي أرينا – القاعة الكبرى الملاصقة للملعب الذي احتضن حفل مانديلا قبل 37 عامًا. لقد عملتُ أنا وآخرون لعام كامل لنحقق هذا المشروع. حتى العثور على مكان لإقامة الحفل كان معركة بحد ذاتها؛ فمجرد ذكر كلمة “فلسطين” كان كفيلاً برفض الطلب فورًا. (أتساءل ما لو كان اسمه Together for Ukraine، هل كان الرفض سيحدث؟) لكن شيئًا ما تغيّر في الأشهر الأخيرة: ويمبلي وقّع العقد، ويوتيوب وافق أخيرًا على بث الحفل مباشرة، والأهم أن الفنانين أعلنوا مشاركتهم.

وليلة أمس شهد ويمبلي أكبر فعالية ثقافية مؤيدة لفلسطين منذ بداية العدوان على غزة. فقد نفدت 12 ألف تذكرة خلال ساعتين فقط. واعتلى المسرح – إلى جانب كثيرين – الممثلان المرشحان للأوسكار بنديكت كامبرباتش وجاي بيرس، والفرق الموسيقية باستيل وجيمس بليك وبينك بانثرِس وديمون ألبارن، إضافة إلى فنانين فلسطينيين مثل Saint Levant وElyanna. وألقى الكلمة الافتتاحية فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي فُرضت عليها مؤخرًا عقوبات من إدارة ترامب.

قبل خمس سنوات، وربما حتى قبل عام واحد، كان من الصعب تصوّر أن يجتمع هذا العدد من الفنانين العالميين في فعالية لدعم فلسطين. لكن وحشية الهجوم الإسرائيلي على غزة، وتجويع سكانها عمدًا، والتصريحات العلنية لوزراء إسرائيليين تدعو صراحة للتطهير العرقي، كلها عوامل أحدثت شقوقًا عميقة في جدار الخوف. ولعل الحكومة الإسرائيلية، بل حتى الشارع الإسرائيلي، لم يدرك بعد حجم التغيير في الخطاب العالمي المتعلق بفلسطين. واليوم قد يصبح الخطر الأكبر على سمعة بعض الفنانين هو صمتهم لا صوتهم.

لقد تأسس جزء من ذلك الجدار على الربط المتعمد بين كلمتَي “فلسطين” و”إرهاب” – وهي نتيجة حملة دعائية استمرت عقودًا لشيطنة القضية. وهذا بالضبط ما كان يُقال عن نيلسون مانديلا في الثمانينيات. واليوم يبدو مضحكًا أن يكون النقاش حول نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا محكومًا بمثل هذه الرقابة المحكمة. لكن الزمن يتغير، وما كان مثار جدل يصبح فجأة حقيقة أخلاقية بديهية، ويجد المدافعون عن الباطل أنفسهم على “الجانب الخطأ من التاريخ”. ففي عام 2006 اعترف زعيم حزب المحافظين آنذاك ديفيد كاميرون بأن حزبه كان “مخطئًا” في موقفه من الفصل العنصري، واصفًا مانديلا بأنه “أحد أعظم الرجال الأحياء”.

وربما يأتي يوم يقر فيه زعماء الأحزاب الغربية بمسؤوليتهم عن التواطؤ في العنف الوحشي الذي تتعرض له العائلات الفلسطينية. حينها سيكون الأوان قد فات لإنقاذ عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين، لكن إذا جاء هذا اليوم فسيُسجَّل الفضل – ولو جزئيًا – للفنانين والكتّاب والموسيقيين الذين ساعدونا على رؤية الفلسطينيين كبشر، يستحقون الاحترام والحماية مثل جيرانهم الإسرائيليين.

وكما يقول الكاتب المصري الكندي عمر العقاد: سيأتي يوم يقول فيه الجميع إنهم لطالما كانوا ضد كل هذا.

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
10:50 pm, Sep 18, 2025
temperature icon 17°C
overcast clouds
87 %
1021 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 6:40 am
Sunset 7:09 pm

آخر فيديوهات القناة