العرب في بريطانيا | لماذا تتعرض الجمعيات الخيرية الإسلامية في بريطا...

1447 صفر 21 | 16 أغسطس 2025

لماذا تتعرض الجمعيات الخيرية الإسلامية في بريطانيا لتدقيق صارم؟

مقالArtboard-2-copy-3_2 (8)
جعفر ميرزا August 14, 2025

تبرعت منظمتان خيريتان مقرهما بريطانيا، هما صندوق كاسنر الخيري و”يو كيه توريمِت” (UK Toremet)، بحوالي 5.7 مليون باوند (7.7 مليون دولار) بين عامي 2017 و2021 لمدرسة دينية في مستوطنة سوسيا الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وفقًا لما كشفته صحيفة الغارديان مؤخرًا.

تُعتبر هذه المستوطنة غير قانونية بموجب القانون الدولي والموقف الرسمي لسياسة الحكومة البريطانية الخارجية. وقد ساهمت هذه الأموال بشكل كبير في توسعة المدرسة الثانوية الدينية “بني عكيفا” في سوسيا، ما أدى إلى زيادة عدد الطلاب وجعلها مؤسسة محورية في المستوطنة.

أثار هذا الأمر انتقادات واسعة من شخصيات سياسية ونشطاء حقوق الإنسان، الذين يرون أن المنظمات التي تموّل المستوطنات — بما قد يقوّض القانون الدولي — لا ينبغي أن تتمتع بصفة “العمل الخيري”.

والأدهى من ذلك أن هذه العملية المثيرة للجدل تمت تحت إشراف مباشر من الهيئة المنظمة للعمل الخيري في المملكة المتحدة (لجنة الجمعيات الخيرية)، التي أجازت هذه التبرعات على أساس أن تمويل مدرسة تقع في الأراضي المحتلة يمكن أن يندرج — من حيث المبدأ — ضمن “دعم التعليم” وبالتالي يُعتبر نشاطًا خيريًا “مشروعًا”.

وأوضحت الهيئة أن عمل جمعية خيرية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يُشكّل في حد ذاته جريمة أو خرقًا لقانون الجمعيات الخيرية.

ومع أن هذه المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتعترف الحكومة البريطانية بذلك رسميًا، فقد وافقت الهيئة على التبرعات مبررةً ذلك بأسباب تعليمية — وهو أمر يستحق مراجعة قانونية مناسبة.

وفي الوقت نفسه، يعزز هذا الحادث المخاوف والاتهامات المتكررة التي تُوجّه للهيئة بشأن حيادها، خاصة فيما يتعلق بالجمعيات الخيرية الإسلامية.

رقابة أشد

يبرز التباين في معاملة الهيئة للجمعيات الخيرية في حالة مركز إنجلترا الإسلامي (ICEL)، وهو مركز شيعي في غرب لندن يخدم الجالية الإيرانية والشيعة من جنسيات مختلفة.

في عام 2020، وجّهت الهيئة إنذارًا للمركز بعد أن نظم متظاهرون وقفة لتأبين الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الذي استشهد في غارة أمريكية بطائرة مسيّرة، وكان مدرجًا على قائمة العقوبات البريطانية.

وفي نوفمبر 2022، فتحت الهيئة تحقيقًا رسميًا في المركز، مستندةً إلى “مخاوف كبيرة” بشأن الحوكمة، تتعلق بالمراسم التأبينية، والمحتوى المنشور على الإنترنت، وما وصفته بتضارب المصالح لدى الأمناء. وقد اختتم التحقيق في مايو 2025 بفرض متطلبات على الأمناء لتشديد الرقابة على الخطب والخدمات الدينية والفعاليات والمحتوى الإلكتروني.

يعتقد كثيرون ممن تابعوا أنشطة المركز أن استهدافه جاء بسبب موقفه النقدي للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية. ورغم أن الهيئة لم تصرح بذلك، فقد صورت وسائل الإعلام اليمينية المركز مرارًا على أنه “مركز أعصاب” للحكومة الإيرانية، بسبب صلة الإمام المقيم فيه بالمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.

تقرير أكاديمي جديد

تقرير أكاديمي مرتقب بعنوان “المركز الإسلامي في إنجلترا: فهم دوره داخل المجتمعات المسلمة في بريطانيا” أعده أستاذان من جامعتي لوند وسواس، وجد أن المركز مستقل ماليًا ولا يتلقى تمويلًا من إيران، وأنه يلعب دورًا إيجابيًا في دعم المجتمعات المسلمة المحلية. التقرير أقر بوجود ارتباط روحي بين الإمام المقيم وخامنئي، لكنه لم يعتبره ارتباطًا سياسيًا.

وأشار التقرير إلى أن القيود الصارمة التي فرضتها الهيئة قد “تحد من حقوق المسلمين في حرية التعبير والتجمع السلمي”.

حتى إذا قبلنا مبررات الهيئة بشأن تحذيرها للمركز على خلفية تأبين سليماني، يبقى السؤال: لماذا يُعتبر تمويل مشاريع في مستوطنات غير قانونية — تدينها الأمم المتحدة والحكومة البريطانية نفسها — أمرًا مشروعًا، بينما تُعاقَب مؤسسات مسلمة بسبب مواقفها السياسية أو الدينية؟

هذا التباين يكشف مشكلة أعمق: ازدواجية المعايير في تعامل الهيئة، خاصة مع المنظمات الإسلامية.

استهداف الجمعيات الإسلامية

(أنسبلاش)

لطالما اتهمت المنظمات الإسلامية الهيئة بالتحيز ضدها. ففي حين تُجاز أنشطة جمعيات مؤيدة لإسرائيل حتى داخل المستوطنات، تتعرض الجمعيات الإسلامية لمستويات استثنائية من التدقيق، غالبًا بناءً على شبهات فضفاضة أو دوافع سياسية.

على سبيل المثال، كانت منظمة “هيومن إيد UK” — وهي جمعية خيرية إسلامية بريطانية — موضوع تحقيق استمر عامين بعد احتجاز الشرطة لموظفيها عام 2019 ومصادرة أموالها. ورغم إعادة الأموال وعدم العثور على مخالفات، واصلت الهيئة التحقيق، ما دفع الجمعية لاتهامها بالتحيز وبالعمل كأداة بيد أجهزة الأمن.

وبحسب تحليل الغارديان، بين أبريل 2012 ونوفمبر 2014، شكّلت الجمعيات الإسلامية أكثر من ربع التحقيقات الرسمية للهيئة — 20 من أصل 76 — رغم أن كثيرًا منها كان يقتصر على إدارة مساجد أو تقديم مساعدات إنسانية أو العمل في سوريا.

كما أظهرت دراسة أكاديمية نُشرت عام 2017 أن الجمعيات الإسلامية، التي تشكل 1.21٪ فقط من القطاع، كانت هدفًا لـ38٪ من التحقيقات المعلنة بين يناير 2013 وأبريل 2014، ما يثير مخاوف جدية من وجود تحيز مؤسسي.

تحت ضغط الهيئة، لجأ مسؤولو مركز إنجلترا الإسلامي إلى مطالبة المنظمين بعدم التطرق إلى عدوان إسرائيل على غزة أو إظهار التضامن مع الفلسطينيين، خشية تعريض وضعهم القانوني للخطر.

اتهامات بتطبيع الإسلاموفوبيا

أعرب المجلس الإسلامي البريطاني عن قلقه من أن الهيئة تتخذ موقفًا متشددًا تجاه الجمعيات الإسلامية التي تدعم فلسطين، ما غذّى اتهامات بأنها أصبحت أداة لإسكات هذه الجمعيات ومنعها من التعبير عن التضامن مع ضحايا جرائم الحرب الإسرائيلية.

من المفترض أن تكون الهيئة مستقلة و”بعيدة عن تأثير الآخرين”، لكن أفعالها في الحالات المذكورة توحي بأنها متأثرة بالسياسة الخارجية البريطانية، التي تميل ضد إيران والدول المسلمة، بينما تُظهر مواقف أكثر تساهلًا مع إسرائيل.

هذا الانحياز المفترض يقوّض الثقة العامة ويعرض الهيئة لشبهة التواطؤ. ولا يمكنها الادعاء بحماية نزاهة العمل الخيري وهي تطبق معاييرها بانتقائية، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالجمعيات الإسلامية.

رد الهيئة

اتهام منفذ تفجير مانشستر أرينا هاشم عبيدي بالشروع في قتل 3 أشخاص داخل السجن

ردت الهيئة على أسئلة “ميدل إيست آي” بالقول: “نرفض أي ادعاء بالتحيز. جميع القضايا تُقيَّم بعدل وبما يتماشى مع الإطار القانوني”، وأكدت أنها “مستقلة عن الحكومة”. لكنها لم تعلّق على سبب استهداف الجمعيات الإسلامية بشكل غير متناسب، كما أظهرت دراسة ReOrient.

وأضافت أنها لا “تقيد حرية التعبير… ويمكن للجمعيات التعبير علنًا عن آرائها بشأن مسائل الضمير أو الدين، بما في ذلك النزاع في الشرق الأوسط، طالما أن هذه الآراء تخدم أغراض الجمعية ومصالحها المثبتة”. وأكدت أن الخطب أو البيانات يجب ألا تكون تحريضية أو مثيرة للانقسام.

وفي ما يتعلق بالجمعيتين المرتبطتين بالمستوطنات، قالت الهيئة: “هناك احتمال بأن قيام ‘يو كيه توريمِت’ بتحويل أموال إلى تلك الجهات قد يشكل جريمة بموجب قانون اتفاقيات جنيف لعام 1957. وقد أصدرنا للأمناء توجيهات قانونية وخطة عمل تتضمن الإشارة إلى ضرورة الالتزام بالقانون المذكور”.

لكن، إذا كانت الهيئة تريد استعادة الثقة مع المجتمعات المسلمة في بريطانيا وإثبات حيادها، فعليها أن تطلب فورًا إجراء مراجعة مستقلة لممارساتها لضمان المساواة والإنصاف الحقيقي لجميع الجمعيات الدينية.

المصدر: ميدل إيست آي 


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
9:55 pm, Aug 16, 2025
temperature icon 18°C
clear sky
75 %
1026 mb
15 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 0%
Visibility 10 km
Sunrise 5:47 am
Sunset 8:22 pm