العرب في بريطانيا | لا تألف وجع أخيك.. وكن له عونًا وإن طال الأمد

لا تألف وجع أخيك.. وكن له عونًا وإن طال الأمد

لا تألف وجع أخيك.. وكن له عونًا وإن طال الأمد

حين تنكسر روح أخيك، لا يكفي أن تواسيه بكلماتٍ عابرة… بل تحتاج أن تشعر بعمق كسره، كأنه كسر قلبك أنت.
أن تضع يدك على جرحه لا بلسانك… بل بقلبك الذي يعي مرارة المصاب.
أن تقف بجانبه لا لأنك مجبر… بل لأنك تؤمن أن الأخوّة لا تعرف النسيان.
فبعض المواساة حياة، وبعض الغياب موتٌ آخر للمكلوم.
كن قلبًا لا يألف الوجع… ولا يخذل صاحبه وإن طال.

“لا يألفنَّ أحدكم مصابَ أخيه وإن طال”

القلوب حين تسمع عن مصابِ أخ، أو فاجعةِ صديق، أو محنةِ جار… تتحرك بالفطرة، تهرع بالعزاء والمواساة، تفيض بالدعاء والتضامن. هذا أول العهد بالمصيبة.
لكن ما تلبث الأيام أن تمضي… وتفتر الأحاسيس… ويعود الناس إلى تفاصيل حياتهم، بينما يبقى صاحب المصاب وحده، يواجه جراحه، يسامر حزنه، ويكتم أنينه تحت ستار الصبر والرضا.

وهنا تأتي الغفلة الخطيرة…
حين يعتاد الناس خبر مصاب أخيهم، كأنه صار أمرًا عاديًا، أو صفحة طُويت وانتهت!
فتراهم يقلّون السؤال عنه، ويبهتون في مواساته، وربما ضاق بعضهم به ذرعًا إن طال حزنه أو امتدّ وجعه.

لهذا جاء هذا القول المؤثر:
“لا يألفنَّ أحدكم مصابَ أخيه وإن طال…”

لأن المصائب لا يخففها الوقت وحده، ولا تداويها الأيام إن خلا القلب من التعاطف والوفاء.
قد تظن أن صاحب البلاء “اعتاد” مصيبته… لكنه في الحقيقة قد اعتاد كتمانها، لا احتمالها.
قد تراه يبتسم… لكنه يبتسم من شدة الألم، لا من شفاء الجرح.

كم من قلبٍ جريح مررنا به مرور الكرام!
وكم من مبتلى صبر حتى ملّ الصبر نفسه، ولا أحد يشعر أو يسأل!

تأمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
“مثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ، تداعى له سائرُ الجسد بالسهر والحمّى.”

ما أجمل هذه الصورة!
ليس “لحظة الشكوى” فقط… بل حتى مع استمرار الألم، يظل الجسد كله متداعيًا… يظل القلب حاضرًا، والمواساة قائمة، والدعاء مستمرًا.

ما أقسى أن تداهم أحدهم مصيبة عظيمة، ثم تمر الأيام فيجد من حوله قد نسوا… وتحوّلوا عنه، وربما زادوا من ألمه ببرودهم، أو كلماتهم الجارحة:
“أما زلت حزينًا؟ ألم يحن وقت النسيان؟”

ألا يعلم هؤلاء أن بعض المصائب لا تُنسى!
وأن بعض الجراح لا تبرأ!
وأن المواساة ليست لحظةً عابرة، بل رسالةُ وفاءٍ لا تنقطع مع الوقت!

لا تجعل من الزمن مبررًا لجفاف مشاعرك.
ولا تظن أن من ابتُلي قد شُفي لأنك لم تعد تراه يتألم أمامك.
القلوب الطيبة لا تألف وجع الأحبة، ولو مرّت عليه الأعوام.

كن عونًا لمن كُسر قلبه، وجابرًا لخواطر المنكسرين.
واجعل في قلبك مساحةً للوفاء والرحمة… تذكّرهم في دعائك، وبلّغهم بكلمةٍ طيبة كلما سنحت لك الفرصة.
وربما تكون أنت غدًا في موضعهم… فلا تجد إلا من لم يألف مصابك… حينها ستعرف المعنى حقًا.

اللهم ارزقنا قلوبًا حيّة، وأرواحًا وفيّة، وألسنةً صادقةً في الدعاء، وأعمالًا خالصةً في العون… ولا تجعلنا من الغافلين.

 


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
4:58 am, Jul 31, 2025
temperature icon 16°C
broken clouds
85 %
1017 mb
2 mph
Wind Gust 3 mph
Clouds 51%
Visibility 10 km
Sunrise 5:22 am
Sunset 8:50 pm