كشفت الحرب الراهنة على أوكرانيا كثيرًا من الأقنعة التي يرتديها الغرب باسم الحريات والدعوة إلى المساواة؛ حيث يشاهد اللاجئ السوري أحمد الحريري الذي فرّ من وطأة الحرب في سوريا قبل عشر سنوات إلى مدينة صيدا اللبناني، وكثير من اللاجئين العرب يشاهدون أوروبا وهي تفتح ذراعَيها لمئات الآلاف من الأوكرانيين في أقل من أسبوع، في حين لا يمكن أبدًا أن يحدث الأمر نفسه مع اللاجئين غير الأوربيين!
ويتساءل أحمد في حديثه مع رويترز في مركز للّاجئين يُؤوي 25 عائلة في أطراف مدينة صيدا، قائلًا: “لماذا تُرحّب جميع الدول بالأوكرانيين ونحن – اللاجئين السوريين – ما زلنا في الخيام وتحت الجليد، ونواجه الموت، ولا أحد ينظر إلينا؟!”.
و امتد انتقاد ازدواجية المعايير الأوروبية من الحريري وأمثاله اللاجئين إلى الناشطين باسم المساواة والعدالة، وإلى رسّامي الكاريكاتير مستنكرين ردّة فعل الغرب مع السورين وغيرهم من اللاجئين الذين رُفِضوا في عام 2015، واستذكروا صورًا لِلَاجئين حفاة في البرد القاسي، وآخرين يلقون حتفهم في البحر محاولين الوصول إلى الحدود الأوروبية.
في حين قال الاتحاد الاوروبي يوم الاثنين الماضي – بعد أربعة أيام من شنّ الهجوم الروسي -: دخل 400 ألف أوكراني – على الأقل – تراب الاتحاد عبر أربع دول حدودية أوروبية. ويُتوقَّع قدوم ملايين آخرين وسط استعدادات دول الاتحاد لاستقبال اللّاجئين، وتقديم رُخَص إقامة مؤقتة، وخدمات الرعاية الاجتماعية، وتقديم فرص العمل أيضًا؛ وذلك في استجابة سريعة جدًّا للوضع على عكس ما حدث مع السوريين وآخرين!
وبحلول أوائل عام 2021 – أي: بعد 10 سنوات من اندلاع الحرب في سوريا – استقبلت دول الاتحاد الأوروبي مليون لاجئ وطالب لجوء سوري؛ إذ استقبلت ألمانيا وحدها أكثر من نصف هذا الرقم. ووصل معظمهم قبل اتفاق عام 2016 الذي دفع فيه الاتحاد الأوروبي المليارات لتركيا لمواصلة استضافة 3.7 ملايين سوري.
في حين كان الترحيب بالأوكرانيين هذه المرة فوريًّا!
وقال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف: “ليس لدينا هنا موجة للّاجئين – كما عَهِدنا ذلك سابقًا – لا نعرف كيف نتعامل معها. أولئك أشخاص لديهم ماض غير واضح” ، في إشارة منه إلى أن الأوكرانيين أذكياء، ومتعلمون، ومؤهلون تأهيلًا عاليًا.
وقال أيضا: “هؤلاء أوروبيون يتعرضون للقصف”، في حين قالت بلغاريا: إنها ستساعد كل من يأتي من أوكرانيا؛ حيث يوجد حوالي 250 ألفًا منهم من أصول بلغارية.
وقد التمس في العام الماضي 3800 سوري الحماية في بلغاريا، وحصل 1850 منهم على اللجوء. ويقول السوريون: إن معظم اللاجئين يَعُدّون بلغاريا نقطة عبور فقط إلى دول الاتحاد الأوروبي الأكثر ازدهارًا.
كما رحبت الحكومة البولندية أيضًا بالفارّين من حرب أوكرانيا، وهي الحكومة نفسها التي تعرضت إلى انتقادات دولية شديدة في العام الماضي؛ لصدِّها موجة مؤلفة من مهاجرين أفارقة وشرق أوسطيين عبروا الحدود من بيلاروسيا.
وفي المجر التي أقامت حاجزًا على طول حدودها الجنوبية لمنع تدفُّق الناس القادمين من الشرق الأوسط وآسيا عام 2015، أدّى وصول اللاجئين من أوكرانيا المجاورة إلى تقديم الدعم، وعروض النقل، والإقامة قصيرة الأجل، والملابس والطعام لهم.
“مدنيّون نسبيًّا”!
تقول كل من المجر وبولندا إن اللاجئين القادمين من الشرق الأوسط والذين يصلون إلى حدودهم – حدود كلتا الدولتين – قد عبروا بالفعل بلدانًا آمنة أُخرى عليها واجب توفير المأوى لهم.
ودافع وزير خارجية المجر بيتر زيجارتو عن المقاربات المختلفة، وقال في اجتماع للأمم المتحدة في جنيف: “يجب رفض إجراء مقارنات بين الفارّين من الحرب وأولئك الذين يحاولون دخول البلاد بشكل غير قانوني”.
وما خفف من تداعيات الترحيب هو حقيقة أن أوكرانيا هي موطن لمجتمع عرقي مجريّ كبير.
هذا وقد دفعت هذه الروابط بعض الصحفيين الغربيين إلى الإشارة إلى أن الكارثة الإنسانية في أوكرانيا تختلف عن الأزمات الحاصلة في سوريا أو في العراق أو في أفغانستان؛ لأن الأوروبيين أقرب لكونهم ضحايا! وقد وصف مراسل تلفزيوني على شبكة سي بي إس الأمريكية – على سبيل المثال – مدينة كييف بأنها مدينة “متحضّرة نسبيًّا وأوروبية نسبيًّا” على عكس مناطق الحرب الأخرى! في حين قال آخرون: إن أوكرانيا مختلفة؛ لأن الفارّين كانوا من الطبقة المتوسطة، أو أنهم كانوا متحضّرين، وكانوا يشاهدون نتفليكس!
وقد أثارت تلك التعليقات موجة من الاستنكار على وسائل التواصل الاجتماعي، وأدت إلى اتهام الغرب بالتحيُّز.
This is a civilized city! They're blue-eyed and blond-haired! This is Europe, not the Third World!
Tonight on @MSNBC, @AymanM and I discussed some of the awful and, frankly, racist coverage of the Ukraine war & Ukrainian refugees compared to the MidEast:pic.twitter.com/ir6qWHBNE6
وقد اعتذر مراسل شبكة سي بي إس تشارلي داجاتا، قائلًا: إنه كان يحاول نقل حجم الصراع، ولم تَرُدّ شبكة سي بي إس بشكل فوريٍّ على طلب الحصول على مزيد من التعليقات.
ومن جهة أخرى قال نديم حوري المدير التنفيذي لمبادرة الإصلاح العربي: إن التغطية الإعلامية كانت مزعجة، وكشفت عن “الجهل باللاجئين القادمين من أجزاء أخرى من العالم، والذين لديهم تطلُّعات الأوكرانيين نفسها”.
التطوع للقتال في أوكرانيا!
ذكر حوري وغيره من المنتقدين أيضًا أن بعض الحكومات تُظهر معايير مزدوجة بشأن قضية المتطوعين الذين يريدون القتال في أوكرانيا ضد القوات الروسية؛ حيث أيّدت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس يوم الأحد الماضي دعوة الرئيس الأوكراني زيلينسكي الناس للانضمام إلى أوكرانيا لمحاربة القوات الروسية. وقالت لتلفزيون بي بي سي: “بالتأكيد، إذا أراد الناس دعم هذا النضال فسأعينهم على فعل ذلك”.
Foreign Secretary Liz Truss says she “absolutely” supports British citizens going to fight in Ukraine “if that’s what they want to do”
وفي المقابل حذرت الشرطة البريطانية البريطانيين الذين يسافرون إلى سوريا من مساعدة المتمردين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد قبل ثماني سنوات من احتمال اعتقالهم عند عودتهم، قائلة: إنهم قد يشكّلون خطرًا أمنيًّا على المملكة المتحدة.
ولم تَرُدّ وزارة الخارجية مباشرة على طلب التعليق على تصريحات تروس. وبدوره قال وزير الدفاع بن والاس: إن الوضع مختلف عن المقاتلين الذين انضموا إلى جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا إلا أن الحكومة ستثني الناس عن الذهاب إلى أوكرانيا.
وبينما زاد شعورهم بالتخلي عنهم بسبب الترحيب بالأوكرانيين في شرق أوروبا، قال العديد من اللاجئين في شمال سوريا ولبنان والأردن لرويترز: إن المسؤولية عن محنتهم تقع على عاتق السلطات الأقرب إلى أوطانهم.
ويقول البعض: كان على الدول العربية أن تفعل المزيد من أجل دعم الكفاح العسكري ضد الأسد في عام 2011 الذي انبثق عنه احتياجات واسعة النطاق للشعب، ومن أجل مساعدة اللاجئين أكثر. وبصرف النظر عن جيران سوريا – الأردن ولبنان – فقد استقبلت الدول العربية عددًا قليلًا من نازحي الحرب السورية.
هذا وقد قال علي خليف الذي يعيش في مخيم بالقرب من بلدة أعزاز شمال غرب سوريا: “لا نلوم الدول الأوروبية، بل نلوم الدول العربية”. “الدول الأوروبية ترحب بمن ينتمي إلى شعوبها. نحن نلوم أشقاءنا العرب وليس البقية”.