كيف قرأ الإعلام البريطاني المشهد الأخير لنهاية الحرب بين طهران وتل أبيب؟
بينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التوصل إلى “وقف كامل لإطلاق النار” بين إيران وإسرائيل، حظي الخبر بتغطية واسعة في الإعلام البريطاني، لكنه أُطّر في الغالب كـ”انتصار دبلوماسي” للولايات المتحدة، مع تغييب ملحوظ للأبعاد القانونية والإنسانية للصراع.
ويأتي الإعلان بعد أسابيع من التصعيد العسكري بين طهران وتل أبيب، شمل قصف منشآت نووية إيرانية، وهجمات صاروخية متبادلة، وسقوط مئات الضحايا، إضافة إلى رد إيراني على قاعدة أمريكية في الخليج.
احتفاء إعلامي بدور ترامب
عنونت صحيفة الجارديان خبرها الرئيسي: “ترامب يعلن عن وقف كامل لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل”. وقدّمت التغطية على أنها خطوة ناجحة قادها الرئيس الأمريكي شخصيًا، دون التحقق من تأكيد رسمي فوري من أي من الطرفين.
أما التلغراف فاختارت عنوانًا يوحي بأن إيران هي الطرف المعتدي، إذ كتبت: “إيران توافق على وقف إطلاق النار بعد ساعات من مهاجمة قاعدة أمريكية”. ورغم أن مسؤولين إيرانيين شددوا على أن التهدئة “مرهونة بوقف العدوان الإسرائيلي”، لم تجد هذه التصريحات مساحة تليق بثقلها.
غياب للبعد الإنساني وتجاهل للمآسي الميدانية
أشارت الصحف البريطانية إلى سقوط “مئات القتلى”، لكنها لم تتناول أي تفاصيل حول أوضاع المدنيين أو حجم الدمار أو معاناة المشردين.
في المقابل، أفردت تغطيات مطولة لمواصفات الأسلحة المستخدمة، من قاذفات B‑2 إلى الصواريخ الباليستية، مما أعطى للحدث طابعًا تقنيًا عسكريًا، لا إنسانيًا.
كما خلت التغطيات من أي صور من أرض الواقع، أو شهادات من المدنيين، أو تقارير حقوقية مستقلة.
استبعاد شبه تام للأصوات الدولية المنتقدة
رغم أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حذر من أن الضربات الأمريكية تفتقر إلى إطار قانوني دولي، ورغم تنديد قطر بانتهاك السيادة الإيرانية، فإن هذه الأصوات لم تحظَ بتغطية تُذكر في الصحف البريطانية الكبرى.
وبينما وصف ترامب الرد الإيراني بأنه “ضعيف ويائس”، نقلت معظم الصحف هذا الوصف دون معارضة، فيما لم تنقل سوى القليل من التصريحات الرسمية الإيرانية التي تؤكد مشروعية الرد وارتباطه بحق الدفاع عن النفس.
خلال الأزمة، لم يصدر أي تعليق بارز من رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، ولم تُسلّط وسائل الإعلام الضوء على غياب أي دور بريطاني في الوساطة أو حتى في تقييم الخطورة.
كما لم تُطرح أي تساؤلات حول قانونية الدعم البريطاني لإسرائيل أو عواقب بيع الأسلحة لها في ظل هذا التصعيد.
غياب غزة عن التغطية
رغم أن العدوان على غزة كان الشرارة الأولى التي فجّرت هذا التصعيد الإقليمي، إلا أن غزة غابت بشكل صارخ عن تغطية الإعلام البريطاني لوقف إطلاق النار بين إيران و”إسرائيل”. لم تأتِ كبريات الصحف، مثل الغارديان والتلغراف والإندبندنت، على ذكر غزة لا من قريب ولا من بعيد، وكأن ما يجري في القطاع لا علاقة له بسياق الحرب التي احتدمت فجأة ثم “خمدت” بقرار من واشنطن.
هذا التغافل لا يبدو عابرًا أو بريئًا، بل يعكس نزعة ممنهجة لتجريد الصراع من جذوره الفلسطينية. فرغم أن طهران برّرت تدخلها العسكري بأنه ردّ على المجازر المتواصلة في غزة، ورغم أن التصعيد جاء تتويجًا لأشهر من القصف الإسرائيلي الوحشي، إلا أن السردية الغربية اختزلت المشهد في مواجهة بين دولتين، تسعى الولايات المتحدة لاحتوائها.
وبترك غزة من الرواية، أسهمت التغطية البريطانية في طمس المأساة الأصلية وتحييد الألم الفلسطيني عن مركز الحدث، ليبدو وقف إطلاق النار وكأنه إنجاز دبلوماسي بين “أنداد”، لا نهاية مفترضة لسلسلة من الجرائم. فالهُدنة لم تُعلَن لغزة، بل فُرضت بين من يملكون القوة والسلاح، فيما بقيت غزة بلا حماية، بلا هدنة، وبلا صوت في عناوين الصحف.
انحياز واضح في الصياغة والسرد
تُظهر تغطية التهدئة استمرار النمط المعروف في الإعلام البريطاني:
- تأطير إسرائيل كدولة “تدافع عن نفسها”،
- تصوير إيران كتهديد دائم،
- وتقديم الولايات المتحدة كـ”راعية للسلام”،
بينما تُهمّش كل الأطراف الأخرى، وتُغيب الأبعاد الأخلاقية والسياسية للصراع.
حتى في عرض الأحداث، تُقدَّم هجمات إسرائيل كأمر واقع، بينما يُصوَّر أي رد إيراني على أنه تصعيد خطير. ولا تَظهر أي إشارات إلى القانون الدولي أو ميثاق الأمم المتحدة أو اتفاقية حظر الانتشار النووي.
وقف إطلاق نار بلا رواية كاملة
رغم أن وقف إطلاق النار يُعد خطوة مهمة نحو احتواء التصعيد، فإن التغطية الإعلامية البريطانية ركزت على الشخصيات والبعد السياسي الأمريكي، وأغفلت الأسئلة الجوهرية: هل ما حدث قانوني؟ ما مصير الضحايا؟ من يُحاسب؟ وهل سيكون هذا السلام دائمًا أم هدنة مؤقتة تُخفي جولة جديدة من الحرب؟
وفي ظل غياب هذه الأسئلة، يبقى الإعلام البريطاني يقدم سردية “الغرب المنتصر” على حساب رواية الشعوب والعدالة الدولية.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇