كيف غطى الإعلام البريطاني هجوم ترامب على المنشآت النووية في إيران؟
بينما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تنفيذ ضربات جوية استهدفت منشآت نووية إيرانية، تعاملت وسائل الإعلام البريطانية مع الحدث بلغة تمجيدية خالية من النقد، متبنية السردية الأمريكية والإسرائيلية بالكامل، ومتجاهلة الأبعاد القانونية والإنسانية. في هذا التحليل، نسلّط الضوء على أبرز ملامح التغطية المنحازة:
1. تركيز على القوة العسكرية بدلًا من الشرعية القانونية
صحيفة The Express كانت الأكثر حماسة، حيث وصفت الهجوم بكلمات مثل: “ضربة مذهلة… نصر دقيق… إيران أُجبرت على السلام!”
وتمحورت التغطية حول تفاصيل القنابل والطائرات والأسلحة المستخدمة، دون أدنى إشارة إلى عدد الضحايا أو الأثر البيئي أو حتى شرعية الضربة من الناحية القانونية.
غياب شبه تام لأي تساؤل من قبيل: هل استهداف منشآت نووية في دولة ذات سيادة من دون تفويض أممي يُعد انتهاكًا للقانون الدولي؟
2. تكرار السردية الإسرائيلية دون تمحيص
في تغطيات Sky News وThe Guardian وThe Independent، ظهرت إسرائيل باعتبارها شريكة في إحلال السلام، بينما رُسمت إيران على أنها الراعي الأول للإرهاب.
نقلت هذه الصحف تهنئة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لترامب دون تعليق أو نقد، فيما لم تُمنح التصريحات الإيرانية الغاضبة سوى مساحة محدودة، وغُيّبت تمامًا خلفية إيران القانونية بأن برنامجها النووي لأغراض سلمية، وهي رواية دعمتها تقارير استخباراتية سابقة.
السؤال الذي لم يُطرح: لماذا يُسمح لإسرائيل بامتلاك ترسانة نووية في الخفاء، بينما تُستهدف إيران لمجرد تخصيب اليورانيوم؟
3. تغييب كامل للضحايا المدنيين وأثر الضربات
في معظم التغطيات، احتل استعراض الأسلحة والمسافات التي قطعتها القاذفات الجوية مساحة أكبر بكثير من أي ذكر لضحايا الهجوم.
الإعلام البريطاني تحدث عن “نجاح العملية”، لكنه لم يعرض صورًا من موقع القصف، ولم يخصص أي تقرير لتأثير الضربات على السكان المدنيين أو احتمالية التسرب الإشعاعي.
حتى الإشارة إلى مقتل أكثر من 400 شخص في إيران كانت مقتضبة، وكأنها رقم ثانوي لا يستحق الاهتمام.
4. موقف بريطاني داعم بلغة دبلوماسية رمادية
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر علّق على الضربة بالقول إن “البرنامج النووي الإيراني تهديد خطير”، وإن “الولايات المتحدة اتخذت خطوات لتخفيف هذا التهديد”.
موقفه بدا أقرب إلى تأييد غير مباشر للهجوم، رغم أنه سبق أن دعا إلى “خفض التصعيد”.
ومع ذلك، لم تُسائل وسائل الإعلام الكبرى رئيس الوزراء عن سبب صمته على غياب أي نقاش برلماني أو عن دعم بريطانيا الضمني لهذا التصعيد العسكري.
5. ماذا لو كانت الأدوار معكوسة؟
لو أن إيران هي من قصفت منشأة إسرائيلية. كيف كان الإعلام البريطاني سيتعامل؟
الأرجح أن العناوين كانت ستكون: “هجوم إرهابي”، “عدوان نووي”، “خطر على الديمقراطية الغربية”.
لكن بما أن الضربة جاءت من “الطرف الغربي”، فقد جرى تأطيرها كـ “عمل دفاعي”، في ازدواجية إعلامية واضحة.
6. تجاهل التناقضات.. وتغييـب القانون
بعض التقارير – مثل HuffPost UK – أشار إلى أن تقييمات الاستخبارات الأمريكية نفسها لا تؤكد أن إيران تطور سلاحًا نوويًا. لكن هذا التناقض الخطير لم يُسلّط عليه الضوء كما ينبغي، ولم يتحول إلى قضية رأي عام.
وبالمثل، تم تجاهل أي نقاش قانوني حقيقي حول شرعية هذه الضربات، أو ما إذا كانت تشكل سابقة خطيرة لانتهاك سيادة الدول.
تجاهل للتناقضات الاستخباراتية وعدم مساءلة ترامب
مرة أخرى، يبرهن الإعلام البريطاني السائد أنه أقرب إلى إعادة إنتاج رواية الحكومات الغربية، بدلًا من أن يكون سلطة رقابية تسائل قرارات الحرب والسلم.
غياب المنظور الحقوقي، وتغييب الرواية الإيرانية، وتهميش أثر الهجوم على المدنيين… كلها مؤشرات على تغطية تفتقر إلى التوازن.
وكما رأينا مؤخرًا في تغطية المظاهرات المؤيدة لفلسطين، تكرر المشهد:
إسرائيل في موقف دفاع، إيران تمثل تهديدًا، وأصوات المحتجين وحقائق الأرض… إما مهمّشة أو غير مرئية.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇