العرب في بريطانيا | كيف غطى الإعلام البريطاني نقض إسرائيل للهدنة؟

1446 رمضان 29 | 29 مارس 2025

كيف غطى الإعلام البريطاني نقض إسرائيل للهدنة؟

IMG-20250319-WA0009
فريق التحرير March 19, 2025

بينما تهاوت قذائف الطائرات الإسرائيلية على غزة، معلنةً نهايةً دمويةً لهدنة وُصفت بالهشة، انشغلت وسائل الإعلام البريطانية في محاولة تأطير الحدث، كلٌّ بمنظوره. لم يكن المشهد مفاجئًا لمن يتابع تطورات هذا العدوان عن كثب، فنتنياهو، الذي اعتاد التملص من أي التزام بالسلام، لم يفعل هذه المرة إلا ما دأب عليه طوال سنوات حكمه. ومع ذلك، لم يغب عن الساحة الغربية ذلك الاستغراب المصطنع، وكأن التاريخ يعيد نفسه في دورة عبثية من الانتهاكات والتنديد الصوري.

أما الموقف البريطاني الرسمي، فلم يكن أقل تناقضًا من التغطية الإعلامية. فقد تجرّأ وزير الخارجية ديفيد لامي على القول إن إسرائيل خالفت القانون الدولي بفرضها حصارًا شاملاً على غزة، لكن سرعان ما جاء التصحيح من داونينغ ستريت في مشهد يعكس ازدواجية الموقف البريطاني، حيث يُقال الشيء ونقيضه في آنٍ واحد، حفاظًا على التوازنات السياسية المألوفة.

في قلب هذا الجدل، برزت التغطيات الإعلامية البريطانية بتفاوتاتها، بين الحياد المتكلف، والتحليل السياسي البارد، والتقارير التي لامست حجم المأساة الإنسانية دون مواربة.

بي بي سي

كالعادة، اختارت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) الوقوف في المساحة الرمادية، حيث لم تذهب إلى حد تحميل إسرائيل مسؤولية إنهاء الهدنة، لكنها في الوقت نفسه لم تستطع التغطية على حجم الكارثة. في تقاريرها، لم “تُنسف الهدنة” بل “انهارت”، ولم “تشنّ إسرائيل حربًا جديدة” بل “استأنفت الغارات”. حتى الأوصاف التي استخدمتها مثل “الهدنة الهشة” و*”التوتر المتزايد”* كانت كفيلة بطمس الحقيقة، وإعادة صياغتها بأسلوب يساوي بين الضحية والجلاد.

ومع أن الشبكة قدّمت بعض الأرقام حول الخسائر البشرية، إلا أن تقاريرها تجنّبت التفاصيل الصادمة أو المشاهد القاسية، في حين منحت مساحةً واسعةً لرواية الاحتلال، لا سيما حديث نتنياهو عن رفض حماس تمديد الهدنة، مقابل التقليل من شأن مطالب المقاومة بضرورة التزام إسرائيل بالاتفاقات الأصلية بدلاً من إعادة التفاوض وفق شروطها الجديدة.

آي نيوز

على النقيض من ذلك، جاءت تغطية iNews أكثر وضوحًا ومباشرة، فلم تتردد في القول إن “نتنياهو هو من كسر الهدنة”، من دون اللجوء إلى التعابير الدبلوماسية التي تلطّف الحقيقة. ركّزت الصحيفة على البعد السياسي للقرار، مبرزةً كيف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يكن راغبًا في المضي قدمًا في مسار التهدئة منذ البداية، بل كان ينتظر اللحظة المناسبة لنسف الاتفاق، استجابةً لضغوط حلفائه في اليمين المتطرف الذين عارضوا الهدنة منذ اللحظة الأولى.

وبحسب التقرير، لم يكن الهدف من استئناف القصف تأمين الرهائن أو تحقيق نصر عسكري، بل تأمين مستقبل نتنياهو السياسي، في ظل التهديدات التي كان يواجهها بفقدان الأغلبية البرلمانية وانهيار حكومته.

الغارديان

الغارديان بدورها لم تُخفِ موقفها من المشهد. في تحليلها، لم يكن ما جرى قرارًا عسكريًا خالصًا، بل مقامرة سياسية يخوضها نتنياهو للحفاظ على بقائه في الحكم. “نتنياهو يراهن على مكاسب سياسية عبر استئناف الحرب”، كان عنوان الصحيفة الذي اختصر الكثير.

ركزت التغطية على جانبين رئيسيين: حجم الكارثة الإنسانية التي سبّبها القصف، والغضب الداخلي المتزايد داخل إسرائيل، خاصةً بين عائلات الرهائن الذين رأوا في استئناف القتال خيانة لهم ولأحبّائهم الذين ظلوا أسرى في غزة. التقرير أشار إلى أن نتنياهو لم يعد أمامه سوى خيارين: الاستمرار في الحرب، أو مواجهة انهيار سياسي قد يطيح به من المشهد تمامًا.

التلغراف

أما التلغراف، فجاء عنوانها لافتًا: “الحرب هي الخيار الوحيد أمام نتنياهو، والمجزرة لن تتوقف حتى يرحل.” بنبرة صارخة، رسم التقرير صورة لرئيس وزراء محاصر، لا يستطيع إنهاء القتال، لأنه يعلم أن في ذلك نهاية سلطته السياسية وربما مستقبله القانوني، في ظل القضايا التي تلاحقه داخل إسرائيل.

كما أشارت الصحيفة إلى أن التحوّل في الموقف الأمريكي، خصوصًا مع دعم ترامب العلني لعودة القتال، منح تل أبيب الضوء الأخضر لنسف أي جهود لاستمرار التهدئة، الأمر الذي سهّل على نتنياهو إرضاء حلفائه اليمينيين، الذين لطالما ضغطوا لإنهاء الهدنة واستئناف العدوان.

الإندبندنت

في المقابل، ذهبت الإندبندنت إلى أقصى درجات الوضوح في توصيف الكارثة. لم تتحدث عن “ضربات جوية”، بل عن “مشاهد من يوم القيامة.” لم يكن هناك أي مواربة في وصف المجازر التي ارتُكبت: “أطفال بأطراف مبتورة”، “مرضى يتكدّسون في المستشفيات التي أصبحت عاجزة حتى عن توفير الضمادات”، “جثث تُنتشل من تحت الأنقاض”.

لم تكن الصحيفة مهتمة بالتحليل السياسي بقدر اهتمامها بعرض المشهد كما هو، من خلال روايات الأطباء والضحايا، وتسليط الضوء على حجم المعاناة الإنسانية التي عمّقتها الأسابيع الأخيرة من الحصار الإسرائيلي الكامل.

فاينانشال تايمز

على النقيض من ذلك، جاءت تغطية فاينانشال تايمز خالية من العاطفة، مركزةً على الأبعاد السياسية والدبلوماسية للأحداث. لم تركز على القتلى أو الجرحى، بل على ما يعنيه هذا التصعيد في سياق الصراع الإسرائيلي الداخلي، وكيف أسهم في تقوية موقف نتنياهو على حساب عزل إسرائيل دوليًا.

لم يكن السؤال في تقريرها عن حجم الدمار، بل عن مدى قدرة نتنياهو على المناورة للاستفادة من الوضع الراهن، وكيف أن دعم ترامب أعطاه مساحة إضافية للمناورة، دون أن يتعرض لضغوط جادّة لإنهاء الحرب.

 


اقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

لن يتم نشر بريدك الإلكتروني.

loader-image
london
London, GB
9:33 am, Mar 29, 2025
temperature icon 10°C
scattered clouds
Humidity 68 %
Pressure 1023 mb
Wind 6 mph
Wind Gust Wind Gust: 0 mph
Clouds Clouds: 48%
Visibility Visibility: 10 km
Sunrise Sunrise: 5:42 am
Sunset Sunset: 6:27 pm