كيف غطى الإعلام البريطاني خروج 350 ألفا تضامنا مع غزة وإيران رغم ارتفاع درجات الحرارة؟

في مشهد تاريخي، احتشد أكثر من 350 ألف متظاهر في شوارع لندن يوم السبت 21 يونيو 2025، متحدّين موجة حر تجاوزت 33 درجة مئوية، للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة وإيران.
ورغم الحجم القياسي للحشود ورسائلها السياسية الواضحة، بدا أن الإعلام البريطاني تعامل مع الحدث الأضخم منذ أشهر بانتقائية شديدة، متجاهلا حجم الغضب الشعبي لصالح روايات أمنية وسرديات جانبية، ما يسلط الضوء مجددًا على طريقة تعامل الإعلام البريطاني مع القضايا المتعلقة بفلسطين.
كيف تعاملت وسائل الإعلام مع الحدث؟
1. التركيز على الاعتقالات وتجاهل الأرقام القياسية
في حين تجاهلت معظم وسائل الإعلام الرقم غير المسبوق للمتظاهرين، اختارت عناوينها الرئيسية تسليط الضوء على اعتقال 8 أشخاص فقط، وكأن هذا هو الحدث الأهم في يوم شارك فيه مئات الآلاف.
صحيفة Evening Standard افتتحت تغطيتها بعنوان:
“اعتقال 8 أشخاص في مسيرة دعم فلسطين وسط موجة حر تفوق 30 درجة.”
دون الإشارة إطلاقًا إلى الرقم الحقيقي للمتظاهرين، ولا حتى ذكر التقديرات الرسمية أو تقديرات المنظمين.
كذلك، اختارت Daily Mail استخدام عنوان يوحي بالعنف والانحراف:
“عنف وتحية نازية في مظاهرة غزة بلندن”،
واستهلّت تقريرها بحادثة رمي زجاجة وتلميحات إلى أداء أحد المتظاهرين للتحية النازية، حسب مزاعمها. رغم أن الشرطة قد أكدت أن المظاهرة انتهت دون إصابات، وأن حادثة الزجاجة فردية وتم التعامل معها فورًا.
2. تضخيم صور قادة إيرانيين وتجاهل شعارات الأغلبية
في محاولة لصرف النظر عن المطالب المركزية للمسيرة، ركزت بعض الصحف، لا سيما التلغراف، على أن “بعض” المشاركين رفعوا صورًا لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، رغم أن هذا لا يمثل إلا فئة ضئيلة جدًا من الحشود، التي رفعت الآلاف من الأعلام الفلسطينية، ولافتات داعمة لغزة وفلسطين.
جاء في تغطية التلغراف:
“المتظاهرون يرفعون صور خامنئي ويهتفون ‘اختاروا الجانب الصحيح من التاريخ'”
دون أي توازن في عرض المشهد الكامل، حيث غابت أي إشارة إلى كلمات حمزة يوسف، أو جيرمي كوربين، أو المغنية بالوما فيث التي وصفت الدعم الغربي لإسرائيل بأنه جريمة ضد الإنسانية.
وفي حين اكتفت معظم الصحف بذكر بعض الشعارات مثل “أوقفوا قصف إيران”، لم تسلط الضوء على مطالب واضحة من المتظاهرين مثل:
- وقف تصدير الأسلحة لإسرائيل
- فرض عقوبات على حكومة الاحتلال
- الاعتراف الفوري بدولة فلسطين
- وقف شيطنة الناشطين المؤيدين لفلسطين
3. تغطية أكثر توازنًا… لكن هامشية
صحيفة الإندبندنت كانت من قلائل الصحف الكبرى الذين أشاروا إلى أن المظاهرة جاءت تنديدًا بـ “الاعتداءات المتصاعدة على غزة وإيران”، وذكرت أن المشاركين رددوا هتافات ضد الاحتلال والعدوان، لكنها لم تفرد تقريرًا تحليليًا معمقًا، ولم تذكر حجم الحشد بدقة، واكتفت بذكر “آلاف”.
ومن أمثلة التغطيات الإقليمية، نقلت الديلي ريكورد في اسكتلندا كلمة حمزة يوسف كاملة، والتي شبّه فيها الخطاب الغربي الحالي بالخطاب الذي سبق غزو العراق، واتهم الحكومة بإساءة استخدام قوانين الإرهاب لقمع التضامن مع فلسطين.
تهميش مستمر في الإعلام البريطاني
يُظهر التفاوت في التغطية بين الأرقام والحقائق على الأرض، وبين ما ورد في الإعلام البريطاني السائد، نزعة مستمرة لتهميش التضامن الشعبي مع فلسطين، وتصويره إما كحدث هامشي أو كمصدر اضطراب أمني.
فبينما يعاني أكثر من مليوني إنسان في غزة من القصف والتجويع والتهجير، لا يجد مئات الآلاف من البريطانيين المتعاطفين معهم صدىً في إعلام بلادهم… إلا إذا رمى أحدهم زجاجة.
الهتاف بـ “العار عليكم” الذي ردّده المتظاهرون لم يكن موجّهًا للساسة فقط، بل للإعلام أيضًا.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇