كيف تناولت الصحف البريطانية هجوم الكنيس وحرق مسجد بيسهافن؟

شهدت بريطانيا خلال الأيام الماضية حادثين مؤسفين يعكسان تصاعدًا خطيرًا للعنف الموجه ضد أماكن العبادة، ويثيران تساؤلات حول مهنية الإعلام البريطاني وانحيازاته المحتملة في تغطية الجرائم الطائفية.
وقع الحادث الأول في مانشستر، حيث نفذ المهاجم جهاد الشامي هجومًا مسلحًا على كنيس، أسفر عن مقتل شخصين وإصابة آخرين، فيما وقع الحادث الثاني في شرق ساسكس، حيث تعرّض مسجد بيسهافن لحريق متعمد لم يسفر عن إصابات بشرية، لكنه تسبب بأضرار مادية كبيرة للمبنى ومحيطه.
تباينت تغطية الصحف البريطانية لهذه الحوادث بشكل واضح، سواء من حيث العناوين أو لغة التغطية أو طريقة إبراز الجناة، وهو ما يكشف عن ازدواجية المعايير الإعلامية تجاه الحوادث الطائفية. ففي حين تم التركيز على خلفيات الجاني الفردية والدينية والاجتماعية في الهجوم على الكنيس، اقتصرت التغطية المتعلقة بحريق المسجد على الوقائع والإجراءات الرسمية، مع الحفاظ على حيادية واضحة.
1. العناوين والصياغة
الهجوم على الكنيس في مانشستر:
بي بي سي:
- عنوان مثير: “ناجي يصف لحظة هجوم ‘الوحش’ على الكنيس”
- ركزت على العنف والغضب الناتج عن الحادث والجانب الإنساني للشهود والمصابين.
الغارديان:
- عنوان: “إرهابي كنيس مانشستر كان على كفالة بسبب اغتصاب مزعوم”
- سلطت الضوء على خلفية الجاني والأبعاد الجنائية والشخصية لهويته.
التلغراف:
- عنوان: “اعتقال مسلمة اعتنقت الإسلام حديثًا بعد هجوم الكنيس في مانشستر”
- أبرزت اعتقال متورطين آخرين مع الإشارة إلى تحول ديني لإحدى المتورطات.
حريق مسجد بيسهافن شرق ساسكس:
بي بي سي:
- عنوان حيادي: “الشرطة تنشر صور المشتبه بهم في حريق المسجد”
- ركزت على التحقيق والبحث عن المسؤولين عن الحريق.
الغارديان:
- عنوان: “الشرطة تحقق في حريق مسجد شرق ساسكس باعتباره جريمة كراهية”
- صنفت الحادث كجريمة كراهية.
التلغراف:
- عنوان مختصر وحيادي: “مسجد يُشعل فيه النار في جريمة كراهية”
الخلاصة:
- تغطية هجوم الكنيس اعتمدت لغة درامية ومثيرة مع التركيز على هوية الجاني وخلفيته.
- تغطية حريق المسجد حافظت على الحياد، مع التركيز على الوقائع والإجراءات الرسمية دون تهويل أو التركيز على الخلفيات الشخصية للمشتبه بهم.
2. معالجة الجاني والضحايا
هجوم الكنيس:
ركزت الصحف على هوية الجاني، خلفيته الدينية، تحوله الشخصي، وسجله الجنائي السابق، مع إبراز احتمالية تأثير أيديولوجيته المتطرفة.
بي بي سي:
- وصفته بـ “الوحش” أثناء محاولته اقتحام الكنيس.
- استندت في ذلك إلى شهادات الناجين الذين تمكنوا من صدّه.
الغارديان:
- أبرزت كفالة الجاني للتحقيق في اغتصاب مزعوم وربطت ذلك بسلوكه العنيف لاحقًا.
التليغراف:
- ركزت على اعتقال امرأة مسلمة جديدة مرتبطة بالجاني، مع تناول تفاصيل حياتها الشخصية والمهنية.
حادث مسجد بيسهافن:
اقتصرت التغطية على المشتبه بهم الظاهرين في الصور والفيديو، حيث ظهروا وهم مرتدون أقنعة تغطي وجوههم وقفازات بارزة، دون الخوض في خلفياتهم العرقية أو الدينية أو أي سجل جنائي سابق.
بي بي سي:
- عرضت تفاصيل الحادثة، مثل محاولة دخول المسجد وصب سائل قابل للاشتعال على المدخل والسيارة.
الغارديان:
- وصفت الواقعة بأنها جريمة كراهية، مع التركيز على الإجراءات الشرطية والردود المجتمعية.
التلغراف:
- سلطت الضوء على تفاصيل الحريق والأضرار المادية، مع عرض تصريحات المسؤولين المحليين والشرطة.
3. الانحياز وإزدواجية المعايير
تُظهر المقارنة بين تغطية الصحف البريطانية لهجوم الكنيس وحريق مسجد بيسهافن اختلافًا واضحًا في اللغة ومستوى التهويل.
- فقد اعتمدت تغطية هجوم الكنيس أوصافًا قوية ومثيرة، مع التركيز على الخلفية الدينية والعرقية والتحولات الشخصية والجوانب الجنائية للجاني، مما أضفى طابعًا دراميًا على الحدث.
- في المقابل، تناولت الصحف حريق مسجد بيسهافن بأسلوب حيادي يركز على الوقائع والإجراءات الرسمية، دون الخوض في خلفيات المشتبه بهم.
يعكس هذا التباين ازدواجية واضحة في المعايير الإعلامية بين حادثتين متشابهتين من حيث الطابع الطائفي.
4. الوضوح والتهويل في إبراز الجاني
تختلف درجة الوضوح والتهويل بين الحدثين بشكل ملحوظ.
- في هجوم الكنيس، تم تحديد هوية الجاني بالكامل، مع إبراز خلفيته الدينية والعرقية وتحولاته الشخصية، واستخدام لغة تصف فعله بالوحشية والخطر الكبير على المجتمع.
- أما في حادث مسجد بيسهافن، اقتصرت التغطية على عرض صور المشتبه بهم لمساعدة التحقيق، مع التركيز على الأضرار المادية والخطوات الشرطية المتخذة، دون تهويل أو افتراض دوافع، ما يعكس أسلوبًا حذرًا ومهنيًا في عرض المعلومات ويقلل من شعور الذعر لدى الجمهور.
5. الردود الرسمية والمجتمعية
هجوم الكنيس:
- شارك كبار المسؤولين السياسيين، بما في ذلك وزير الداخلية والبرلمانيون المحليون، في تقديم الدعم والتضامن مع المجتمع اليهودي.
- تم إبراز أفعال الضحايا الشجعان الذين منعوا الجاني من الدخول وحموا المصلين، مع ذكر تفاصيل قتلهم في ظروف بطولية.
- ركزت الشرطة على التحقيقات وملاحقة المتورطين، مع تسليط الضوء على الخلفيات الجنائية والجهادية للجاني.
حريق مسجد بيسهافن:
- تم التركيز على الإجراءات الشرطية، وزيادة دوريات الشرطة لتأمين أماكن العبادة.
- شددت التصريحات الرسمية على رفض الكراهية وتعزيز الوحدة والتضامن بين المجتمعات المختلفة.
- أعرب المجتمع المحلي والمساجد عن تضامنهم ورفضهم للانقسامات الطائفية، مع شكر الجهات الأمنية على استجابتهم السريعة.
الملاحظة العامة:
- تركزت الردود على هجوم الكنيس على البطولات الفردية وتحليل أيديولوجية الجاني.
- بينما ركزت الردود على حريق المسجد على حماية المجتمع وتعزيز التضامن، وهو ما يعكس اختلافًا في معالجة طبيعة الحدثين.
إن الحفاظ على معايير متوازنة عند تغطية الحوادث الطائفية أمر بالغ الأهمية، ويستلزم التركيز على الوقائع والتحقيقات الرسمية مع تجنب المبالغة في وصف الجناة أو تصوير الضحايا بطريقة قد تغذي الخوف أو الكراهية.
من الضروري إبراز الجهود المجتمعية في مواجهة العنف، وتسليط الضوء على دور الشرطة والجهات المختصة في التحقيق، إلى جانب تشجيع الجمهور على الإبلاغ عن أي معلومات موثوقة. كما أن التغطية الصحفية المهنية والمتوازنة تسهم في تعزيز الأمن المجتمعي وبناء الثقة في الإعلام، وتحد من ازدواجية المعايير عند التعامل مع الأحداث الطائفية، بما يدعم الوحدة والتضامن بين مختلف مكونات المجتمع.
إقرأ أيضًا :
الرابط المختصر هنا ⬇