كيف تستغل الجماعات اليمينية أزمة البطالة والسكن للتحريض ضد المهاجرين؟

تتصاعد احتجاجات مناهضة للهجرة في أنحاء بريطانيا وأيرلندا الشمالية وإسبانيا وبولندا، حيث تستغل جماعات اليمين المتطرف حالة الشدّة في المجتمعات التي تعاني من نقص السكن وارتفاع معدلات البطالة وعدم المساواة.
في بريطانيا، لا تزال أحداث الشغب التي شهدتها ساوثبورت الصيف الماضي عالقة في الأذهان، حيث بدأت الاضطرابات إثر مقتل 3 فتيات صغيرات بطعنات داخل فصل رقص في 19 يوليو 2024، ما أدى إلى احتجاجات عنيفة انتشرت إلى أيرلندا الشمالية، وشهدت اندلاع أعمال شغب في أكثر من 10 مدن وبلدات.
وُجّهت أصابع الاتهام إلى نشطاء يمينيين متطرفين بتأجيج التوتر عبر نشر مزاعم كاذبة تفيد بأن المهاجم كان طالب لجوء مسلم.
احتجاجات وأعمال شغب متكررة في بريطانيا وأوروبا بسبب أزمات اللاجئين والهجرة
استمرت الاضطرابات عدة أيام، إذ استهدف المتطرفون الشرطة والمتاجر والفنادق التي تستضيف طالبي لجوء والمساجد، وتم اعتقال ومقاضاة مئات من المشاركين. ومع مرور عام، تكرر المشهد ذاته، إذ شهدت احتجاجات في 3 أغسطس اشتباكات أمام فنادق تستضيف طالبي لجوء في إيبينغ، مانشستر، نيوكاسل ولندن، تصادم خلالها متظاهرون من اليمين المتطرف مع مجموعات مناهضة للعنصرية وسكان محليين، وأُوقف 15 شخصًا.
في إيبينغ، ضاحية لندن، نظم كل من مناهضي العنصرية وداعمي اللاجئين إلى جانب سكان معارضين إقامة مراكز إيواء للاجئين احتجاجات متزامنة، تجمع خلالها مئات تحت مراقبة شرطة مشددة، عقب توترات وقعت في الموقع نفسه الأسبوع السابق.
وشهدت منطقة بوثورب قرب نورويتش احتجاجًا مماثلًا في 2 أغسطس، بينما خرج العشرات في 21 يوليو في ديس بشرق إنجلترا للمطالبة بإغلاق فندق يستضيف طالبي لجوء.
قبل ذلك، في 9 يونيو، اندلعت أعمال شغب في بلدة باليمينا بأيرلندا الشمالية بعد اعتقال مراهقين رومانيين للاشتباه في اعتدائهما جنسيًا على فتاة صغيرة.
اضطر سكان أجانب إلى الاختباء في خزائن الملابس وعليات المنازل فرارًا من مثيري الشغب، ووضع بعضهم لافتات على منازلهم تفيد بأنهم فلبينيون وليسوا من أوروبا الشرقية، فيما حذرت جمعيات إسكان السكان من تأمين ممتلكاتهم أو مغادرتها.
وفي 9 يوليو، شهدت إسبانيا مشاهد مماثلة في بلدة توري باتشيكو بمرسية جنوب غرب البلاد، إثر اعتداء على رجل يبلغ من العمر 68 عامًا. أما في بولندا، فقد شهدت أكثر من 80 مدينة وبلدة مسيرات سلمية في 19 يوليو، رفع المشاركون خلالها لافتات “أوقفوا الهجرة” احتجاجًا على سياسات أوروبا بشأن الهجرة.
خبيرات يحذرن من تصاعد خطاب الكراهية واستهداف المهاجرين في ظل الأزمات الاقتصادية
أشارت جيما بينيول خيمينيث، أستاذة العلوم السياسية وعلم الاجتماع بجامعة برشلونة المستقلة، إلى أننا نشهد “تآكلًا متعمدًا للمبادئ الأساسية للتعايش الديمقراطي”. وحذرت من أن اعتبار هذه التظاهرات أحداثًا معزولة يعني “المخاطرة بتجاهل جوهر المشكلة” المتمثل في “التطبيع المتزايد لخطاب الكراهية والتمييز ضد الأجانب”.
تاريخيًا، يظهر الخطاب القائم على الهوية، الذي تروّجه عادة اليمين المتطرف، في أوروبا منذ القرن العشرين، لكن عودة التظاهرات العنيفة تشير إلى انتعاش هذه الأفكار، التي قد تكون سببًا أو محفزًا لتوترات اجتماعية قديمة.
توضح بينيول خيمينيث أن “تزايد عدم المساواة والقلق الاقتصادي والتفكك الاجتماعي” دفعت فئات متأثرة إلى تبني هذا الخطاب كحل لمشكلاتهم. وأضافت أن هذه المواقف “تزرع الخوف، وتدعو إلى الإقصاء وتعطي شرعية للعنف”، حيث يُحوّل المهاجر إلى كبش فداء يُنظر إليه كخطر لا كإنسان.
وترى زينيا هيلغرين، أستاذة علم الاجتماع بجامعة برشلونة وعضوة فريق بحث متعدد التخصصات حول الهجرة، أن “ارتفاع أسعار السكن والبطالة وظروف العمل الهشة” يسهل تحميل المهاجرين مسؤولية أزمات المجتمع.
في بريطانيا، تبلغ نسبة بطالة الشباب حوالي 14 في المئة، وفي إسبانيا تفوق 24 في المئة، مع أزمة سكن حادة في كلا البلدين. على مدى سنوات، أبقت الحكومات البريطانية فكرة أزمة الهجرة مشتعلة، مستفيدين من تصاعد أصوات اليمين المتطرف التي تستثمر المخاوف المجتمعية.
استخدم ستيفن ياكسلي لينون المعروف بـ”تومي روبنسون” حسابه على منصة X (تويتر سابقًا) ذات 1.3 مليون متابع، لدعم المتظاهرين أمام ما يسميه “فنادق المهاجرين”، رغم عدم حضوره شخصيًا. كما أعاد نايجل فاراج، زعيم حزب الإصلاح اليميني المتطرف، نشر معلومات مضللة حول الشرطة في احتجاجات إيبينغ.
تصاعد الخطاب المعادي للهجرة عبر الطائفية والرموز التاريخية في أيرلندا الشمالية وإسبانيا
في أيرلندا الشمالية، تلعب الطائفية دورًا رئيسًا في خطاب مناهضة الهجرة، بحسب جاك كرانغل، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة كوينز بلفاست.
فالخلافات بين الكاثوليك والبروتستانت – الجمهوريين الذين يطالبون بتوحيد أيرلندا الشمالية مع جمهورية أيرلندا، والموالين الذين يؤيدون بقاء المنطقة ضمن بريطانيا – تصاعدت خلال 30 عامًا من النزاع الديني العرقي المعروف بـ”الأحداث” بين أواخر الستينيات و1998.
وأشار كرانغل إلى أن هذا العداء تحول تدريجيًا ليُوجّه نحو “الآخر” الجديد مع تصاعد الهجرة إلى أيرلندا الشمالية. وتُوثق زيادة خطاب وأنشطة معادية للهجرة من بعض الحركات الموالية، التي تعتبر الهوية البريطانية جزءًا أساسيًا من هويتها، منذ سنوات.
في 10 يوليو، أُقيم حريق احتفالي في قرية مويغاشيل ضمن فعاليات 12 يوليو الموالية، تضمن عرض دمى سود البشرة على شكل قارب على قمة الحريق مع لافتة كتب عليها “أوقفوا القوارب”.
في إسبانيا، تستخدم رموز تاريخية لاستثمار المواقف المعادية للهجرة، حسب كارول فينالز، أستاذة جامعة ليل والمتخصصة في إسبانيا المعاصرة، مشيرة إلى أن حزب اليمين المتطرف “فوكس” يستند إلى “صور الاسترداد” التي تعود إلى فترة 718-1492 حين استعاد الملوك المسيحيون الأراضي من الغزو الإسلامي.
حزب فوكس يتصاعد وسط اتهامات بالتحريض ودعوات لتعزيز دولة الرفاهة
وأكدت أن حزب فوكس يرفض أي تهديد لوحدة الأراضي الإسبانية التي يزعمون أنها مهددة بتدفق المهاجرين. وفي انتخابات 2023 الإقليمية، ضاعف فوكس حصته الوطنية في مقاطعة مورثيا ليصل إلى 26 ٪ في بلدية توري باتشيكو، مسرح الاضطرابات في يوليو. ويجري التحقيق مع رئيس حزب فوكس في المنطقة خوسيه أنخيل أنتيليو بتهمة التحريض على الكراهية العرقية المرتبطة بتلك الاضطرابات.
ترى بينيول خيمينيث أن العنف في أنحاء أوروبا منذ الصيف الماضي يجب أن يُفهم كظاهرة شاملة. ورغم التأكيد على ضرورة محاربة خطاب الكراهية، تدعو إلى تعزيز دولة الرفاهية لتلبية “الاحتياجات الحقيقية للسكان”، كخطوة أساسية لإنهاء خطاب “الأفضلية الوطنية” الذي يروّج له اليمين المتطرف.
رأي منصة العرب في بريطانيا (AUK) :
تشهد بريطانيا وأوروبا موجة متصاعدة من الاحتجاجات المناهضة للهجرة، تبرز من خلالها تحديات اجتماعية واقتصادية مركبة. ويستغل اليمين المتطرف هذه الأزمات لتأجيج خطاب الكراهية، معتمدًا على مخاوف حقيقية تعاني منها فئات واسعة من المجتمع كالبطالة، وغلاء السكن، والتفاوت الاجتماعي.
لكن التصدي لهذه الظاهرة لا يمكن أن يقتصر على الإجراءات الأمنية وحدها، بل يتطلب معالجة جذرية لأسباب الأزمة من خلال تعزيز دولة الرفاه، وتوفير فرص العمل، وتحسين مستويات المعيشة، مع التمسك بالقيم الإنسانية التي قامت عليها المجتمعات البريطانية. فخطاب “الأفضلية الوطنية” لا يحرر أحدًا من أزماته، بل يعمّق الانقسام ويزيد المجتمعات هشاشة. أما النجاح الحقيقي، فيكمن في بناء مجتمع يتسع للجميع، حيث يُعامل كل فرد بكرامة وعدل بعيدًا عن التمييز والتهميش.
نؤمن في منصة العرب في بريطانيا أن مواجهة هذا المنعطف الخطير مسؤولية جماعية، تتطلب تضافر جهود الحكومات والمؤسسات والمجتمع المدني، بل وحتى كل فرد يؤمن بالعدالة والمساواة.
كيف ترى دور المجتمع في مواجهة تصاعد خطاب الكراهية والتطرف؟
وهل تعتقد أن الحلول الأمنية كافية، أم أن هناك حاجة لمعالجات أعمق؟
شاركنا رأيك.
المصدر : RFI
الرابط المختصر هنا ⬇