كيف تؤثر الهجرة في اقتصاد بريطانيا؟
تواصل الحكومة البريطانية جهودها الرامية للحد من الهجرة إلى بريطانيا، وبينما تسعى وزيرة الداخلية سوالا برافرامان لخفض عدد المهاجرين، يؤكد وزير المالية أهمية دور الهجرة في اقتصاد بريطانيا!
هذا ومن المتوقع صدور مزيد من الإحصاءات الحكومية التي ستؤكد وصول الهجرة إلى مستويات غير مسبوقة العام الماضي، على الرغم من تعهد حزب المحافظين بتخفيض عدد المهاجرين.
وفي ظل تباين مواقف الحكومة من قضية الهجرة، نقدم لكم في ما يلي رأي بعض الخبراء في مسألة تأثير الهجرة في الاقتصاد البريطاني.
الهجرة والناتج المحلي
تعود الهجرة بالعديد من الفوائد على الاقتصاد البريطاني، من بينها: سد النقص في العمالة وزيادة عائدات الضرائب والمساعدة في تنمية الاقتصاد، وبالمقابل قد تؤدي الهجرة إلى زيادة الضغط على الخدمات العامة وزيادة نسبة البطالة.
وبهذا الصدد قال روب مكتيل نائب مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد: “إن قياس تأثير الهجرة في الاقتصاد قد يكون أمرًا معقدًا للغاية”.
وأضاف: “قد يتساوى التأثير الإيجابي والسلبي للهجرة في اقتصاد البلاد؛ فعلى الرغم من إسهام الهجرة في جمع مزيد من أموال الضرائب وتوفير اليد العاملة للشركات، فإنها تزيد الضغوط على استخدام البنية التحتية للبلاد، ويتضح ذلك من الأزمة التي تعصف بهيئة خدمات الصحة البريطانية”.
“بصفة عامة نلحظ أن حجم تأثير الهجرة في الاقتصاد أقل بكثير من المتوقع، إذ قد تُسهِم الهجرة بزيادة الناتج المحلي الإجمالي أو نقصه بمقدار 1 في المئة”.
فوائد الهجرة على الاقتصاد
قالت الباحثة الاجتماعية في المعهد الوطني للبحوث الاقتصادية الاجتماعية كات ألينيكوفا: “قد تساعد الهجرة في نمو الاقتصاد بتوفير مزيد من أموال الضرائب وزيادة الإنفاق”.
وأضافت: “تُسهِم الهجرة في سد النقص في القوى العاملة، ولا سيما أن معظم المهاجرين القادمين إلى بريطانيا هم في سن مناسبة للعمل، وهذا يساعد أيضًا في حل مشكلة ارتفاع نسبة الشيخوخة”.
وأشارت إلى أن تزايد عدد السكان المؤهلين للعمل، يتزامن مع زيادة في حجم الضرائب، ما يعني بطبيعة الحال زيادة الاستهلاك، حيث يُسهِم الإنفاق في زيادة الناتج المحلي الإجمالي”.
وقالت أيضًا: “على سبيل المثال: يُسهِم الطلاب الأجانب إسهامًا كبيرًا في نمو أحد أهم القطاعات في اقتصاد بريطانيا، ألا وهو قطاع التعليم، حيث يتعين على الطلاب القادمين إلى بريطانيا إثبات وجود مصدر مالي يغطي مصاريفهم في بريطانيا، وهو ما يُسهِم بزيادة الإنفاق وزيادة الناتج المحلي، وهكذا يجري تنشيط اقتصاد البلاد، ويرتفع الطلب على العمالة”.
في حين قال ماكسويل مارلو مدير قسم الأبحاث في مركز أبحاث الاقتصاد بمعهد آدم سميث: “لطالما كانت الهجرة ضرورية من أجل نمو الاقتصاد، لكن الحكومة كانت تستخدم خطابًا معاديًا للهجرة لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات!”.
واستشهد مارلو بدراسة أعدتها كلية الاقتصاد في جامعة لندن، التي كشفت أن كل 60 بنسًا يكسبها المهاجر، يُسهِم في مقابلها بباوند واحد في الناتج المحلي الإجمالي”.
وأضاف: “تشير أبحاث معهد آدم سميث إلى أن خطة منح جوازات سفر بريطانية للمهاجرين القادمين من هونغ كونغ رفعت الناتج المحلي في بريطانيا من 12 مليار باوند إلى 40 مليار باوند، حيث أسهمت خبرات هؤلاء المهاجرين ومهاراتهم بملء الفجوات ضمن سوق العمل”.
وتابع قائلًا: “على الرغم من تصريحات وزيرة الداخلية المعادية للهجرة، فإن حسابات الحكومة تشير إلى أنه لا بد من استقطاب 311 ألف مهاجر خلال العام القادم؛ لكي تتمكن الحكومة البريطانية من تطبيق الخطة الاقتصادية الواردة في بيان ميزانية الربيع، وأي كلام يناقض ذلك هو مجرد استهلاك إعلامي لإسكات الناخبين الساخطين على الحكومة!”.
تكلفة الهجرة على الاقتصاد
هذا ويسود اعتقاد لدى بعض الناس مفاده أن زيادة الهجرة تؤدي إلى زيادة تكاليف الإنفاق على الخدمات العامة، ويزعم آخرون أن الاعتماد على العمال المهاجرين يحول دون توظيف العمال البريطانيين؛ إذ يتقاضى المهاجرون في الغالب رواتب أقل من تلك التي يحصل عليها سكان البلد نفسه.
وبهذا الشأن أعرب مركز أبحاث (Migration Watch UK) عن مخاوفه من زيادة العبء على قطاع الإسكان في ظل ارتفاع عدد المهاجرين، حيث يشهد قطاع الإسكان أزمة كبيرة؛ بسبب نقص الوحدات السكنية. وأشار مركز أبحاث (Migration Watch UK) الداعي إلى خفض الهجرة في بريطانيا، إلى أن النمو المطرد في عدد المهاجرين يزيد من الطلب على الطبابة، في وقت تمر فيه هيئة خدمات الصحة البريطانية بأكبر الأزمات في تاريخها.
وادعى مركز الأبحاث أن بريطانيا تتمتع بأكبر كثافة سكانية في أوروبا.
من جهة أخرى قال روب مكتيل من مرصد الهجرة: إن آثار الهجرة لا تعود على الاقتصاد بشكل متساوٍ، حيث يغادر بعض العمال المحليين سوق العمل؛ نظرًا إلى توفر العمالة المهاجرة الرخيصة. وأضاف مكتيل: “قد لا يكون تأثير الهجرة على العمالة المحلية كبيرًا، ويعتمد الأمر على زاوية النظر إلى المشكلة؛ إذ إن كثيرًا من الشركات تحتاج إلى العاملين الأجانب من أجل سد النقص وملء الشواغر، لكن ذلك في الوقت نفسه قد يؤدي إلى زيادة الطلب على العمالة الأجنبية على حساب العمالة المحلية”.
وقالت ألينيكوفا: “إن الأدلة التي تشير إلى دور الهجرة في زيادة البطالة ليست قطعية، ولا يوجد إجماع على هذا الادعاء.
وأضافت: “لا يمكننا الحديث في الوقت الراهن عن تأثير العمالة المهاجرة في ارتفاع نسبة البطالة؛ لأنها وصلت في الوقت الحالي إلى أدنى مستوياتها”.
من جانب آخر فإن تأثير الهجرة في زيادة الضغط على الخدمات العامة غير واضح كذلك؛ إذ يؤكد مركز رصد الهجرة أنه لا يمتلك معلومات كافية عن مدى اعتماد المهاجرين على الخدمات العامة قياسًا ببقية فئات المجتمع.
وكشف مركز أبحاث الهجرة التابع لجامعة كوليدج لندن أن المهاجرين هم -بصفة عامة- أقل اعتمادًا على المساعدات الحكومية وأقل استفادة من الإعفاءات الضريبية قياسًا بالسكان الأصليين.
وعلى الرغم من دعوة مركز أبحاث آدم سميث إلى استقدام مزيد من المهاجرين، فإن الباحثين اعترفوا بأن الهجرة تكلف الاقتصاد البريطاني.
وبهذا الخصوص قال الباحث مارلو: “إن ارتفاع معدلات الهجرة يفرض مزيدًا من الضغوط على قطاع السكن، ما يفاقم أزمة الإسكان التي تمر بها البلاد حاليًّا، ومع ذلك يمكن حل هذه المعضلة عبر بناء مزيد من الوحدات السكنية، وهو ما كانت الحكومة تنوي فعله منذ زمن بعيد”.
وأضاف: “لا نمتلك أرقامًا واضحة بشأن مدى الضغط الذي يفرضه المهاجرون على قطاع السكن، لكن يمكن القول إن المهاجرين يُفضِّلون استئجار المنازل على امتلاكها”.
وتابع مارلو: “كما يلجأ المهاجرون إلى الخدمات الطبية الممولة من الضرائب، وتقدر مؤسسة (King’s Fund) بأن المهاجرين يكلفون هيئة خدمات الصحة البريطانية قرابة ملياري باوند سنويًّا، مع أن تأشيرات السفر تطالب المسافرين بدفع 500 باوند إضافية لتغطية رسوم الخدمات الطبية”.
تأثير تنوع المهاجرين على الاقتصاد
يعتمد التأثير الاقتصادي للهجرة على وضع المهاجر نفسه، ويتفق العديد من الدراسات على أن المهاجرين القادمين من المنطقة الاقتصادية الأوروبية يعودون بفوائد على الاقتصاد البريطاني أكثر من المهاجرين القادمين من بقية دول العالم.
وبحسَب إحدى الدراسات التي نشرتها مجلة (Oxford Economic) فإن إسهامات المهاجرين القادمين من المنطقة الاقتصادية الأوروبية بلغت 4.7 مليار باوند، في حين كلِّف المهاجرون القادمون من خارج هذه المنطقة الاقتصادر البريطاني 9 مليارات باوند خلال سنة 2016-2017، لكن العمال من كِلتا الفئتين أسهموا في الاقتصاد بشكل أكبر من العمال المولودين في بريطانيا، الذين كلفوا اقتصاد البلاد قرابة 41.4 مليار باوند بسبب العجز الذي مرت به بريطانيا في العام نفسه.
اقرأ أيضاً :
ترند بريطانيا: خبير اقتصادي في بنك إنجلترا ينصح العائلات بتقبّل الفقر!
اقتصاد بريطانيا ضمن الأبطأ نموًا مقارنة بالاقتصادات الكبرى في 2023
كيف يؤثر الطقس الحار على اقتصاد بريطانيا؟
الرابط المختصر هنا ⬇