كيف أُجبرت بريطانيا على استقبال آلاف اللاجئين الأفغان بسبب خطأ فادح؟

في واحدة من أخطر الفضائح التي تعصف بمؤسسات الأمن والدفاع في بريطانيا، اضطرت الحكومة البريطانية للإفصاح عن كارثة غير مسبوقة بعد ثلاث سنوات من التعتيم:
تسريب بيانات شخصية تخصّ نحو 20 ألف أفغاني ممن تعاونوا مع القوات البريطانية في أفغانستان، في واقعة عرّضت حياتهم وحياة أسرهم للخطر، وأجبرت الحكومة على نقل آلاف منهم إلى بريطانيا في عملية سرية كلّفت دافعي الضرائب مليارات الباوندات.
الفضيحة، التي وقعت نتيجة “إهمال جسيم” في التعامل مع بيانات حساسة، ظلت طي الكتمان بفضل أمر قضائي صارم (Superinjunction) استُخدم لمنع وسائل الإعلام من كشفها. لكنها خرجت أخيرًا إلى العلن بعد قرار المحكمة العليا برفع الحظر.
بريد إلكتروني كشف مصير الآلاف
الخطأ الفادح وقع عند التعامل بإهمال مع بريد إلكتروني احتوى على قائمة تضم بيانات 18,714 أفغانيًّا تقدموا بطلبات لبرامج بريطانية مخصصة لمساعدة من تعاونوا مع القوات البريطانية في أفغانستان بين 2001 و2021.
لكن بعد سيطرة طالبان على أفغانستان، بات هؤلاء في دائرة الخطر المباشر، حيث تعتبرهم السلطات الحاكمة “خونة” لمجرد تعاونهم مع القوات الأجنبية.
مصادر مطلعة أكدت أن بعض الأشخاص الموجودة أسماؤهم في القائمة تعرضوا بالفعل للقتل، رغم غياب تأكيد رسمي بأن ذلك كان نتيجة مباشرة للتسريب.
أما وزارة الدفاع البريطانية، فقد فقدت السيطرة على المعلومات، دون أن يتضح حتى الآن إن كانت طالبان قد حصلت عليها.
ولتدارك الكارثة، أنشأت الحكومة البريطانية السابقة في عام 2023 برنامجًا سريًّا لنقل المتأثرين بالتسريب إلى بريطانيا، حتى أولئك الذين لم يكونوا مؤهلين لبرامج المساعدة التقليدية مثل برنامج الإجلاء والدعم (ARAP).
النتيجة: نقل نحو 6,900 أفغاني حتى الآن، إضافةً إلى آلاف آخرين ضمن برامج أخرى مرتبطة بالقضية.
صحيفة التايمز، التي خاضت معركة قانونية لكشف التفاصيل، كشفت أن إجمالي من وصلوا إلى بريطانيا بلغ 18,500 شخص حتى الآن، مع استعداد 5,400 آخرين للوصول إلى بريطانيا قريبًا، ليرتفع العدد إلى 23,900 شخص.
لكن المأساة لا تكتمل هنا؛ إذ إن آلافًا من المتأثرين بالتسريب سيبقون في أفغانستان، وفقًا للتقارير.
وزارة الدفاع قدّرت التكلفة المباشرة لعملية الترحيل وحدها بـ850 مليون باوند، في حين أشارت وثائق حكومية إلى أن التكلفة الإجمالية قد تتجاوز 6 مليارات باوند بعد احتساب تكاليف البرامج والدعاوى القضائية وأوامر التعتيم.
بريطانيا تعتذر… وتبريرات مثيرة للجدل
وزير الدفاع البريطاني جون هيلي قدّم “اعتذارًا صادقًا” أمام البرلمان، معربًا عن قلقه من “غياب الشفافية” في التعامل مع الحادثة.
وبرّرت الحكومة السابقة موقفها بأنها حاولت حماية المتأثرين ومنع تعريضهم للخطر، لكن مراجعة داخلية قادها المسؤول السابق بول ريمر زعمت أن إدراج الأسماء في البيانات المسربة “لن يُحدث فارقًا كبيرًا في درجة الخطر”.
قرار المحكمة برفع أمر التعتيم استند إلى تلك المراجعة، رغم أن محامي المتضررين، عدنان مالك، حذر من أن الخطر على الضحايا لا يزال قائمًا، مؤكدًا أن هؤلاء “يعيشون تحت تهديد الانتقام بدلًا من أن يُقابلوا بالامتنان”.
وأشار إلى أن مكتبه يباشر حاليًّا تمثيل نحو ألف من الضحايا لملاحقة الحكومة قانونيًّا.
ليست هذه المرة الأولى التي تتورط فيها وزارة الدفاع في فضيحة تسريب بيانات حساسة. ففي عام 2021، كُشف عن حادثة مماثلة عندما أُرسلت تفاصيل شخصية عن 265 أفغانيًّا عبر بريد إلكتروني مكشوف، ما دفع مفوض المعلومات البريطاني لفرض غرامة قدرها 350 ألف باوند على الوزارة، واصفًا الحادثة بأنها “خرق فادح وخطير”.
وبهذا الصدد ترى منصة العرب في بريطانيا أن هذه الفضيحة تمثل فشلًا ذريعًا في أداء الحكومة البريطانية والتزامها الأخلاقي تجاه من تعاونوا معها.
فالخطر لم يقتصر على التسريب ذاته، بل امتد إلى التعتيم المتعمد والتأخر في اتخاذ الإجراءات، وهو ما كشف عن قصور مؤسسي لا يمكن تجاهله.
وتؤكد المنصة أن على الحكومة البريطانية أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، ليس بتعويض الضحايا وضمان أمنهم فقط، بل أيضًا بمراجعة منظومات حماية البيانات، وتبني سياسة شفافية حقيقية تمنع تكرار مثل هذه الكوارث، التي تهدد حياة البشر وتهز ثقة المواطنين والمؤسسات الدولية في بريطانيا بوصفها دولة قانون ومؤسسات.
المصدر: سكاي نيوز
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇