كيف كشفت غزة هشاشة سياسة كير ستارمر من جميع النواحي؟

في الذكرى الأولى لاكتساح كير ستارمر للانتخابات البريطانية، وقف جيريمي كوربين في قاعة مكتظة في شمال لندن ليعلن ما بدا أنه مشروع سياسي جديد يتجاوز ثنائية الحزبين في البلاد. إلى جانبه وقف أندرو فاينستين، السياسي الجنوب أفريقي اليهودي المناصر للقضية الفلسطينية، وناشطة بريطانية-فلسطينية شابة تُدعى ليان محمد، كادت تطيح بوزير الصحة الحالي ويس ستريتينغ في انتخابات العام الماضي. هؤلاء، ممن يُعرفون اليوم بـ”مرشحي غزة”، يشكّلون نواة حزب جديد يُتوقع أن يكون رأس حربة ضد حزب العمال.
حزب كوربين الجديد: انطلاقة على وقع الغضب من غزة

أُطلق على المشروع السياسي الجديد مؤقتًا اسم “حزبكم”، بقيادة كوربين وزهرة سلطانة، النائبة السابقة عن كوفنتري الجنوبية والمطرودة من حزب العمال. واستنادًا إلى استطلاعات رأي حديثة، قد يحصد الحزب الوليد نحو 10% من أصوات البريطانيين، في ظل انجذاب لافت من جيل الشباب، خاصة ممن تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عامًا والذين منحهم ستارمر مؤخرًا حق التصويت.
يرى فاينستين، الذي خدم في برلمان جنوب أفريقيا في عهد مانديلا قبل أن ينتقل إلى بريطانيا، أن قضية فلسطين أصبحت مقياسًا لمظالم أوسع: أزمة السكن، غلاء المعيشة، الفقر، تفكك الرعاية الاجتماعية، والقلق البيئي. ويؤمن هو وحلفاؤه بإمكانية الفوز في 30 إلى 50 دائرة انتخابية، خاصة تلك ذات الكثافة السكانية المسلمة، والتي شهدت في انتخابات 2024 صعودًا قويًا للمرشحين المستقلين الداعمين لغزة.
ضغوط داخلية وخارجية تدفع نحو الاعتراف بفلسطين
تحت وطأة هذا الزخم الشعبي، اضطر ستارمر إلى تبنّي خطاب أكثر ميلاً للاعتراف بدولة فلسطينية، مهددًا إسرائيل بأن بريطانيا ستصوت في الأمم المتحدة لصالح الدولة الفلسطينية ما لم يُرفع الحصار عن غزة وتُقدَّم التزامات بحل الدولتين.
لكن خلف هذا التغيير المعلن تكمن حسابات دقيقة. تشير مصادر في داونينغ ستريت إلى أن القرار كان يُحضَّر منذ شهور، إلا أن إعلان الرئيس الفرنسي ماكرون عن نية بلاده الاعتراف بفلسطين عجّل بالموقف البريطاني. تبعته كندا، وسرعان ما تحرّكت جهود دبلوماسية بقيادة ستارمر وماكرون لإقناع السعودية وقطر ومصر بالضغط على حماس لتفكيك سلاحها والانخراط في المسار السياسي.
انفجار الغضب في معاقل العمال: ديوزبري نموذجًا

في دوائر مثل ديوزبري في يوركشاير، تظهر ملامح الانشقاق بوضوح. فاز الناشط المؤيد لفلسطين إقبال محمد في الانتخابات الماضية كنائب مستقل، ليصبح أول نائب يفوز في يوركشاير من خارج الأحزاب الرئيسية منذ قرن. في المقابل، واجهت مرشحة حزب العمال هجمات وتهديدات خلال الحملة الانتخابية. واليوم، يشير السكان إلى أن الضرر الذي لحق بثقتهم في الحزب “يصعب إصلاحه”.
في مركز المدينة، تظهر آثار التهميش الاقتصادي: نوافذ محلات محطمة، مبانٍ مهجورة، ولوحات فنية كُتب عليها “الحرية لفلسطين” تحت رسومات للبطيخ، رمز المقاومة الفلسطينية. في مطعم “بيتزا غوغو”، رُفعت لافتة تصف كوكاكولا بـ”طعم الأبارتهايد”، في إشارة إلى علاقتها مع الاحتلال. وفي مطاعم أخرى، رفض بعض سائقي التوصيل العمل مع شركات كـ”ماكدونالدز” و”KFC” بسبب دعمها المزعوم لإسرائيل.
انقسام في المجتمعات… وتصدّع في حزب العمال
في إلفورد، التي تشهد تغيرًا ديموغرافيًا مع ازدياد عدد السكان المسلمين، تؤكد قواعد حزب العمال المحلية أن حرب غزة سمّمت العلاقات بين المسلمين واليهود في الحي. خارج مكتب النائب ويس ستريتينغ، تجمّع عشرات المتظاهرين، من بينهم نساء وأطفال، يطرقون الأواني ويرفعون لافتات تطالب بوقف تجويع الفلسطينيين.
في هذا السياق، يُتّهم ستريتينغ بأنه “يُطلق عليه النار من الجانبين” — إذ يؤيد حق إسرائيل في الوجود، لكنه يناصر كذلك حق الفلسطينيين في إقامة دولة. وحتى مؤيدوه السابقون باتوا يتجهون لدعم ليان محمد، منافسته الجديدة.
أما كوربين، فقد عاد بقوة، مدعومًا بحلفاء مثل فاينستين، الذي أعلن استعداده لمواجهة ستارمر مجددًا في كامدن عام 2029، إذا أراد الناخبون ذلك.
فلسطين تُعيد رسم الخريطة السياسة البريطانية
في خضم الحصار على غزة، بدأت ملامح الحصار تتشكل داخل حزب العمال نفسه. غضب القواعد الشعبية، تراجع ولاء الناخبين المسلمين، تزايد التأييد لحركة المقاطعة، وانبعاث تيارات يسارية جديدة يقودها كوربين، كلّها مؤشرات على أن ما كان يُعدّ حتمية انتخابية قبل عام، بات اليوم معرّضًا للانهيار.
في “العرب في بريطانيا”، نرى أن قضية فلسطين لم تعد شأناً خارجياً، بل تحوّلت إلى مِحور لإعادة فرز الولاءات السياسية داخل المملكة. من غزة إلى ديوزبري، ومن لندن إلى إلفورد، يبدو أن من يتجاهل صوت العدالة… قد يخسر صوت الناخب.
المصدر: صانداي تايمز
إقرأ أيّضا
ستارمر يخبرنا أن لا دولة للفلسطينيين إلا بإذن من إسرائيل!
فلسطينيون يردّون على وعد ستارمر: “شكرًا، ولكن فات الأوان”
ترامب وستارمر وماكرون.. الشخصيات الرئيسية في مسرح اللاإنسانية
الرابط المختصر هنا ⬇