ماذا وراء الإدانة المستمرة لقطر لاستضافتها كأس العالم 2022 ؟
أعلن زعيم حزب العمال مقاطعة بطولة كأس العالم 2022 في قطر، وانتقد ستارمر سجل حقوق الإنسان الخاص بقطر، في تصريحات صدرت لأول مرة عن ستارمر المعروف بمواقفه الحذرة وتجنبه للمعارك السياسية.
وقال ستارمر في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي:” حتى لو وصل فريق إنجلترا إلى نهائي الكأس فإنني لن أحضر المباراة أبدًا، وهذا هو موقف حزب العمال من سجل حقوق الإنسان في قطر”.
وبعد ذلك بوقت قصير أعلنت وزيرة الثقافة في حكومة الظل لوسي باول أنه لن يتوجه أي وفد من حزب العمال إلى قطر، وقالت:”يتعين على المتحولين جنسيًّا أن يتحملوا تبعات البطولة التي ستقام في بلد يجرم نشاطهم الجنسيّ”.
وقد استغرب العديد من المتابعين هذا الموقف الأخلاقي غير المعتاد بالنسبة لحزب العمال، وكان ستارمر قد انتقد مؤخرًا قرار رئيس الوزراء ريشي سوناك بعدم المشاركة في قمة المناخ في مصر، واعتبره فشلًا مطلقًا لقيادة حزب المحافظين، على الرغم من أنّ سجل حقوق الإنسان في مصر أسوأ كثيرًا مما هو عليه في قطر.
ويقدر عدد المعتقلين السياسيين في مصر بحوالي 60 ألف معتقل بينهم الناشط السجين علاء عبد الفتاح، الذي يحمل الجنسية المصرية والبريطانية، وكان عبد الفتاح قد أنهى إضرابه عن الطعام بعد أن أوشك على الموت، حاله حال العديد من المعتقلين في السجون المصرية.
فهل يعتقد ستارمر أنّ قمة المناخ أهم من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان في مصر؟، يبدو أنّ زعيم حزب العمال لا يظهر البراغماتية نفسها عندما يتعلق الأمر بقطر.
استغرب كثيرون تدخل ستارمر بقوة في حدث رياضيّ عالميّ مثل كأس العالم، ويتساءل البعض هل سيعلق ستارمر على سباق فورمولا 1 القادم في أبو ظبي، إذ تمتلك الإمارات العربية المتحدة سجلًا في انتهاكات حقوق الإنسان وسجن المعارضين أيضًا، كما سجلت فيها انتهاكات واسعة لحقوق العمال المهاجرين، وهي تجرم المثلية الجنسية كما هو الحال في قطر، لكن ستارمر لم يصرح بأيّ شيء حول ذلك.
ناهيك عن بطولة لعبة الكريكيت، إذ كان من الأجدر بستارمر أن يعلن عن مقاطعة بلاده لكأس العالم للكريكيت والذي سيقام العام المقبل في الهند، حيث يحذر العديد من المتابعين من إبادة جماعية محتملة ضد المسلمين هناك، وكانت الفرصة سانحة لإعلان موقف حزب العمال من البطولة التي فازت بها إنجلترا خلال آخر نهائي أقيم في أستراليا عام 2022.
إذًا هل يعتقد ستارمر أن حياة العمال الهنود في قطر أكثر أهمية وقيمة من حياة الأقليات في الهند. ومازال المراقبون ينتظرون مقاطعة حزب العمال لكأس العالم للكريكيت الذي سيقام في الهند العام القادم.
انتقادات لاذعة لبطولة كأس العالم 2022 في قطر
كما يبدو أنّ ” التحيز الأخلاقي” ضد قطر لا يقتصر على حزب العمال فقط، وإنما تتعرض قطر للإدانة على نطاق واسع في كل من عالم الرياضة والصحافة على حد سواء.
وقد واجه لاعب المنتخب الإنجليزي السابق غاري نيفيل انتقادات لاذعة لموافقته على العمل في قناة Being Sport القطرية، والتي ستغطي بطولة كأس العالم 2022.
بينما قال مهاجم إنجلترا السابق غاري لينكر إنه يعرف بعض اللاعبين مثليي الجنس في المنتخب الإنجليزي وشجعهم على الظهور في مباريات كأس العالم لتوجيه رسالة إلى قطر.
وتواجه قطر حملة غير مسبوقة من الانتقادات المبنية على الجهل والتعصب.
وكان كابتن المنتخب الإنجليزي هاري كين قد أعلن أنه سيرتدي شعار قوس قزح تضامنًا مع مثليي الجنس خلال بطولة كأس العالم في قطر، رغم أنّ قوانين البلاد تمنع أي نشاط متعلق بالمثلية الجنسية.
وقد وجهت الصحف البريطانية حوالي نصف تغطيتها الإخبارية لكأس العالم في قطر، الأمر الذي لم يحدث خلال بطولة كأس العالم التي أقيمت عام 2018 في روسيا.
وقد عملت الصحف البريطانية على الربط بين بطولة كأس العالم في قطر وانتهاكات حقوق الإنسان، رغم عدم وجود ارتباط بين الموضوعين في الكثير من الأحيان، وقد ترتب على ذلك تسييس البطولة.
وتعمل الصحافة البريطانية على تشكيل رأي عام معين حول دولة قطر، التي لا تعرف الكثير من الشعوب الغربية عن طبيعتها وتاريخها ونظامها السياسي وثقافتها باستثناء ما يسمعه الناس في التغطية الإعلامية الغربية لكأس العالم في قطر.
“الاستبداد الشرقي”.
وفي فرنسا رفض عدد من المجالس المحلية تعليق شاشات كبيرة لعرض مباريات كأس العالم الذي تستضيفه قطر، ونشرت إحدى المجلات الفرنسية رسمًا كاريكاتوريًّا عنصريًّا يصور لاعبي المنتخب القطري على أنهم إرهابيون، ما يساهم في تصوير قطر على أنها بلد همجيّ يسود فيه الاستبداد الذي ينتشر في معظم دول الشرق.
وكانت صحيفة الغارديان قد نشرت مقالًا عام 2021 وقالت فيه: “إنّ حوالي 6500 عامل مهاجر لقوا حتفهم في قطر منذ أن اختيرت لإقامة بطولة كأس العالم، ما يعني وجود ارتباط بين بطولة كأس العالم وأعداد الوفيات بين العمال”.
وقال مارك أوين جونز الأستاذ المساعد في دراسات الشرق الأوسط بمعهد حمد بن خليفة في قطر:” إنّ الرقم 6500 يمثل عدد جميع وفيات العمال المهاجرين والقادمين من باكستان وسريلانكا ونيبال والهند وبنغلاديش، بغض النظر عن سبب الوفاة، ما يعني أنه لا يوجد زيادة في عدد الوفيات بسبب بطولة كأس العالم”.
وكان عدد الوفيات المرتبطة بكأس العالم موضع خلاف كبير، إذ أقرت الحكومة القطرية حصول ثلاث وفيات خلال أعمال البناء و37 حالة وفاة أخرى لأسباب مختلفة، بينما ورد في التقرير الصادر عن منظمة العمل الدولية التابعة للأمم المتحدة تسجيل 50 حالة وفاة في أعمال البناء في قطر من 2020، وأثار التقرير التساؤلات حول طريقة وفاة هؤلاء العمال.
وبعد أن نشرت الغارديان المقال الذي يتحدث عن 6500 وفاة بين العمال في قطر، ركز الصحفيون في جميع أنحاء العالم وخاصة في فرنسا على هذا الرقم، وغالبًا ما أسيء تفسيره على أنه عدد الوفيات بين المهاجرين في مواقع بناء الملاعب والبنى التحتية الخاصة بكأس العالم.
وتداولت شبكة سكاي نيوز البريطانية هذا الرقم في حديثها مع وزير الخارجية القطري حول الوفيات المرتبطة بكأس العالم وقد أشار الأخير إلى أنّ الرقم غير صحيح.
وفي إحدى المباريات التي أقيمت بين فريقي بايرن ميونيخ وبوروسيا دورتموند رفع المشجعون إحدى اللافتات التي كتب عليها “15000 حالة وفاة في قطر من أجل 5760 دقيقة من مباريات كرة القدم، يا للعار”، وقد ورد في تقرير منظمة العفو الدولية الرقم 15000 في إشارة إلى عدد حالات الوفاة لغير القطريين في قطر بين عامي 2010 و 2019، ولا علاقة لهذا الرقم على الإطلاق بالوفيات المرتبطة بكأس العالم.
إصلاحات نظام الكفالة في قطر
وأشارت عالمة الجغرافيا السياسية ناتالي كوخ إلى أنه نادرًا ما يتعرض العمال الأجانب للاستغلال من قبل الحكومة القطرية بشكل مباشر، لكنهم يقعون ضحية مكاتب التوظيف والوسطاء الذين يحملون نفس جنسياتهم الأجنبية ويقدم هؤلاء فرص العمل لنقل الموظفين والعمال من بلدانهم الأصلية إلى قطر.
وقد عملت قطر في السنوات الأخيرة على إصلاح قوانين العمل، و أصلحت نظام الكفالة بحيث يمكن للمهاجرين اليوم تغيير وظائفهم دون إذن أصحاب العمل، وتشير الباحثة كريستل إينيس إلى أنّ قطر أجرت الكثير من التحسينات لكي تتماشى قوانين العمل مع المعايير الدولية”.
وقد تفوقت قطر على العديد من جيرانها في الخليج، ففي عام 2021 ، أقرت الحكومة القطرية قانونًا للحد الأدنى من الأجور لا يميز بين العمال القطريين والأجانب، وبحلول نهاية العام ورد عن بعض المصادر أنّ الحكومة القطرية دفعت 165 مليون دولار كتعويض ل 36 ألف عامل.
وقد سلطت منظمة العفو الدولية الضوء مؤخرًا على تحسن ظروف المعيشة بالنسبة للعمال الأجانب في قطر بسبب الإصلاحات التي أدخلتها الحكومة القطرية، لكن التقرير أقر أيضًا بوجود تحديات كبيرة أمام تنفيذ هذه الإصلاحات، وأشار إلى أنّ الانتهاكات الصارخة والظروف المعيشية السيئة ما زالت تسيطر على حياة العديد من المهاجرين في قطر.
وتعتقد إينيس أنّ المشكلة الأساسية هي استغلال العمال من قبل سوق العمل العالمية، والأمر لا يتعلق فقط بدول الخليج، فبعض الدول الأوروبية تمتلك سجلًا سيّئًا في معاملة المهاجرين الأجانب، لكنها لا تحظى باهتمام كبير في وسائل الإعلام البريطانية.
ويكمن الحلّ في تشجيع الهجرة الشرعية الآمنة في جميع أنحاء العالم.
هذا وحذّرت كلّ من المنظمة العالمية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية من مقاطعة دول العالم لبطولة كأس العالم في قطر، بحجة أنّ هذه البطولة لن تساهم في حدوث تغييرات إيجابية.
واللافت للنظر هو أنه على الرغم من عدد الدول التي أعلنت مقاطعتها لبطولة كأس العالم في قطر فإنّ سبعة اتحادات لكرة القدم على مستوى العالم فقط دعت الفيفا إلى إنشاء صندوق تعويض للعمال المهاجرين في قطر بقيمة 440 مليون دولار، وعلى الرغم من أهمية هذا المطلب في تحسين وضع العمال المهاجرين على أنه لم يحظَ باهتمام الإعلام العالميّ
المصدر: Middle East Eye
اقرأ أيضاً :
فعاليات الاستمتاع بكأس العالم 2022 في لندن
قنوات بريطانية تعرض جميع مباريات كأس العالم 2022 مجانًا
كأس العالم 2022 في قطر …فرص واستعدادات المنتخب الإنجليزي
الرابط المختصر هنا ⬇