العرب في بريطانيا | فيصل حنيف: هكذا تُجمّل البي بي سي جرائم الإبادة...

1447 صفر 23 | 18 أغسطس 2025

فيصل حنيف: هكذا تُجمّل البي بي سي جرائم الإبادة الجماعية في غزة

أبرز عناوين الصحف البريطانية ليوم السبت الموافق 16 نوفمبر 2024
رجاء شعباني June 20, 2025

في وقت تمر فيه غزة بأكثر مراحلها دموية في التاريخ الحديث، يواصل الإعلام البريطاني الرسمي، وتحديدًا هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، أداء دور محوري في تشكيل وعي الجمهور تجاه ما يجري على الأرض. لكن الدور الذي تؤديه الـBBC لم يُبنَ على مهنية باردة أو حياد مسؤول، بل على سردية مشوّهة، يُمنَح فيها الصوت والكرامة للقاتل، ويُجرَّد فيها الضحية من إنسانيته وحقه في السرد.

تقرير جديد وشامل صدر هذا الأسبوع عن “مركز رصد التغطية الإعلامية” (CfMM) كشف، عبر تحليل أكثر من 35 ألف مادة إعلامية بين 7 أكتوبر 2023 و6 أكتوبر 2024، عن نمط تغطية ممنهج يُظهر انحيازًا صريحًا لصالح إسرائيل، وتعمُّدًا في طمس معاناة الفلسطينيين، وتواطؤًا لغويًا وأخلاقيًا في التستّر على واحدة من أبشع الجرائم الجماعية في القرن الحادي والعشرين.

تجاهل للسياق، وتلاعب بالمصطلحات

الحكومة البريطانية تضغط على بي بي سي للتحقيق بشأن "وثائقي غزة"

منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، امتنعت الـBBC عن تقديم الحرب ضمن سياقها الحقيقي: احتلال طويل الأمد، حصار خانق، وسياسات تمييز عنصري معترف بها دوليًا. في المقابل، صُوّر الصراع كأنه “مواجهة متكافئة بين طرفين”، متجاهلةً جذور العنف البنيوي وموقع القوة والسيطرة في هذه المعادلة.

تجنّبت التقارير استخدام مصطلحات أساسية مثل “احتلال”، “حصار”، و”فصل عنصري”، رغم اعتمادها من قبل منظمات أممية كالأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية. كما غاب توصيف إسرائيل كقوة محتلة، بينما جرى تقديم الفلسطينيين، حين يُذكرون، كضحايا بدون سياق أو كمجرد أرقام.

أبرز ما كشفه التقرير هو التمييز اللغوي المتعمد في توصيف الضحايا. فالفلسطينيون، الذين تجاوز عدد قتلاهم في غزة 55 ألفًا – معظمهم من النساء والأطفال – وُصفوا في تغطيات الـBBC بأنهم “قُتلوا” أو “ماتوا” في غارات جوية، من دون تحديد الجهة المسؤولة. أما الضحايا الإسرائيليون، فقد استُخدم لوصفهم تعبيرات مشحونة عاطفيًا مثل “ذُبحوا”، “تعرضوا لمجزرة”، و”قُطّعوا بوحشية”.

كما استخدمت الـBBC مصطلح “مجزرة” 18 مرة أكثر عند الحديث عن قتلى إسرائيليين مقارنة بذكرها في سياق الضحايا الفلسطينيين، رغم الفارق العددي الهائل. وخصّصت الهيئة تغطية شبه متساوية للضحايا من الجانبين، في خطوة لا تعبّر عن توازن، بل عن تسوية كاذبة تُساوي بين المُعتدي والضحية.

استضافة مشروطة.. وصمت انتقائي

مقال في بي بي سي: صمت الغرب يُرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب ويهدد الأمن العالمي

بحسب التقرير، خضع الضيوف الفلسطينيون على شاشات الـBBC لمعاملة استجوابية قاسية، طُلب منهم مرارًا التبرؤ من حماس كشرط غير معلن للمشاركة الإعلامية، بينما مُنح المتحدثون الإسرائيليون – بمن فيهم من دافع عن جرائم حرب علنًا – منصات مريحة وخالية من المحاسبة. لم يُسأل أي ضيف إسرائيلي عن قصف المستشفيات أو استهداف المدارس أو محو مخيمات اللاجئين، رغم الأدلة المصوّرة والإدانات الدولية الواسعة.

وفي تغطية قضايا الأسرى، كرّست الـBBC تغطية موسعة لإنسانية الرهائن الإسرائيليين، بينما بالكاد ذُكرت معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين، العديد منهم معتقلون إداريًا دون توجيه تهم أو محاكمة. حتى في لحظات تبادل الأسرى، غابت المعلومات الأساسية عن الفلسطينيين المُفرَج عنهم: من هم؟ كم أمضوا في السجن؟ هل تعرضوا للتعذيب؟ أسئلة لم تُطرح أصلاً.

وثّق التقرير أكثر من 100 حالة قاطع فيها مذيعو الـBBC ضيوفًا استخدموا تعبير “إبادة جماعية” لوصف ما يجري في غزة، رغم أن محكمة العدل الدولية سمحت رسميًا بمواصلة القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بتهمة ارتكاب الإبادة. هذا التناقض يزداد فجاجة حين نقارن التغطية ذاتها لأوكرانيا، حيث لم تتردد الـBBC في استخدام مصطلحات مثل “جرائم حرب” و”جرائم ضد الإنسانية” في سياق العدوان الروسي.

صحفيون يُقتلون بصمت

نواب بريطانيون يدعمون إجراء تحقيق حول دور بريطانيا في غزة

من بين أكثر من 225 صحفيًا قُتلوا في غزة خلال الحرب، لم تُغطّ الـBBC سوى 6% من تلك الحوادث. هؤلاء الصحفيون لم يكونوا أرقامًا مجهولة؛ كانوا شهودًا على المجزرة، قُتلوا بينما كانوا يصورون لحظة موتهم. ومع ذلك، لم تُعامل وفاتهم باعتبارها شأنًا مهنيًا أو أخلاقيًا يوجب التوقف والتأمل، بل وُضعوا في الهامش.

وللمقارنة، غطّت الـBBC نحو 62% من حالات مقتل الصحفيين في أوكرانيا. الفارق هنا لا يمكن تفسيره بالوصول الميداني أو الظروف الأمنية، بل يعكس تحيّزًا عميقًا في القيمة الممنوحة لحياة الصحفيين حسب جنسيتهم وقضيتهم.

في نهاية عام 2024، وقّع أكثر من 100 موظف في الـBBC رسالة مفتوحة عبّروا فيها عن خشيتهم من انحراف الهيئة عن واجبها التحريري، مشيرين إلى ثقافة داخلية خائفة، ومعايير مزدوجة، وتضييق منهجي على الأصوات الفلسطينية. ردت الـBBC بأن تغطيتها “شفافة عند الوقوع في الخطأ”، وبأنها “توضح للجمهور القيود المفروضة على تغطيتها من الأرض”. لكن التقرير الأخير يُثبت أن المسألة أعمق من مجرد صعوبة الوصول الميداني؛ إنها رؤية مؤسساتية مشروطة تجاه من يُعد جديرًا بأن يُرى أو يُصغي إليه.

الإعلام حين يصبح شريكًا في الجريمة

تحقيق: الشرطة البريطانية أنفقت 200 ألف باوند لحماية مصنع أسلحة إسرائيلي في نيوكاسل

البي بي سي ليست مجرد هيئة بث، بل مؤسسة تصوغ الوعي العالمي. لكن حين تتواطأ لغويًا وأخلاقيًا في تجميل الإبادة الجماعية، وتُضفي المشروعية على السرديات المهيمنة، فإنها تتخلّى عن موقعها كمرآة نزيهة للواقع، وتتحوّل إلى أداة صقل لصورة القوة، وسلاح في معركة نزع الإنسانية عن الضحايا.

الحياد لا يعني الصمت أمام الإبادة. الإنصاف لا يُقاس بتوازن عدد الكلمات، بل بقدرتنا على قول الحقيقة حين تكون أكثرها كلفة. والجمهور، كما الشهداء في غزة، يستحقون الحقيقة، لا أقل.

المصدر ميدل ايست اي 


إقرأ أيّضا

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
12:42 am, Aug 18, 2025
temperature icon 18°C
overcast clouds
79 %
1023 mb
8 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 100%
Visibility 10 km
Sunrise 5:51 am
Sunset 8:17 pm