فنادق اللجوء في بريطانيا.. من ملاذ آمن إلى بؤر للخوف والفوضى

أمضى جناح من اليمين البريطاني هذا الصيف وكأنه يسعى لتكرار أعمال الشغب العنصرية التي شهدتها البلاد العام الماضي. وبينما يصرخ السياسيون والمعلقون بعبارات مثل “بريطانيا على فوهة بركان” – فهل يحذروننا أم يتمنون وقوع ذلك؟ – عمل متطرفو اليمين المتشدد بنشاط على إذكاء العنف. هذا العام، ركز هؤلاء آمالهم على قضية فنادق اللجوء، وهي قضية تتقاطع فيها مخاوف الرأي العام بشأن الجريمة والهجرة ودولة الرفاه.
في بعض المناطق، استغل ناشطو اليمين المتشدد احتجاجات أطلقتها شكاوى محلية. وكان أبرزها هذا العام في بلدة إيبينغ بمقاطعة إسكس، بعد ادعاء وقوع اعتداء جنسي من قبل طالب لجوء، ما أدى إلى مظاهرات تحولت إلى العنف عند انضمام أعضاء من جماعات يمينية متطرفة متعددة إليها. وظهرت أنماط مشابهة في منطقة كناري وارف بلندن، بعد انتشار شائعات غير صحيحة بأن بعض نزلاء فندق إيبينغ سيتم نقلهم إلى هناك. وفي حالات أخرى، كان ناشطو اليمين أنفسهم هم من نظموا الاحتجاجات، وقد وُجهت دعوات عبر شبكاتهم الإلكترونية للتجمع في عدة مناطق من إنجلترا نهاية هذا الأسبوع.
من غير المرجح – وإن لم يكن مستحيلًا – أن تصل النتيجة إلى مستوى أعمال الشغب التي شهدناها في صيف العام الماضي، إذ كانت تلك الأحداث قد اندلعت بعد جريمة قتل صادمة، تلاها انتشار واسع للمعلومات المضللة ونظريات المؤامرة حول هوية القاتل. لكن ناشطي الحركات المناهضة للفاشية الذين تحدثت إليهم يعتقدون أن الوضع قد يتسبب في اضطرابات أقل حدة، كتلك التي شهدتها إيبينغ وكنوزلي بميرسيسايد عام 2023، وسيضمن بالتأكيد بقاء فنادق اللجوء قضية خلافية لأشهر عديدة قادمة.
لكن هناك سؤال غالبًا ما يبقى بلا إجابة: لماذا يتم إيواء طالبي اللجوء في فنادق أصلًا؟ قبل عام 2020، كان هذا الأمر شبه معدوم، إلا أنه بلغ ذروته في 2023، حيث تجاوز عدد المقيمين في الفنادق 55 ألف شخص ينتظرون شهورًا طويلة لمعالجة طلبات لجوئهم. (اليوم انخفض العدد إلى نحو 30 ألفًا).
بالنسبة للبعض، الجواب سيكون: “لأن عدد طالبي اللجوء في بريطانيا كبير جدًا ولا نملك الموارد الكافية لدعمهم”. لكن هذا مضلل؛ فرغم أن بريطانيا شهدت في السنوات الأخيرة زيادة في طلبات اللجوء، فإنها ليست استثنائية مقارنة بدول أوروبية أخرى، بحسب مرصد الهجرة في جامعة أكسفورد. ومع ذلك، تعتمد بريطانيا على الإقامة الفندقية المكلفة بدرجة أكبر بكثير من أي من جيرانها الأوروبيين.
تسلسل من القرارات من قبل حكومات حزب العمال والمحافظين منذ مطلع القرن أوصل الوضع إلى هذه النقطة. القرار الأول كان من حكومة توني بلير، التي جعلت طالبي اللجوء يعتمدون بشكل شبه كامل على دعم الدولة. حتى منتصف 2002، كان يمكن لطالب اللجوء العمل إذا انتظر أكثر من ستة أشهر للحصول على قرار أولي بشأن طلبه. لكن صحفًا عدة هاجمت ذلك، معتبرة أنه يسمح لهم بأخذ وظائف البريطانيين، ففرضت الحكومة فعليًا حظرًا على عملهم. (في كثير من الدول الأوروبية، لا يزال يُسمح لطالبي اللجوء بالعمل بعد فترة انتظار معينة).
وحين تمنع الحكومة الأشخاص من العمل، فإن عليها أن توفر لهم الدعم الأساسي ما لم تكن راضية بأن يموتوا جوعًا في الشوارع. في البداية، كانت المساكن تُوفر بشكل أساسي من خلال إدارات الإسكان في المجالس المحلية. لكن السياسيين اتخذوا قرارًا ثانيًا، وهو خصخصة هذه الخدمة، وبدأ ذلك في أواخر العقد الأول من الألفية، لكن الخطوة الحاسمة جاءت في عهد حكومة الائتلاف بين ديفيد كاميرون ونيك كليغ.
في عام 2012، كجزء من سياسة التقشف، تمت إحالة إدارة مساكن طالبي اللجوء إلى شركات خاصة تسعى للربح، وهي نفسها التي تدير اليوم كثيرًا من الخدمات العامة. كثيرًا ما فشلت هذه الشركات في تقديم مساكن مناسبة أو توفير قيمة مقابل المال، واضطرت الحكومة لإعادة صياغة العقود. ومع ذلك، استمرت المشكلات، وبحلول نهاية العقد أصبح من الشائع إيواء طالبي اللجوء في “مساكن طارئة” مثل الشقق المؤقتة والفنادق.
القرار الثالث جاء من حكومات بوريس جونسون، وليز تراس، وريشي سوناك، التي أضعفت نظام اللجوء نفسه. خلال الإغلاق الأول لكوفيد عام 2020، وُضع طالبي اللجوء في فنادق – التي كانت فارغة إلى حد كبير حينها – لأسباب صحية عامة. وتزامن ذلك مع ارتفاع أعداد العابرين عبر القناة في قوارب صغيرة، بدلًا من الاختباء في الشاحنات كما كان شائعًا سابقًا. (كثير ممن يسلكون هذه الطرق يفعلون ذلك لعدم وجود خيار إعادة توطين آمن، مثل البرنامج الذي قدمته المملكة المتحدة للاجئين الأوكرانيين).
شجعت حكومة المحافظين العداء تجاه رحلات القوارب الصغيرة، ووصفتها بأنها “غزو”. وبدلًا من نقل طالبي اللجوء من الفنادق إلى مساكن أكثر ملاءمة بعد انحسار الوباء، أبقتهم هناك بينما كانت تبني معسكرات أشبه بالسجون كبديل – وهي مشاريع لم تُنفذ في الغالب. وفي الوقت نفسه، سمحت بتراكم طلبات اللجوء، ثم حاولت منع كثيرين من تقديم طلباتهم أصلًا عبر خطة لترحيلهم نهائيًا إلى رواندا – وهي خطة لم ترَ النور أيضًا.
كل ما سبق أدى إلى وجود مزيد من طالبي اللجوء في فنادق أكثر، لفترات أطول، وفي مناطق أوسع من البلاد. في جوهرها، هذه حكاية تُروى عن تقشّفٍ مفرط، وساسةٍ يبحثون عن كبش فداء يبرّر إخفاقاتهم. وإذا بدا هذا مألوفًا، فربما لأننا نجد القصة نفسها في المستشفيات والمدارس والمجتمعات المحلية.
قد تكون هذه فرصة لطرح سؤال أوسع حول ما الذي حدث للدولة بشكل عام، ومناقشة ما يمكن فعله لجعلها تعمل بشكل أفضل للجميع. وقد وعدت حكومة كير ستارمر بإنهاء استخدام الفنادق بحلول 2029، عبر الاستثمار في نظام اللجوء وتقليل رحلات القوارب الصغيرة. لكن إذا لم تكن مستعدة لخوض هذا النقاش الأوسع، فإن اليمين جاهز بإجابات مغرية لكنها مدمرة.
المصدر: الغارديان
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇