يشهد قطاع التجزئة في المملكة المتحدة موجة غير مسبوقة من السرقات اليومية، حيث تُسجل 55 ألف حالة سرقة يوميًا، فيما ارتفعت الحوادث العنيفة والمسيئة بنسبة 50% خلال العام الماضي، لتصل إلى ألفين حادث يوميًا.
مع تفاقم أزمة غلاء المعيشة وتراخي العقوبات القانونية، يبدو أن المجرمين أصبحوا أكثر جرأة في استهداف المتاجر، مستغلين النقص في أعداد الموظفين، وضعف الحضور الأمني، والتساهل التشريعي الذي يجعل العقوبات غير كافية لردعهم.
اللصوص أكثر جرأة.. والمتاجر بلا حماية
دينيس بارتيروم – عاملة في سوبر ماركت بمقاطعة كِنت “اللصوص لم يعودوا يخفون ما يفعلونه، لأنهم يعلمون أن الموظفين غير مخولين بإيقافهم، وبعض المتاجر لا توظف أفراد أمن. يدخلون ببساطة إلى المتاجر، ويقطعون علامات الأمان عن المنتجات”.
“بعضهم يأتي بقائمة ويسرق بناءً على طلب مسبق، لا سيما خلال فترة عيد الميلاد، حيث تستهدف السرقات ألعاب ليغو وباربي*”.*
“في الماضي، كان معظم اللصوص من المشردين الذين يبحثون عن طعام أو مستلزمات شخصية. أما اليوم، فلم يعد هناك نمط واضح لمن يسرق؛ قد يكون أي شخص – رجلًا كان أو امرأة – يرتدي ملابس أنيقة، يتجاوز أجهزة الدفع الذاتي دون مسح نصف المشتريات”.
“عدد الموظفين خُفّض على مدار السنوات، ما أتاح للمجرمين فرصًا أكبر للسرقة. بعض المتاجر تعتمد بشكل متزايد على الدفع الذاتي، لكنها لا تمتلك عددًا كافيًا من الموظفين لمراقبة العمليات. في بعض الحالات، يُطلب من المتجر التخلي عن موظف في المبيعات إذا أراد تعيين حارس أمن”.
“نحن نواجه سرقات يوميًا، والمجرمون يدركون أن بإمكانهم الإفلات من العقاب. حتى إذا قُبض عليهم، فإن العقوبات غير كافية لردعهم”.
“بدأ أحد المتاجر القريبة بوضع عبوات اللحم المفروم في صناديق أمان كانت تُستخدم سابقًا لأقراص DVD، في محاولة للحد من السرقات”.
الشرطة لن تأتي.. والمجرمون يعرفون ذلك
جورج باس – حارس أمن في جامعة تضم متاجر ومقهى مفتوحًا للجمهور “نتعامل مع كل أنواع الأشخاص، من تجار المخدرات إلى الشباب المحليين. نحن في الخطوط الأمامية لهذه الفوضى”.
“أصبحت ظاهرة السرقة بناءً على الطلب أكثر انتشارًا مع تفاقم أزمة غلاء المعيشة. سمعت إحدى المدمنات على المخدرات تقرأ قائمة تسوق من هاتفها، حيث كانت تسرق بناءً على طلب شخص آخر”.
“المجرمون يسرقون أي شيء متاح، من الطعام إلى سماعات الرأس في متجر الكتب. بعضهم يستخدم أسلوب steaming، حيث يندفع مجموعة منهم نحوك دفعة واحدة، وقد تتمكن من مطاردة واحد أو اثنين، لكن البقية يختفون”.
“الشباب أصبحوا أكثر جرأة. لم يعودوا يخشون الكاميرات، حتى تلك المثبتة على أجسام الحراس. فكرة تصويرهم وإرسال الصور إلى الشرطة لم تعد تردعهم، لأنهم يعلمون أن الشرطة على الأرجح لن تتدخل”.
“في الماضي، كان لدينا شرطي محلي يعرف الجميع. إذا أُمسك بك، كان يبلغ أسرتك، وكان ذلك كافيًا لردعك. أما اليوم، فأغلب الشباب لا يرون الشرطة إلا في أوقات الأزمات”.
“لقد هُددت بالسكاكين، بل هدد بعضهم عائلتي، لكن معظم هذه التهديدات ليست جادة. لا أخشى التعرض للاعتداء، لأنني أستطيع تهدئة الموقف بالكلام. أقوى وسيلة لردع السرقة هي أن يشعر السارق بالمراقبة والضجيج”.
السرقات اليومية تدمر أعمالنا.. والشرطة لا تبالي
أميت بونتامبيكار – صاحب متجر عائلي في فينستانتون، كامبريدجشير “الأسبوع الماضي، تعرضت للضرب على يد امرأة خارج المتجر. التقطنا عبر كاميرات المراقبة ثلاثة أشخاص يسرقون سجائر إلكترونية بقيمة 77 باوند. في صباح اليوم التالي، بينما كنت متجهًا للإبلاغ عن الواقعة، رأيتهم في الشارع. تصرفت بعفوية وقلت لهم: ’أنتم مدينون لنا بالمال‘، فلكمتني واحدة منهم على عيني أمام المتجر وأمام والدتي”.
“العام الماضي، دخلت امرأة إلى المتجر وهددت الموظفين بمطرقة، لكن الشرطة تعاملت مع الأمر باستخفاف. فكرت في بيع المتجر بسبب ذلك”.
“نخسر نحو 250 باوند أسبوعيًا بسبب السرقة. في الأسابيع الأولى من يناير وحده، فقدنا كميات كبيرة من شرائح اللحم، وألواح الشوكولاتة، ومنتجات الغسيل، وهي سلع يسهل بيعها في السوق السوداء. أحيانًا يطلب الآخرون سرقة أشياء معينة”.
“في يناير فقط، فقدنا 24 لوح شوكولاتة. قد يبدو الأمر تافهًا، لكنها تكلفنا 1.25 باوند للقطعة الواحدة. في ظل هوامش الربح الضيقة، نحتاج لبيع بضائع بقيمة 600 باوند لتعويض هذه الخسائر”.
“الأوضاع تدهورت بشدة خلال السنوات الثلاث الماضية. والداي انتقلا إلى هذا الحي في أواخر الثمانينيات، ولم نواجه أي حوادث عنف حتى عام 2020، عندما عمد شخص بالغ إلى ضرب طفل في المتجر بسبب خلاف على ارتداء الكمامة”.
“مع ارتداء الجميع للكمامات، أدرك العديد من المجرمين أنهم يستطيعون الإفلات بسهولة، وكان ذلك نقطة تحول في انتشار السرقات. كما أن القوانين أصبحت أكثر تساهلًا تجاه السرقات البسيطة، ما شجع المزيد من اللصوص”.
“المجرمون عمدوا إلى حساب التكلفة والمخاطر. منذ الوباء، أصبحت سرقة المتاجر الملاذ الأول للمجرمين المعتادين على الجرائم الأخرى مثل السطو، بعدما أدركوا أن القانون متساهل مع جرائم التجزئة. الشرطة تعرف هؤلاء الأشخاص، لكنها لا تستطيع فعل الكثير”.
أزمة أمنية تهدد الاقتصاد والمجتمع
تكشف هذه الشهادات عن تصاعد خطير في معدلات السرقة والعنف داخل المتاجر البريطانية، حيث بات أصحاب الأعمال والموظفون يواجهون مخاطر يومية مع ضعف التدخل الأمني وتراخي القوانين.
في ظل تفاقم الأزمة، يطالب العاملون في قطاع التجزئة بتدخل حكومي عاجل، يشمل:
تشديد العقوبات على جرائم السرقة لردع المجرمين.
تعزيز الحضور الأمني في المتاجر للحد من الحوادث العنيفة.
مراجعة التشريعات لضمان عدم استغلال الثغرات القانونية.
لكن حتى الآن، لا تزال الحكومة مترددة في اتخاذ إجراءات حاسمة، ما يترك قطاع التجزئة عرضة لمزيد من الخسائر والانهيارات الاقتصادية.
ويبقى السؤال الأهم: إلى متى سيستمر هذا الانفلات الأمني دون رادع؟