العرب في بريطانيا | فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لند...

1447 جمادى الثانية 15 | 06 ديسمبر 2025

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟
صبا الشريف December 1, 2025

تحاول ريبيكا ثورن بيع شقتها منذ أكثر من عام، لكنها لم تتمكن بعد من العثور على المشتري المناسب. فقد اشترت هي وزوجها شقتهما المكونة من غرفتي نوم في منطقة كاناري وارف مقابل أكثر من 600,000 باوند في عام 2015، خلال ذروة سوق العقارات، أي قبل عام من استفتاء بريكست. وعلى الرغم من إعجابهما بالشقة وما توفره من مرافق مثل المسبح وصالة الألعاب الرياضية، قرر الزوجان البحث عن مساحة أكبر لتلبية احتياجات أسرتهما المكونة من ثلاثة أولاد، وطرحا الشقة للبيع بسعر 600,000 باوند.

وبعد تلقي عدد قليل من العروض، خفض الزوجان السعر إلى 575,000 باوند، إلا أنهما صُدما عند وصول أحد العروض إلى 515,000 باوند فقط. وقالت ثورن: “كنا ندرك أننا لن نبيعها بالسعر الذي اشتريناها به، لكن الأمر يبقى محرجًا نوعًا ما”، مشيرة إلى أن بعض المشترين المحتملين ترددوا بسبب ارتفاع رسوم خدمات المبنى.

وكان سوق العقارات في لندن يعاني بالفعل من ركود قبل الإعلان عن ميزانية هذا الأسبوع، إذ يشعر كثير من سكان العاصمة أنهم لن يحصلوا على أسعار مناسبة لمنازلهم، فلا يعرضونها للبيع. كما أن تكاليف الانتقال باهظة بالنسبة للبعض، فيما لا يمتلك المشترون الجدد الموارد المالية الكافية لدخول السوق.

سوق لندن العقاري يواجه ضغوطًا مزدوجة بين ضعف الطلب وضرائب القصور الجديدة

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟

تصاعدت الضغوط مؤخرًا مع إعلان وزيرة الخزانة، راشيل ريفز، عن فرض رسوم جديدة على العقارات التي تزيد قيمتها عن 2 مليون باوند، في ما أُطلق عليه “ضريبة القصور”. ورغم أن الهدف من هذه الرسوم استهداف العقارات الفاخرة، فإنها ستطال أيضًا العديد من المنازل العائلية في المناطق الراقية بلندن، بما في ذلك المنازل شبه المستقلة والمطلة على الشوارع.

ولا يتوقع الخبراء أن يكون لهذه الضريبة تأثير كبير بحد ذاتها، لكنها ستُفرض في سوق يعاني منذ سنوات من ضعف، ما قد يدفع قيم بعض الشرائح السعرية إلى المزيد من الانخفاض.

وتقول أنيشا بيفيريدج، رئيسة قسم البحوث في وكالة هامتونز العقارية: “سوق لندن كان هشًا نسبيًا خلال العقد الماضي. بعض المناطق أدت أداءً أفضل من غيرها، لكن السوق ككل يعاني من التباطؤ”.

وانخفضت أسعار المنازل في لندن إلى أدنى مستوياتها منذ نحو عامين، تحت ضغوط القدرة على الشراء وإمكانية فرض الضريبة الجديدة. وأوضح مكتب الإحصاءات الوطني أن متوسط أسعار المنازل في العاصمة انخفض بنسبة 1.8% على أساس سنوي حتى سبتمبر الماضي. وشهدت أغنى أحياء لندن انخفاضات أكبر، مثل سيتي أوف لندن بنسبة 15% وكنسينغتون وتشيلسي بنسبة 11.3%، وهو أكبر تراجع منذ أوائل 2024، ليصل متوسط السعر إلى 549,942 باوند، أدنى مستوى منذ ديسمبر 2023.

في المقابل، سجلت بقية أنحاء البلاد ارتفاعًا بنسبة 2.6% خلال الفترة نفسها، ما يعكس الفجوة الطويلة بين أداء سوق لندن وبقية بريطانيا.

المشترون الجدد يواجهون تحديات متزايدة في العاصمة

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟

بحسب بيفيريدج، تعافت لندن أسرع من بقية المناطق بعد الأزمة المالية عام 2008، غير أن الأسعار بدأت منذ 2016 تلحق بركب باقي أنحاء البلاد، متراجعة نسبيًا في العاصمة. وأوضحت أن معظم أحياء لندن بالكاد تجاوزت مستوى التضخم، بينما تشير التقديرات في وسط العاصمة الراقي إلى انخفاض حقيقي بنسبة تتراوح بين 20 و 30% خلال العقد الماضي. وبين عامي 2016 وحتى الآن، ارتفع متوسط قيمة المنزل في لندن بنسبة 12% فقط، مقارنة بزيادة بلغت 37% على مستوى بريطانيا، وفق بيانات هامتونز ومكتب الإحصاءات الوطني، فيما شهدت أحياء مثل إسلينغتون وكامدن وواندزورث زيادة محدودة بلغت نحو 4% منذ 2016.

ويظل السوق تحت ضغط حالة من عدم اليقين نتيجة تداعيات بريكست، وتغييرات ضريبة غير المقيمين، وارتفاع الضرائب العقارية، إضافةً إلى ضعف القدرة على الشراء، حيث يبلغ متوسط سعر المنزل في لندن أكثر من ضعف المتوسط الوطني البالغ 271,050 باوند.

وتشير آشلي ويب، خبيرة الاقتصاد في كابيتال إيكونوميكس، إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة منذ ديسمبر 2021 قلّص القدرة على الاقتراض مقارنة بالدخل، مؤثرًا بشكل واضح على سوق لندن. وبحلول نهاية سبتمبر، كانت أسعار المنازل في العاصمة أكثر من تسع أضعاف متوسط الدخل السنوي، مقارنة بنسبة 5.8% في بقية أنحاء بريطانيا، بينما كان المشترون الجدد ينفقون نحو 56% من صافي دخلهم على أقساط الرهن العقاري، مقابل 34% لبقية البلاد.

تُجبر هذه الظروف كثيرين على تأجيل دخول السوق لأول مرة أو التقدم على سلم العقارات. وأظهر مسح أجرته مجموعة HomeOwners Alliance أن 19% من أصحاب المنازل فكروا بالانتقال خلال العامين الماضيين، لكنهم فضلوا البقاء بسبب ارتفاع الأسعار، أو تكاليف الانتقال، أو ضريبة الدمغة. ويقول نيل هدسون، محلل سوق الإسكان: “البقاء في مكانهم هو الخيار الأسهل حاليًا، لأن النشاط في السوق أهم من الأسعار وحدها، ولا توجد محفزات خارجية لدفع البيع”.

وسجلت لندن نحو 110,000 عملية بيع في 2024، بانخفاض 23% عن ذروة 2014، وهو أكبر من الانخفاض البالغ 10% على مستوى بريطانيا. وفي وسط لندن الراقي، باع 24% من البائعين عقاراتهم بأسعار أقل من سعر الشراء، لترتفع النسبة إلى 59% لمن اشتروا في 2015، مقارنة بـ9% فقط على مستوى إنجلترا وويلز.

تراجع مبيعات لندن ونقص المنازل يضغطان على السوق العقاري

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟

توضح جو إكليس، مؤسسة وكالة Eccord للشراء، أن البائعين في لندن ينقسمون إلى مجموعتين: الأولى اشترت عقاراتها خلال العقد الماضي وتتمسك بأسعارها الأصلية، والثانية حاولت بيع ممتلكاتها خلال العامين الماضيين ووضعها في السوق عدة مرات، فصاروا أكثر واقعية تجاه الأسعار؛ فبعضهم يسعى للبيع السريع، بينما يتمتع البعض الآخر بالمرونة في التفاوض.

وفي ساوث كنسينغتون، قرب هايد بارك وقاعة رويال ألبرت، انخفضت المبيعات منذ 2014 بنسبة 32%، وتراجع متوسط سعر القدم المربعة بنسبة 17.5% ليصل إلى 1,548 باوند، وهو أكبر انخفاض في وسط لندن الراقي. وعلى نطاق أوسع، سجلت المبيعات انخفاضًا بنسبة 23% ومتوسط سعر القدم المربعة تراجع بنسبة 11.1% ليصل إلى 1,623 باوند.

ويعاني السوق من نقص المعروض، مع توقع بدء بناء 15,000 إلى 20,000 منزل جديد بحلول بداية 2027، مقارنة بـ60,000 إلى 65,000 منزل بين 2015 و2020. وتسعى الحكومة لبناء 88,000 منزل سنويًا في لندن ضمن وعدها بتسليم 1.5 مليون منزل خلال هذه الدورة البرلمانية، غير أن النصف الأول من العام شهد بيع 3,950 منزلًا فقط.

كما أثرت ارتفاعات تكاليف البناء وتعقيد اللوائح على اهتمام المستثمرين، مما جعل العديد من المشاريع غير مجدية اقتصاديًا. ويأمل المشترون والمطورون في إجراءات إضافية تشمل تعديل حدود ضريبة الدمغة وتوسيع برامج الدعم للمشترين لأول مرة، لتعزيز نشاط السوق وتسهيل دخول المنازل الجديدة.

ضغط الأسعار والضرائب يثقل كاهل مشترَي لندن

فاينانشال تايمز: لماذا يشهد سوق العقارات في لندن ركودًا غير مسبوق في 2025؟

يقول باسكو سابيدو، الذي حاول شراء شقة في مارس مع صديق له: “تم تجاوزه من قبل مشتري نقدي”. وبعد أشهر من البحث، تمكن من وضع عربون على شقة بغرفتين في توتنهام مقابل 325,000 باوند، بمساعدة الأموال الموروثة من أجداده. وأضاف: “رؤية انفجار أسعار المنازل تجربة صادمة، خاصة في لندن، حيث يتغير المجتمع ومن يستطيع شراء العقارات”.

ولا توجد مؤشرات على انتعاش سريع في السوق، وتتوقع شركة Savills أن ترتفع أسعار المنازل في لندن بنسبة 13.6% خلال خمس سنوات حتى 2030، مقارنة بـ 22.2% على مستوى بريطانيا، مع توقعات بعدم نمو الأسعار في العاصمة خلال العام المقبل.

ورغم انخفاض أسعار الفائدة على الرهن العقاري، ما زالت ريبيكا ثورن تفكر في خياراتها. شراء منزل آخر وترك الحالي للإيجار ليس جذابًا بسبب ضريبة الدمغة الإضافية، وقالت: “يمكننا التأجير ثم البحث عن مكان آخر للإيجار، لكن ذلك صعب في سني الحالي. لقد استأجرت عدة مرات ولا أرغب في تحويل رهن منزلي لشخص آخر، لكن إذا اضطررنا، سنفعل”.

سوق العقارات في لندن يواجه تحديات هيكلية متعددة تؤثر على كل من المشترين والبائعين. الركود الحالي يعكس ضعف القدرة على الشراء، وارتفاع تكاليف الانتقال والضرائب، فضلاً عن نقص المعروض من المنازل الجديدة، ما يزيد من صعوبة تحرك السوق بشكل طبيعي. في ظل هذه الظروف، يصبح تبني نهج مرن في التفاوض بين الأطراف أمراً ضرورياً، مع مراعاة تأثير السياسات الحكومية المرتبطة بضريبة الدمغة وبرامج دعم المشترين لأول مرة.

كما يُشكل تعزيز برامج التمويل وتحفيز بناء المنازل الجديدة خطوة حاسمة لتقليل الفجوة بين العرض والطلب، وتخفيف الضغوط على السوق، ما يتيح للمشترين إمكانية دخول السوق لأول مرة ويمنح البائعين فرصة تحقيق صفقات أكثر استقرارًا.

المصدر : Financial times


إقرأ أيضًا :

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة