غرس العروبة في قلوب الصغار وحفظ الذاكرة الفلسطينية

الهجرة والمنفى مهما كانت قاسية أو اضطرارية لا يبرران فقدان الهوية أو التنكر للجذور. فالطفل العربي الذي يفتح عينيه في بلاد الغربة قد ينشأ في بيئة مختلفة اللغة والثقافة والعادات، لكن لا ينبغي أن تطمس تلك البيئة ملامحه الأصيلة أو تقطع حبله السري بأرضه الأم.
إن مسؤولية الأهل والمربين أن يغرسوا بذور العروبة في قلوب أبنائهم ويذكروهم دائمًا بقضية فلسطين، فهي ليست حدثًا سياسيًا عابرًا، بل جوهر الانتماء وامتحان الإنسانية.
الطفل في غربته أشبه بشتلة نُقلت من تربة خصبة إلى أرض جديدة. إن أهملت قد تنمو مشوهة بلا جذور ولا ثمار، وإن سقيت بماء الذاكرة واللغة والتراث بقيت شامخة تحمل رائحة الوطن أينما حلت. لذلك فإن تعليم اللغة العربية هو الخطوة الأولى، فهي الوعاء الحافظ للهوية والجسر إلى كتاب الله وأدب الأمة وتاريخها. فإذا فقد الطفل لغته انقطع عن تراثه، وإذا انقطع عن تراثه غدا غريبًا حتى عن نفسه.
وفي قلب العروبة تقبع فلسطين، فلسطين التي لم تكن يومًا مجرد بقعة محاصرة بل قضية وجود وذاكرة أمة وعنوان كرامتها.
حين نربي أبناءنا علينا أن نقص عليهم حكايات القدس وأزقة يافا وحيفا وغزة، وأن نعلمهم أن وراء كل شهيد قصة بطولة وخلف كل بيت مهدّم حكاية صمود. يجب أن يعرفوا أن فلسطين جرحهم الشخصي وأن تحريرها مسؤوليتهم كما كانت مسؤولية الأجيال التي سبقتهم.
فالمنفى قد يشغل الكبار بأعباء الحياة، لكن الطفل صفحة بيضاء وما يُكتب فيها يبقى. فإن لم نكتب فيها الحروف الأولى للعروبة ستكتب ثقافات الغربة ما تشاء، وإن لم نضع صورة فلسطين في مخيلته سيكبر وهو يظن أنها قضية بعيدة لا تعنيه. وهنا تكمن خطورة التفريط ويظهر واجبنا التربوي والإنساني.
وسائل عملية لحماية هوية الأطفال في المنفى:
- اللغة: جعل العربية لغة البيت الأولى وممارستها يوميًا لا في المناسبات فقط.
- التاريخ والذاكرة: قراءة كتب التاريخ المبسطة وسرد قصص أبطال العرب وقادة فلسطين.
- الأناشيد والأغاني: فالموسيقى تترك أثرًا عميقًا وتغرس الانتماء في وجدان الطفل.
- المناسبات القومية: إحياء ذكرى النكبة ويوم الأرض ومناسبات القدس لإبقائها حية في وعي الجيل الجديد.
- القدوة: أن يرى الطفل في والديه ومعلميه نموذجًا حيًا للفخر بعروبته ووفائه لفلسطين.
إن الأعداء يراهنون على ذوبان الجيل الجديد في ثقافات الغربة، لكن واجبنا أن نحول المنفى من لعنة إلى فرصة فنغرس في أبنائنا فلسطين في حقائب كتبهم وعروبتهم في ألسنتهم ولهجاتهم ليكونوا جسرًا يربط أوطانهم الأصلية بالبلاد التي احتضنتهم.
ولا يعني ذلك حرمانهم من التفاعل مع الثقافات الأخرى أو الانغلاق عن الاندماج النافع، بل تربيتهم على انفتاح واع لا يمحو الأصل بل يثريه. يمكن للطفل العربي أن يتقن لغات العالم ويبرع في علومه، لكن يجب أن يبقى قلبه عربيًا ولسانه عربيًا وأحلامه مشدودة إلى فلسطين.
تربية الأبناء على هذا الوعي واجب قومي وديني وأخلاقي. فالجيل الذي ينسى فلسطين يفرط بأقدس قضايا أمته، والطفل الذي ينفصل عن عروبته يصبح مهيأ للذوبان في أي مشروع غريب. وما قيمة النجاح إن كان على حساب الهوية والكرامة والانتماء؟
فلنرفع أبناءنا على أكتافنا لا بعيدًا عن قضاياهم بل أعلى نحوها، لنريهم أنهم امتداد لأمة عظيمة وأن فلسطين هي الامتحان الأصدق لانتمائهم. فإذا نجحنا في ذلك لن يكون المنفى منفى بل مدرسة كبرى تخرج جيلًا أشد وعيًا وأصلب عزيمة وأعمق ارتباطًا بالأرض والهوية.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة
الرابط المختصر هنا ⬇