على خطى المحافظين.. حزب العمال يتجه لتجريم اللاجئين بحملة صارمة على عبور القوارب
![على خطى المحافظين.. حزب العمال يتجه لتجريم اللاجئين بحملة صارمة على عبور القوارب](https://alarabinuk.com/wp-content/uploads/2025/01/IMG_2850-scaled.webp)
أثارت حكومة حزب العمال في بريطانيا جدلًا واسع النطاق بعد كشفها عن مشروع قانون جديد للهجرة يشدد القيود على عبور القوارب الصغيرة، في ظل اتهامات بتجريم اللاجئين وتعريضهم لمخاطر أكبر.
القانون الجديد، الذي أعلنته وزيرة الداخلية إيفيت كوبر، يحمل اسم “قانون أمن الحدود واللجوء والهجرة”، ويستهدف إلغاء معظم التدابير التي فرضتها حكومة المحافظين السابقة، ويشمل ذلك التخلي رسميًّا عن خطة ترحيل المهاجرين “غير الشرعيين” إلى رواندا. ومع ذلك، احتفظت الحكومة ببعض السياسات المثيرة للجدل التي سبق أن انتقدتها أثناء وجودها في المعارضة.
تشديد أمني واتهامات بتجريم اللاجئين
ويأتي القانون في وقت تشهد فيه بريطانيا استمرار تدفق المهاجرين عبر القنال الإنجليزي، حيث عبر أكثر من ألف مهاجر منذ بداية العام، ليضافوا إلى 36,816 مهاجرًا دخلوا البلاد العام الماضي.
وتؤكد الحكومة أنها ستتبنى أساليب مكافحة الإرهاب للقضاء على شبكات تهريب البشر التي تنقل المهاجرين من فرنسا إلى بريطانيا. لكن منظمات حقوقية حذرت من أن هذه التدابير قد تؤدي إلى نتائج عكسية، معتبرة أن التعامل مع قضية اللاجئين من منظور أمني يزيد من معاناتهم بدلًا من تقديم حلول حقيقية.
ويتضمن مشروع القانون بندًا يفرض عقوبة بالسجن تصل إلى خمس سنوات على طالبي اللجوء الذين يرفضون التوقف للسلطات الفرنسية أثناء محاولتهم عبور القنال، وهو إجراء وصفه ناشطون بأنه غير عادل وقد يعرّض اللاجئين لعقوبات قاسية دون معالجة الأسباب الجذرية لهروبهم.
سياسات تعزز الاستغلال بدلًا من منعه!
إنفر سولومون، الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين، أعرب عن قلقه العميق من أن يؤدي القانون إلى ملاحقات قضائية تشمل اللاجئين أنفسهم، قائلًا: “نحن نشهد بالفعل حالات يُحاكَم فيها لاجئون فرّوا من النزاعات، وهذا يُعَدّ ظلمًا فادحًا. تجريم الرجال والنساء والأطفال الذين هربوا من مناطق الصراع في السودان وأماكن أخرى لن يعطل عصابات التهريب، بل سيزيد من معاناتهم”.
أما ناتاشا تسانغاريديس، المديرة المساعدة في منظمة “الحرية من التعذيب”، فوصفت القانون بأنه يزيد المخاطر التي يواجهها اللاجئون بدلًا من الحد منها، موضحة: “هذا القانون لا يعالج الأسباب الحقيقية للهجرة القسرية. تضييق الخناق على الطرق التي يسلكها اللاجئون للهرب من الحرب والاضطهاد سيجعل رحلاتهم أكثر خطورة”.
وأضافت: إن تعامل الحكومة مع ملف اللاجئين من خلال إطار مكافحة الإرهاب يُعرّض الفارين من النزاعات لاستغلال أكبر من المهربين. “إذا كانت الحكومة جادة بشأن وقف تدفقات اللاجئين، فعليها معالجة الأسباب الجذرية مثل التعذيب والاضطهاد الذي يجبر الناس على الفرار، بدلًا من معاقبتهم”.
وفي السياق ذاته، قال تيم ناور هيلتون، الرئيس التنفيذي لمنظمة “ريفيوجي أكشن”: إن تصنيف الهجرة كمسألة “أمن قومي” واستخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضد اللاجئين سيضر بهم على نحو لا يمكن إصلاحه، مؤكدًا أن ذلك سيؤدي إلى تعميق العنصرية والانقسامات المجتمعية.
وأشار إلى أن معظم طالبي اللجوء في بريطانيا ينتمون إلى أقليات عرقية، ومن ثَمّ فإن السياسات التي تستهدفهم تُسهم في تعزيز الظلم العنصري في المؤسسات الرسمية والمجتمع.
عقوبات قاسية على تجارة قوارب المهاجرين
وإضافةً إلى استهداف اللاجئين أنفسهم، يشدد مشروع القانون العقوبات على الأفراد المتورطين في بيع أو تداول أجزاء القوارب التي يُشتبه في استخدامها لتهريب المهاجرين عبر القنال الإنجليزي، حيث قد يواجهون أحكامًا بالسجن تصل إلى 14 عامًا.
وقد دافعت وزيرة الداخلية إيفيت كوبر عن التشريعات الجديدة، قائلة: إنها ستمنح وكالات إنفاذ القانون “الصلاحيات اللازمة للقضاء على المجرمين الذين يستغلون معاناة البشر”، مؤكدة أن “هذه الصلاحيات الجديدة المستوحاة من مكافحة الإرهاب ستسرّع جهود تفكيك شبكات التهريب”.
حزب العمال يتراجع عن وعوده بشأن العبودية الحديثة
ورغم انتقادات حزب العمال السابقة لبعض سياسات المحافظين بشأن اللجوء، قررت الحكومة الإبقاء على الإجراءات التي تحدّ من قدرة طالبي اللجوء على استخدام قوانين العبودية الحديثة كوسيلة لحماية أنفسهم من الاستغلال.
وكان زعيم حزب العمال، كير ستارمر، قد انتقد بشدة هذه السياسات خلال مناقشات برلمانية في مارس 2023، قائلًا: “من المخجل أن نناقش اليوم تشريعًا يقوّض بشكل خطير الإطار القانوني البريطاني الرائد في مكافحة العبودية الحديثة، وهو إطار يسعى إلى حماية النساء وغيرهن من الاستغلال”.
لكن رغم هذه الانتقادات السابقة، لم يُظهر حزب العمال أي نية للتراجع عن هذه السياسات بعد وصوله إلى الحكم.
مخاوف من زيادة عمليات الاتجار بالبشر
وحذّر خبراء في مجال حقوق الإنسان من أن هذه الإجراءات قد تزيد من حالات الاتجار بالبشر بدلًا من الحد منها. وقال ياكوب سوبك، من مركز سياسات وأبحاث العبودية الحديثة وحقوق الإنسان: “الإجراءات المتعلقة بالعبودية الحديثة في التشريعات الأخيرة قد تؤدي إلى زيادة عمليات الاتجار بالبشر في المملكة المتحدة بدلًا من الحدّ منها”.
وأضاف: “إذا طُبّقت هذه القوانين، فإنها ستحرم آلاف الأشخاص من الحماية ضد الاستعباد، وتعزز قوة المهربين، وتضعف قدرة المملكة المتحدة على ملاحقة المتاجرين بالبشر قانونيًّا”.
ودعا الحكومة إلى إعادة العمل بالحماية القانونية لضحايا العبودية الحديثة، قائلًا: إن ذلك “لا يتوافق مع القانون الدولي فقط، بل يعزز أيضًا قدرة بريطانيا على التصدي بفعالية للاتجار بالبشر”.
وفي الوقت الذي تبرر فيه حكومة حزب العمال خططها بأنها تستهدف “تفكيك شبكات التهريب” و”استعادة السيطرة على الحدود”، يرى معارضو القانون أن سياسات التشديد الأمني لن تؤدي إلا إلى تفاقم معاناة اللاجئين وتعزيز نفوذ العصابات التي تستغلهم. ومع استمرار تدفق المهاجرين عبر القنال الإنجليزي، يبدو أن الجدل بشأن سياسة الهجرة في بريطانيا سيبقى مستمرًّا، ولا سيما في ظل الانتقادات الموجهة لحكومة العمال بسبب تناقضها بين مواقفها أثناء المعارضة وما تطبقه الآن بعد وصولها إلى الحكم.
المصدر: Huffington Post
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇