خطة تثير الجدل.. علماء في بريطانيا يحاولون “إطفاء” الشمس!

في تطوّر علمي يثير جدلًا واسع النطاق بين الأوساط البيئية والأكاديمية، تستعد الحكومة البريطانية للموافقة على أولى التجارب العملية لتقنيات “هندسة المناخ”، التي تستهدف التخفيف من حدّة الاحتباس الحراري، من خلال خفض كمية أشعة الشمس التي تصل إلى سطح الأرض، فيما يُعرَف إعلاميًّا بـ”إطفاء الشمس”.
وبحسَب صحيفة التلغراف البريطانية، فإن وكالة “آريا” (الوكالة المتقدمة للأبحاث والاختراعات)، وهي الهيئة الحكومية المسؤولة عن تمويل المشاريع التكنولوجية، خصّصت نحو 50 مليون باوند لإطلاق تجارب على نطاق ضيق خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
خطة إنقاذ أم عبث بالمناخ؟
ومع استمرار تصاعد تداعيات التغير المناخي حول العالم، وفي ظل شكوك متزايدة بشأن إمكانية خفض الانبعاثات الكربونية بالوتيرة المطلوبة، تتجه بعض الأوساط العلمية إلى طرح ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز بـ”الخطة الاحتياطية”، عبر الاستثمار في تقنيات جذرية تشمل امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أو تفتيح السحب لعكس أشعة الشمس.
وتسعى معظم هذه التجارب إلى الحدّ من كمية الإشعاع الشمسي الواصلة إلى الأرض، سواء عبر إطلاق جزيئات عاكسة في الغلاف الجوي أو رش رذاذ من مياه البحر لتفتيح الغيوم. وإذا ما أثبتت فعاليتها على نطاق ضيق، قد تُطبَّق مستقبلًا للحدّ المؤقت من ارتفاع درجات الحرارة ريثما تنجح جهود خفض الانبعاثات.
وتُشير أدلة واقعية إلى أن “تفتيح الغيوم” ليس مجرد نظرية؛ فوفقًا لـ”نيويورك تايمز”، تُسهِم أبخرة السفن أثناء إبحارها عبر المحيطات في تفتيح الغيوم فوقها، ما يُضاعف قدرتها على عكس أشعة الشمس. وقد ساعد ذلك على تقليص الاحترار الناتج عن الغازات الدفيئة بنسبة تقارب 5 في المئة. لكن المفارقة أن تشديد القوانين البيئية على التلوث البحري أدى إلى تراجع هذا التأثير في السنوات الأخيرة.
ويرى العلماء أن بإمكانهم إعادة إنتاج هذا التأثير الإيجابي، لكن باستخدام عناصر طبيعية كملح البحر بدلًا من التلوث.
علماء يحذرون: علاج الأعراض لا المرض
ورغم هذا الأمل، يرى عدد من العلماء أن هذه التقنيات لا تعالج السبب الجذري لأزمة المناخ، بل تكتفي بتخفيف الأعراض فقط. ووفقًا للبروفيسور بيتر إيرفين من جامعة كوليدج لندن، فإن “تفتيح السحب قد يكون فعّالًا في التخفيف من حدّة الأزمة، لكنه لا يحلّ المشكلة من جذورها”.
وبينما يذهب بعض الخبراء إلى أبعد من ذلك، مثل العالِمين الأمريكيين ريموند بييرهامبرت ومايكل مان، اللذين شبّها هذه التجارب بـ”تناول الأسبرين لعلاج السرطان”، محذّرَين من أن الاعتماد عليها قد يجعل العالم عرضة لـ”صدمة مناخية كارثية” في حال توقف العمل بها فجأة.
المخاوف لا تتعلق بتأثير التقنية فقط، بل أيضًا بمن يمكنه التحكم بها. فحتى التجارب الصغيرة قد تُمهّد لتطوير تقنية يمكن استخدامها من قبل أطراف عالمية مثيرة للجدل -مثل إيلون ماسك أو فلاديمير بوتين- دون ضوابط دولية. وتُحذّر صحيفة الغارديان من غياب إطار قانوني وطني أو دولي يُنظّم هذه الأنشطة، ما يجعل من الهندسة المناخية سلاحًا ذا حدين.
يُضاف إلى ذلك القلق من التأثيرات الجانبية غير المحسوبة، مثل اضطراب أنماط الأمطار أو تغيّر التيارات البحرية، التي قد تؤثر سلبًا على النُظم البيئية، حسَب ما صرّحت به العالمة سارة دوهرتي من جامعة واشنطن.
جدل شعبي في بريطانيا
ورغم تسارع وتيرة بعض المشاريع في بريطانيا وأستراليا، تواجه تقنيات الهندسة المناخية رفضًا شعبيًّا متزايدًا، باعتبارها “تلاعبًا متغطرسًا بالطبيعة”، على حدّ وصف صحيفة (Science). ويُغذّي هذا الرفض انتشار نظريات المؤامرة والمعلومات المضللة، ما أدى إلى دعوات في بعض الدول لحظر هذه المشاريع أو تقنينها.
وبين من يرى في “إطفاء الشمس” بارقة أمل لإنقاذ الكوكب، ومن يعتبره مقامرة غير محسوبة العواقب، تدخل بريطانيا مرحلة مفصلية في إدارة مستقبلها البيئي. ومع اقتراب الإعلان عن أولى التجارب، يبقى السؤال: هل تتجاوز هذه التقنيات الاختبار العلمي.. أم تتحول إلى أزمة جديدة في معركة البشرية مع المناخ؟
المصدر: The Week
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇