صباح المختار: رسالة لأهلنا عرب بريطانيا قبل الانتخابات
يحتدم التنافس السياسي الانتخابي في المملكة المتحدة تمهيدًا لخوض غمار الانتخابات البلدية والبرلمانية؛ نظرًا إلى تأثيرها المباشر على واقع الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين في الداخل، وعلى موقف البلاد على الساحة الدولية برمتها، ولذا كان لا بد من اغتنام هذه الفرصة؛ للحديث بصوت عال عن جملة أمور، نأمل أن تُؤخَذ بعين الاعتبار.
دعم المرشحين العرب والمسلمين في الانتخابات
أولًا: رغم محاولاتنا التفكير كبريطانيين (على الطريقة الإنجليزية) فإن ذلك ليس بالأمر السهل؛ لأسباب عديدة، من أبرزها أن قضية فلسطين وبخاصة حرب الإبادة في قطاع غزة، تشكل همنا الأكبر، إضافة إلى بقية قضايانا العربية والإسلامية.
لكن لا بأس في ذلك؛ لأن قضايانا هي قضايا إنسانية عادلة، يدركها الضمير الإنساني الحر، كائنًا من كان صاحبه، حتى لو لم يكن عربيًّا أو مسلمًا.
ولكن من المفيد أيضًا أن ندرك أن مقياسنا لميزان عدالة قضايانا قد لا يتطابق مع نظرة جميع أهل وطننا من الإنجليز.
ثانيًا: إن القول بأن “أهل المال يتكالبون على العملية السياسية، ومن ثَمّ ينبغي لأصحاب الدين الابتعاد عنها”، هو كلام غير دقيق؛ إذ إن أغلب أصحاب الحركات السياسية كانوا أناسًا يمتلكون مبادئ شريفة، وإيمانًا راسخًا بعدالة قضاياهم، ولا يلزم أن يكون هذا الإيمان دينيًّا.
ثالثًا: إن عزم عدد من أبناء وبنات الجاليات العربية والإسلامية، دخول معترك الانتخابات بوصفهم مستقلين، هو أمر يتطلب شجاعة كبيرة ودعمًا أكبر منا جميعًا، ويشمل ذلك كل أشكال الدعم والمساندة، سواء بالتشجيع وتبادل الأفكار والآراء، أو العمل التطوعي، بما فيها مساعدتهم وتوزيع منشوراتهم وحث الناخبين على التصويت لهم.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدعم المالي، فكل عمل له أعباء وتكاليف مالية، وعلينا نحن أبناء الجالية العربية التبرع للمرشحين الذين يحملون قضايانا، وقد أعلن المرشحون أرقام الحسابات المصرفية المخصصة لتلقي الدعم لحملاتهم الانتخابية.
تغير مسار حزب العمال
رابعًا: بالنسبة إلى نظرتنا للأحزاب السياسية، ولا سيما حزب العمال، فإن هذا الحزب كان ولا يزال جزءًا من الاشتراكية الدولية، التي تضم الحركة الصهيونية. ولكن نتيجة الإجرام والعنجهية الإسرائيلية ودعم “الرأسمالية الإمبريالية” الأمريكية لها، فقد بدأ الحزب يتعاطف مع القضية الفلسطينية. فالحزب يتمتع بقاعدة شعبية، ويضم نوابًا في البرلمان.
وحينما عمد توني بلير إلى تحويله إلى حزب قابل للانتخاب أصبح شبيهًا بحزب المحافظين. وعند فوزه فعلًا في الانتخابات تحول نواب حزب العمال في البرلمان إلى “محافظين” (Blairites)، وهنا عادت سيطرة اللوبي الصهيوني على الحزب عندما عزل رئيسه السابق جيرمي كوربن، واستبدل برئيسه الحالي كير ستامر الذي يصرح علانية بدعمه للحركة الصهيونية. وبالمناسبة فإن ستارمر لم يأت “بانقلاب”، وإنما من خلال ممارسة ديمقراطية داخل الحزب، كما أسهمت بعض وسائل الإعلام بتهيئة الأرضية المناسبة له.
أما مشكلتنا مع حزب العمال فتتمثل في أنه لم يصل إلى مستوى توقعاتنا. ولكن السؤال الذي يبرز هنا: هل كانت توقعاتنا معقولة؟ فلماذا نتوقع أن يقف إلى جانبنا حزب شريك للحركة الصهيونية؟!
وهنا لا بد من القول: إن العلاقة بين حزب العمال والناخبين في بريطانيا بصفة عامة -ونحن منهم- لا تقتصر على قضية فلسطين.
أجل من المؤكد أنه يجب معاقبة حزب العمال؛ لتخليه عن كل ما كان يمثله من دعم للطبقة العاملة والاشتراكية والنظام الصحي والتعليم، ورعاية الطرف الأضعف، وعلى وجه الخصوص بسبب خيانته للقضية الفلسطينية.
أما بالنسبة إلى حزب المحافظين فهو الحزب الذي أعطى وعد بلفور (لإقامة وطن قومي يهودي على أرض فلسطين)، وهو الحزب الذي يحتقر جميع من هم من أصول أجنبية (ونحن منهم). لذا يجب ألا نغتر بقبوله إسناد رئاسة الوزراء إلى ريشي سوناك، الهندي الأصل والهندوسي الديانة، فهو أكثر ملكية من الملك تشارلز، ولم يستطع أعضاء قيادة الحزب الاتفاق على خيار أفضل منه.
وهنا أيضًا أود الإشارة إلى الرأي القائل إن بعض العرب والمسلمين عندما يتسلَّمون مناصب عليا، فإنهم يتحولون إلى أعداء لنا.
ومثال ذلك السياسي العراقي ناظم الزهاوي (الذي ينكر حتى عراقيته، ويقول إنه كردي!) ولكنه حالة استثنائية.
ولا بد من الإشارة إلى أن من يدخل عالم “المسؤولية” تُدرَس ملفاته ويُقصى من المناصب الحساسة، وهذا صحيح، ولكن للأمانة فقد لا يكون العيب فيه، بل إن المشكلة تكمن دائمًا “في من يسيطر فعليًّا على زمام الأمور”.
خامسًا: أنا شخصيًّا سوف أقاطع حزب العمال، ولكن من غير المعقول أن أصّوت لشخص أو جهة لا أعرف عنها شيئًا، حتى لو كان صوتي لا وزن له. وهذا المسار يوصلنا إلى موضوع الصوت الاحتجاجي (Protest Vote)، فهل التصويت لجهة لا أعرفها هو الخيار الأفضل؟ أم أن الامتناع عن التصويت برمته هو الأصح؟ قد تختلف الآراء ومن لديه الخبرة والوقت والمعرفة فليبحث ويقرر.
الامتناع أم التصويت لجهة ثالثة في الانتخابات؟
أما أنا فأظن أن الغالبية ليست كذلك. فالدعوة للتصويت لمصلحة حزب الخضر أو الديمقراطيين الأحرار لا أظنها تصلح لكل زمان ومكان. ففي دائرتي الانتخابية مثلًا، توجد نائبة عمالية تتجاوب مع معظم ما نطلب، ولكنها بطبيعة الحال تلتزم بالضوابط الحزبية.
وهناك مرشح من جانب الديمقراطيين الأحرار الذين صوتّنا لهم عندما كان يقودهم نيك كليغ (Nick Clegg)، الذي وعدنا بفعل الكثير، ثم أخلف وعوده ودخل في حلف مع المحافظين للحصول على منصب نائب رئيس الوزراء! ورغم التناقض الفكري والسياسي بينه وبين المحافظين فهم أقرب نظريًّا للعمال!
وكذلك حزب الخضر (الذي أثار نكبة بفعل إغلاق الشوارع)، فكل ما يتحدث عنه هو البيئة وآثار الكربون عليها، فهل يعقل أن أصوّت للخضر أو للديمقراطيين الأحرار؟!
سادسًا: الإسقاط والدعاية السلبية. من المؤكد أن أحد أهم مقومات التوعية والمنافسة السياسية هو كشف عيب الآخر؛ لكي يختار الناس على بينةٍ من أمرهم، وهذا ينطبق على النظم السياسية المتقدمة والأحزاب ذات البرامج السياسية. أما في حالة القلة الضعيفة المستضعفة، التي تفتقد إلى الخبرة السياسية والوحدة كما هو حالنا، فان الإسقاط والدعاية السلبية لا تفيدنا.
سابعًا: يجب أن نفخر بأننا نفكر بهذه الأمور المتعلقة بالانتخابات مع أننا جالية صغيرة وحديثة في المغترب. فالأقليات الأخرى التي تُعَد أقدم منا وأعرق في وطننا الجديد، استغرقت وقتًا طويلًا كي تصل إلى ما وصلت إليه الآن، أما نحن فقد اختصرنا الزمن بكفاءاتنا وعلمائنا وخبرائنا.
ثامنًا: في ظني أن حزب العمال سيفوز في الانتخابات، وإن كان بنسب أقل مما يتمناه الحزب، ونحن لنا دور في ذلك حتى لو أنكروا علينا ذلك، حيث إن الدلائل تشير إلى أن التغيير مطلوب، وعسى أن يكون الوضع أفضل.
تاسعًا: في ظني أن العمل السياسي يتطلب مرونة، وهذه تشمل التخلي عن بعض المبادئ مع الأسف. ولذا فالحديث عن التصويت لأهل الشرف والأمانة والمخلصين للمبادئ وغيرها من الأسس الإنسانية والأخلاقية، قد يكون غير ممكن أو أمرًا صعب الوصول إليه. ولنا أمثلة حية في استقالة عدد من النواب ورؤساء مجالس البلديات حين رفضوا التخلي عن ثوابتهم؛ لأنهم أصحاب شرف وأمانة وإخلاص، ولذا فقد دفعوا ثمنًا من أجل ذلك.
عاشرًا: الحديث عن موضوع اللاجئين هو تقريبًا أهم ورقة انتخابية؛ لأن الشعب البريطاني اقتنع بهذه الخطورة من خلال تركيز وسائل الإعلام عليها، ولذلك خرجت بريطانيا من أوروبا، ثم عادت تتوسل لاستقدام سائقين وممرضات وعاملين في مجال الرعاية.
أضف إلى ذلك أن المحافظين نادوا بفكرة ترحيل اللاجئين إلى رواندا وهم يعلمون بفشل هذه الفكرة في وقف تدفق اللاجئين، وأن كلفتها هائلة ولا توازي الفائدة المتوقعة. وبالمقابل فإن حزب العمال ليس لديه خطةٌ بديلة ولا حلٌّ، ولكنه يقدم للناخب ما يريد أن يستمع إليه.
هل يفوز صادق خان بولاية جديدة في الانتخابات؟
حادي عشر: بالنسبة إلى موضوع السيد صادق خان (عمدة لندن المرشح لولاية جديدة عن حزب العمال). فأنا لا أعرف عمدة وافق عليه أهل لندن، فانتخبوه، ثم يندبون حظهم اليوم، ثم يأتون بغيره وتتكرر الحكاية، فقد أصبح “كن لفنجستون” العمالي عمدة لندن ومارغريت ثاتشر المحافظة رئيسة الوزراء، ووصل الصِّدام إلى درجة إصدار البرلمان قانونًا لإلغاء مجلس لندن الكبير (GLC)، وما إن عاد العمال للحكم عام 2000 حتى أُعيد تأسيس المجلس باسم جديد (مجلس سلطة لندن) “GLA”.
ونعلم أن للمجلس صلاحيات واسعة، ويشمل ذلك إدارة الشرطة، ولكن بتمويل من الحكومة المركزية. إضافة إلى أن للمقيمين في لندن بطبيعة الحال اهتمامات وأسبقيات مختلفة جدًّا، ومن ثَمّ فمن يريد بيئة نظيفة، يقابله من يقودون السيارات ويعترضون على القيود. ومنهم من يريد حقه في التظاهر من أجل غزة، ومنهم من يخشون من الرهاب الإسلامي (الإسلاموفوبيا).
أما موضوع تقييم كل واحد منا لموقف العمدة صادق خان من إعطاء العرب والمسلمين المزيد من الدعم أو لقائه بممثلين عن الجالية أم لا، فلكل منا رأيه. ولكني واثق بأن صادق خان لا يعادي القضية الفلسطينية، ولا المسلمين ولا العرب، وهذا هو “الحد الأدنى” الذي يُدفع به الضرر الأكبر.
لذا فمن الطبيعي أن نختلف بشأن من هو الأفضل. وأنا في رأيي الشخصي فإن صادق خان هو الأفضل بين المرشحين، ورغم اعتراضي على العديد من السياسات التي يتبعها، فلست واثقًا من خبرة وكفاءة الآخرين، ودون شك لن أصوّت للمحافظين.
أما فيما يتعلق بالتصويت للمجلس البلدي فسوف أصوت للمرشح من الديمقراطيين الأحرار، وبالنسبة لمجلس سلطة لندن الموسعة فسوف أصوت لأحد المستقلين، وسأفعل ذلك في الحالتين نكاية بحزب العمال.
ثاني عشر: أخيرًا أرى أن نخفف من حماستنا ومحاولة اختصار الزمن، فنحن نشعر منذ الطوفان بالهم والغم والأسى، ونريد الإصلاح ونحن قادرون عليه، ولكن ذلك يستغرق وقتًا وجهدًا، كما أن تربية أبنائنا وبناتنا منذ الآن على العمل في هذا المجال هو أمر مهم.
ملاحظة: راجع النص وحرّره الإعلامي محمد نون
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇