عام على حكومة العمال: هل تغير شيء؟ وملف غزة يشعل النقاشات مجددًا

بعد مرور عامٍ على فوز حزب العمال البريطاني فوزًا كاسحًا في الانتخابات العامة التي جرت في يوليو 2024، يقف البريطانيون اليوم أمام حصيلة سياسية معقدة تعكس مزيجًا من الإنجازات والتراجعات، والإخفاقات التي بدأت تهزّ الثقة بحكومة كان يُعوَّل عليها لإنقاذ البلاد من سنوات التيه السياسي والاقتصادي في عهد المحافظين.
لكن، هل استطاع حزب العمال أن يكون على قدر التوقعات؟ وكيف تعاملت الحكومة مع الملفات الدولية الساخنة وعلى رأسها العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة؟ وهل بدأت شعبية الحزب بالتآكل لصالح أحزاب أخرى على يمين ويسار الطيف السياسي؟
السياسة الداخلية: نجاحات جزئية تُقابلها خيبات أمل
على الصعيد الداخلي، قدّم حزب العمال عددًا من السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي لاقت ترحيبًا حذرًا من الشارع البريطاني، أبرزها:
- رفع الحد الأدنى للأجور
- دعم جزئي للخدمات الصحية (NHS)
- إصلاحات في مجال التعليم العام والضمان الاجتماعي.
لكن هذه السياسات لم تكن كافية لتهدئة المخاوف، خاصةً مع استمرار أزمة السكن، وتدهور البنية التحتية للنقل، والتقاعس في مواجهة التضخم وارتفاع أسعار المعيشة. كما اتُّهم الحزب بالتراجع عن بعض وعوده الجوهرية، مثل إلغاء الرسوم الجامعية أو فرض ضرائب أعلى على الأغنياء.
وبحسَب استطلاعات حديثة، يشعر جزءٌ من الناخبين أن حزب العمال اعتمد خطابًا يساريًّا للوصول إلى الحكم، ثم تبنّى نهجًا وسطيًّا تقليديًّا بعد فوزه، ما ساهم في خيبة أمل لدى شريحة من قواعده الشعبية.
ملف غزة: الحياد المتواطئ… ودعم عسكري مباشر
ومنذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي على غزة، اختارت حكومة كير ستارمر الوقوف في منطقة رمادية، متذرعة بـ”حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، متجنبة أي إدانة صريحة للانتهاكات الجسيمة التي طالت المدنيين والبنية التحتية في القطاع.
لكن خلف هذا الخطاب “المتزن” ظاهريًّا، تكشّفت حقائق صادمة حول الدور البريطاني الفعلي في دعم العدوان، بدءًا من استمرار تصدير الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل رغم التحذيرات الحقوقية، وصولًا إلى تقارير استقصائية كشفت أن طائرات تجسس بريطانية حلّقت فوق قطاع غزة وقدّمت معلومات استخباراتية تُستخدَم في تنفيذ الضربات الجوية.
وفي تطور بالغ الخطورة، اتّهمت منظمات حقوقية دولية، بينها “أوكسفام” و”هيومن رايتس ووتش”، الحكومة البريطانية بـ”التواطؤ في إبادة جماعية” عبر توفير الدعم العسكري والاستخباراتي المباشر، في تجاهل تام للقانون الدولي وللدعوات المتزايدة لفرض حظر تسليحي فوري على إسرائيل.
ولم يقتصر التواطؤ على الجانب العسكري فحسب، بل طال أيضًا الحقوق المدنية داخل بريطانيا. حيث فرضت الحكومة قيودًا متزايدة على حرية التعبير والتظاهر، استهدفت بشكل خاص المظاهرات المؤيدة لفلسطين، التي وُصفت أحيانًا بـ”المعادية للسامية” في خطاب رسمي وإعلامي أثار غضب النشطاء والمدافعين عن الحقوق.
وشهدت الأشهر الماضية اعتقالات تعسفية، وملاحقات قانونية، ومنع فعاليات طلابية، في سياق حملة ممنهجة لإسكات الأصوات التي تنتقد سياسة الحكومة أو تدعم الحقوق الفلسطينية، ما أعاد للأذهان أجواء القمع السياسي التي اعتقد البريطانيون أنهم تجاوزوها.
هذا المزيج من الدعم العسكري المباشر، والقيود على حرية الرأي، خلق حالة من الاحتقان الشعبي والغضب داخل القواعد التقدمية للحزب، كما فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات محرجة عن مصداقية حزب العمال في الدفاع عن حقوق الإنسان، داخليًّا وخارجيًّا.
تآكل شعبية حزب العمال وصعود اليمين المتطرف
وانعكس أداء الحكومة بقيادة حزب العمال على شعبيتها. حيث أظهرت استطلاعات الرأي الأخيرة تقدُّمًا ملحوظًا لحزب الإصلاح اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج، الذي عاد إلى الواجهة بخطاب شعبوي يركّز على الهجرة والأمن، مستغلًا حالة الإحباط الشعبي من أداء الحكومة.
كما بدأ حزب المحافظين في استعادة بعض من شعبيته المفقودة، مستفيدًا من الهجمات الإعلامية على ما وصفه بـ”فشل العمال في إنقاذ الاقتصاد” و”ضعف الحضور الدولي”.
كوربين يعود… بحزب جديد

وفي تطور لافت، يعمل النائب المستقل وزعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين، بالتعاون مع النائبة زارا سلطانة، على تأسيس حزب سياسي جديد يُتوقع أن يحمل اسمًا يعكس قيم “العدالة الاجتماعية والمقاومة الشعبية”.
الحزب الجديد، الذي سيجمع يساريين ونقابيين ومؤيدين للحقوق الفلسطينية، يسعى لملء الفراغ الذي خلّفه تراجع التيار اليساري داخل حزب العمال، خاصةً بعد الإقصاء المنهجي لكوربين من القيادة، ومحاولات تحجيم الأصوات المعارضة لسياسة كير ستارمر، داخليًّا وخارجيًّا.
كوربين وسلطانة، كلاهما يحظى بدعم شعبي واضح في الأوساط الشبابية والأحياء متعددة الثقافات، ويعوّلان على موجة الرفض المتزايدة للسياسات التقليدية.
نظرة مستقبلية: إلى أين تتجه بريطانيا؟
ومع اقتراب الانتخابات المحلية والبلدية في العام المقبل، يتوقع مراقبون أن تتغير موازين القوى مجددًا. حيث يُرجّح:
- استمرار تراجع شعبية حزب العمال إذا لم يُحدِث تغييرًا ملموسًا في الملفات الجوهرية
- صعود حزب الإصلاح كقوة يمينية ضاغطة، خاصة في مناطق الشمال الصناعي
- بروز الحزب الجديد بقيادة كوربين كتيار ثالث يجذب أصوات اليسار الحقيقي والناخبين الساخطين.
وفي حين لم يُعلَن رسميًّا بعد عن موعد إطلاق الحزب الجديد، تشير المعطيات إلى أن الأسابيع القادمة ستشهد بلورة مشروع سياسي بديل قد يُربك الحسابات التقليدية في المشهد البريطاني.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇