ضرائب خفية تستنزف مدخرات البريطانيين: كيف تحمي أموالك؟
رغم وعود الحكومات البريطانية المتعاقبة بتشجيع المواطنين على الادخار والاستثمار، تكشف الأرقام أن الخزانة العامة باتت تجني عشرات المليارات من ضرائب خفية مفروضة على المدخرين والمستثمرين، مستفيدة من سلسلة من التعديلات الضريبية التي أُقرّت في السنوات الأخيرة. وبينما يُروَّج لخطط تعزيز مشاركة المواطنين في الأسواق المالية، تقف القوانين والضرائب المفروضة عائقًا حقيقيًّا أمام تلك الغاية، ما يثير تساؤلات عن التناقض بين الخطاب الرسمي والسياسات الفعلية.
ضرائب غير مرئية على الاستثمار
تحظى بعض أدوات الادخار، مثل المساهمة في صناديق التقاعد وإعفاءات حسابات التوفير الفردية (ISA)، بإعفاءات ضريبية جزئية لا تزال صامدة أمام تقلبات السياسات المالية. فعلى سبيل المثال، كل فرد يمكنه توفير ما يصل إلى 20 ألف باوند سنويًّا داخل الـISA دون دفع ضرائب على العوائد. إلا أن هذا السقف مجمّد منذ 2017 ولن يُعاد النظر فيه قبل عام 2030، ما يوفّر للخزانة نحو 605 ملايين باوند سنويًّا.
لكن خارج هذه المظلة المحدودة، يواجه المستثمرون والمدخرون عبئًا ضريبيًا متزايدًا، حيث يمكن فرض ما يصل إلى خمس ضرائب على الأموال المستثمرة: ضريبة الدخل، وضريبة الدمغة عند شراء الأسهم، وضريبة الأرباح على التوزيعات (Dividends)، وضريبة الأرباح الرأسمالية (CGT) عند البيع، ثم ضريبة التركات عند الوفاة.
وقد خفّضت الحكومة السابقة الإعفاء من الأرباح الرأسمالية من 12,300 باوند إلى 3,000 باوند، في حين خُفض الإعفاء من الضرائب على التوزيعات من 2,000 إلى 500 باوند. أما حكومة حزب العمال الحالية، ففرضت معدلًا موحّدًا لضريبة الأرباح الرأسمالية يبلغ 18 في المئة لدافعي الضرائب من الشريحة الأساسية، و24 في المئة للشرائح العليا. وتصل ضريبة التوزيعات إلى 8.75 في المئة و33.75 في المئة على التوالي.
أرقام تكشف الحجم الحقيقي
خلال العام المالي الماضي 2024-2025، جمعت الخزانة نحو 25.5 مليار باوند من ضرائب الأرباح الرأسمالية، وضريبة التركات، وضريبة الدمغة على الأسهم فقط، فيما يُتوقَّع أن يرتفع هذا الرقم إلى 44.9 مليار باوند بحلول 2029-2030. كما جنت الحكومة 24.2 مليار باوند من ضرائب التوزيعات والفوائد على المدخرات -وهو ما يشكل نحو 8 في المئة من إجمالي ضرائب الدخل- مع توقعات بارتفاعها إلى 31 مليار باوند في نهاية العقد.
وفي المجمل قد تصل ضرائب الثروة في بريطانيا إلى 76 مليار باوند سنويًّا بحلول 2030، ما يُعد تحولًا كبيرًا في هيكل الضرائب من الأجور نحو المدخرات.
تناقض بين السياسات والتصريحات
في خطابها الأخير أمام كبار المستثمرين في قصر مانشن هاوس، دعت وزيرة المالية راشيل ريفز إلى تشجيع البريطانيين على الاستثمار أكثر، منتقدةً الصورة السلبية التي تُرسم للاستثمار في الخطاب العام. وأطلقت الوزارة حملات دعائية جديدة، إلى جانب خطط لجذب صناديق التقاعد للاستثمار في الشركات البريطانية الخاصة.
إلا أن محللين وصفوا هذه السياسات بـ”المتناقضة”، ولا سيما بعد إلغاء الحكومة خطة بيع التجزئة لأسهم بنك “نات ويست”، التي كانت ستسمح للبريطانيين بالاستثمار في مؤسسة وطنية بارزة. كما وُجّهت انتقادات حادة لرفع الضرائب على الأرباح، وتوسيع ضريبة التركات لتشمل صناديق التقاعد.
أحد أكبر التغييرات التي ستمر دون كثير من الانتباه هو إدراج معاشات التقاعد في حسابات التركات الخاضعة للضريبة بدءًا من إبريل 2027. ويعني ذلك أن أي مدخرات متبقية في صندوق التقاعد بعد الوفاة قد تُفرض عليها ضريبة تصل إلى 40 في المئة، باستثناء ما يُترك للزوج أو الشريك المدني.
ومع تجميد عتبات ضريبة الدخل حتى 2028، تشير التقديرات إلى أن 9.28 مليون متقاعد سيخضعون لضريبة الدخل هذا العام -من بينهم نحو مليون ضمن الشريحة العليا- مقارنة بـ7.1 مليون قبل ثلاث سنوات فقط.
كيف تحمي مدخراتك؟
يوصي الخبراء بالاستفادة القصوى من حسابات الـISA، إذ تتيح لك حفظ الأموال أو استثمارها دون دفع ضرائب على العوائد. ورغم حديث الحكومة عن إمكانية تقييد الادخار النقدي داخل الـISA لمصلحة الاستثمار، فإن هذه الخطة وُضعت في الوقت الراهن جانبًا بعد ردود فعل غاضبة من القطاع.
أما الخيار الآخر فهو تعظيم المساهمات في المعاشات التقاعدية، حيث يحصل المساهم على إعفاءات ضريبية، ولا تُفرض على هذه الأموال ضريبة أرباح أو توزيعات، كما يمكن سحب 25 في المئة منها دون ضرائب بعد سن الـ55. والحد الأقصى السنوي للمساهمة هو 60 ألف باوند.
ما يقوله الخبراء
يرى دانيال هيرينغ من مركز الدراسات السياسية أن “ضرائب الثروة تُعد أكثر ضررًا للنمو الاقتصادي من ضرائب الدخل أو الاستهلاك، إذ تثني الأفراد عن اتخاذ قرارات استثمارية تعزز النمو”.
كما أظهرت دراسة لبنك إنجلترا أن السماح بالاستثمار في الشركات الصغيرة ضمن حسابات الـISA في 2013 زاد من قدرتها على جذب التمويل، ورفع أسهمها وأرباحها وساهم في زيادة رواتب العاملين.
ويؤكد ماكسيميليان بيرباوم من مركز “نيو فايننشال” أن فرض ضريبة الدمغة على الأسهم البريطانية -وعدم فرضها على الأسهم الأمريكية- هو أمر “عبثي”، يضر بمستثمري الداخل.
وفي هذا السياق، أظهرت دراسة أن إلغاء ضريبة الدمغة قد يعزز الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.7 في المئة، ويرفع قيمة الأسهم بـ4 في المئة، وقد يُدر على الخزانة 600 مليون باوند إضافية بدلًا من أن يُكلّفها.
في منصة العرب في بريطانيا، نرى أن تحميل المدخرين والمستثمرين أعباء ضريبية متزايدة تحت ستار “العدالة” يُعد سلوكًا مضادًّا للنمو، ويخالف مبدأ الشفافية الضريبية. وبينما تُشجَّع الأسر البريطانية على التخطيط المالي الذكي، تصطدم تلك المساعي بحواجز خفية تستنزف المدخرات وتُعقّد خيارات الاستثمار. الإصلاح الحقيقي يبدأ بالوضوح لا بالإخفاء، وبالعدالة لا بالتراكم الجبائي.
المصدر: ذا تايمز
إقرأ أيّضا
هيئة الرقابة تهاجم HMRC لفشلها في تتبّع ضرائب المليارديرات
شركات بريطانية تطالب الحكومة بخفض الضرائب وإنقاذ قطاع الأعمال
هل دخلك أقل من 80 ألف باوند؟ قد تكون لك أموال غير مطالب بها لدى الضرائب
الرابط المختصر هنا ⬇