العرب في بريطانيا | صمتك عمّا يحصل في غزّة مشاركةٌ في الجريمة

1447 ربيع الثاني 7 | 30 سبتمبر 2025

صمتك عمّا يحصل في غزّة مشاركةٌ في الجريمة

WhatsApp Image 2025-09-30 at 10.32.27 AM
أميرة عليان تبلو September 30, 2025

حين يُذبح الأطفال في غزّة، وتُقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتتحوّل المستشفيات إلى مقابر جماعيّةٍ، لا يبقى للصّمت أي معنى بريء؛ فالصّمت في زمن المذبحة شكلٌ من أشكال التّواطؤ غير المعلن.
السّكوت عن الحقّ يساوي منح القاتل إذناً ضمنيّاً للاستمرار في جرائمه، والوقوف على الهامش بينما الدّماء تسيل هو خيانةٌ للإنسانيّة قبل أن يكون خيانةً لفلسطين.

إنّ الصّمت لا يُدين القاتل وحده، بل يُدين السّاكت أيضاً؛ لأنّه شاهدٌ على الجريمة ولم يُحرّك ضميره.
من يرى مشهداً لطفلٍ يخرج من بين الرّكام، أو لأمٍّ تبكي أبناءها الّذين تحوّلوا إلى أشلاء، ثمّ يلوذ بالصّمت بحجّة العجز أو الانشغال، إنّما يمنح القاتل شرعيّةً صامتةً ويضاعف من ألم الضّحيّة.

في غزّة اليوم تُكتب أقدس صفحات التّاريخ بدماء الأبرياء، ويقف العالم على مفترق طرق: إمّا أن يكون شاهد حقٍّ يصرخ في وجه الظّلم، أو شريك جريمةٍ يختبئ خلف صمته.
لا حياد بين القاتل والمقتول، بين الظّالم والمظلوم؛ لأنّ الحياد هنا جريمةٌ بحدّ ذاته.

الصّمت خيانةٌ للقيم الإنسانيّة

قد يبرّر البعض صمتهم بالقول إنّهم “ليسوا جزءاً من الصّراع” أو أنّ ما يحصل بعيدٌ عنهم. لكنّ الحقيقة أنّ العدوان على غزّة هو اختبارٌ للضّمير الإنسانيّ.
الصّمت هنا يعادل تنازلاً عن القيم الإنسانيّة الّتي تقول إنّ حياة الطّفل لا تُقاس بجنسه أو دينه أو جنسيّته، وأنّ الدّم نفسه يسيل في جسد كلّ إنسان.

الصّمت يعني أن تقبل بأن تتعاطى مع الجرائم وكأنّها أمرٌ طبيعيّ، وأن تترك الجريمة تتكرّر بلا ردّ فعل.
وهذا يجعل من الصّمت فعلاً سياسيّاً، يحمل رسالةً خفيّةً للقاتل: “استمر، لن نجد من يوقفك”. وهكذا تتحوّل الغارات إلى نمط، والمجازر إلى مشهد مألوفٍ، حتّى يصبح الألم جزءاً من حياة النّاس.

الصّمت وتبرير الجريمة

السّكوت غالباً ما يُرافقه تبريرٌ داخليٌّ للجريمة: “لا أريد أن أتدخّل، لا أريد أن أغوص في السّياسة، هذا صراعٌ بعيدٌ عنّي”. لكن هذا التّبرير ليس أكثر من وهمٍ يختبئ وراءه من لا يريد أن يواجه الحقيقة.
الحقيقة أنّ عدم الكلام هو تبريرٌ ضمنيٌّ للعدوان.
كلّ كلمة صمت هي تواطؤ، وكلّ تجاهلٍ هو مشاركةٌ.

عندما تختار أن تظلّ صامتاً، فأنت تختار أن تمنح الاحتلال الضّوء الأخضر. أنت تختار أن تجعل دم الأطفال يُهدر بلا حساب.
الصّمت هنا ليس موقفاً سلبيّاً، بل هو موقفٌ ذو أثرٍ عميقٍ يساهم في استمرار الجريمة.

الصّوت كأداة مواجهة

الكلمة قوّة. الكلمة فعل. الكلمة جسر بين الضّمير والواقع. الصّوت الفرديّ حين يتجمّع يصبح موجةً، والموجة حين تكبر تصبح طوفاناً لا يوقفه أحد.

التّاريخ مليءٌ بالأمثلة الّتي أظهرت قوّة الصّوت في تغيير مجرى الأحداث.
من يقف صامتاً أمام الظّلم يصبح جزءاً منه، ومن يصرخ بالحقّ يصبح صوتاً للتّغيير.
لا تنتظر أن يكون صوتك مسموعاً عالميّاً لتدافع عن غزّة، فحتّى كلمةٌ واحدة، مشاركةٌ في مقال، منشورٌ على وسائل التّواصل، أو حديث مع الآخرين، هي فعل مقاومةٍ.

الصّمت يمنح القاتل فرصة أن يطمس الحقيقة، أمّا الصّوت فيكشف الوجه القبيح للجريمة ويضعها أمام الضّمير الإنسانيّ.
فكلّ صورةٍ لطفلٍ مضرّجٍ بالدّماء، وكلّ خبرٍ عن عائلةٍ دُمّرت، يجب أن يكون صرخةً تُسمع.

الصّمت والمسؤوليّة الجماعيّة

المسؤوليّة لا تقع على عاتق الشّعوب فقط، بل على كلّ فردٍ أيضاً. كلّ صمتٍ هو مساهمةٌ في الجريمة، لأنّ الجرائم الّتي تُرتكب اليوم ليست بعيدةً عن العالم، بل هي امتحانٌ لضمير الإنسانيّة.

حين يسكت المجتمع الدّوليّ، وحين يسكت الإعلام، وحين يسكت الأفراد، يتحوّل الصّمت إلى صوتٍ أقوى من الكلام.
الصّمت يصبح رسالةً إلى المعتدي أنّ العالم يقبل بما يفعل، وأنّ الضّحايا بلا حماية.

إنّ مسؤوليّتنا ليست فقط أن نشعر بالألم، بل أن ننقله. للكلمة أثرٌ، وللفعل أبلغ وقع.
إنّ وقوفنا مكتوفي الأيدي هو اعترافٌ ضمنيٌّ بأنّ العدوان مسموحٌ به، وأنّ الضّحايا لا يستحقّون من ينقذهم.

الصّمت جريمةٌ تاريخيّةٌ

التّاريخ لن يسأل القتلة وحدهم، بل سيسألنا جميعاً أيضاً: أين كنتم أنتم حين كان الأبرياء يُقتلون؟ ماذا فعلتم؟ هل صرختم؟ هل كتبتم؟ هل أظهرتم تضامنكم؟

سيذكر التّاريخ أنّ من سكتوا أمام المجازر لم يكونوا محايدين، بل كانوا شركاء في الدّماء. وستظلّ كلماتهم الصّامتة أثقل من كلّ بندقيّةٍ.
الصّمت أمام جريمةٍ هو شهادة صمتٍ تُدين صاحبها أمام الأجيال.

كسر الصّمت واجبٌ إنسانيٌّ

الصّمت أمام ما يحدث في غزّة جريمةٌ كبيرةٌ. أمّا واجبنا الإنسانيّ، فهو أن نصبح صوتاً للطّفولة المسلوبة، أن نحمل قضيّتها، أن نكتب ونصرخ ونشارك حتّى تُسمع.
ليس المهمّ أن تكون كلماتنا عظيمةً، بل أن تصل، وأن تكون صوتاً يختزل آلام غزّة ويحوّل الألم إلى فعل مقاومةٍ.

غزّة تن نزف، وضمير كلّ إنسان حرٍّ ينزف معها. الصّمت قاتلٌ، والكلمة سلاحٌ. فلا تكن جزءاً من الجريمة، ولا تسمح للصّمت أن يكون وصمةً على تاريخك.


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
2:47 pm, Sep 30, 2025
temperature icon 20°C
clear sky
51 %
1026 mb
3 mph
Wind Gust 7 mph
Clouds 10%
Visibility 10 km
Sunrise 6:59 am
Sunset 6:41 pm

آخر فيديوهات القناة