سيدة لبنانية تفوز بجائزة ليدز للخدمة المجتمعية
صباح شحادة: سيدة لبنانية تفوز بجائزة ليدز للخدمة المجتمعية
صباح شحادة، سيدة تتألق بحسن أخلاقها، وقد ملكت الجميع بقلبها الطيب وأسلوبها الراقي مع كل من حولها بغض النظر عن أصل أو عرق أو ديانة أو عمر. أي من كان أمامها، فإنها ترحب بهم بحضن دافئ دون قيد أو شرط.
وفي جمعيتها “ميماك”، تفتح صباح أبوابها لجميع المحتاجين وتمد لهم يد العون، ولن تردهم خاليي الوفاض أبدا إذا استنجدوا بها، فتعطي وتكرم دون كلل أو ملل. وعلى ذلك، فقد قام مجلس بلدية ” ليدز ” بإقرار جهودها تلك بمنحها جائزة للخدمة المجتمعية.
صباح شحادة ورحلة اللجوء في بريطانيا
تنحدر صباح من أصل لبناني، لكنها كانت مقيمة في دبي عندما قررت بعد حملها أن تلد ابنتها في بريطانيا. في سنة 2001، قدمت صباح على طلب الفيزا البريطانية وجاءت إلى بريطانيا.
درست السيدة صباح في لبنان وبريطانيا في تخصص تكنولوجيا معلومات الأعمال. وخلال فترة دراستها، كان عليها التطوع من أجل اكتساب خبرة. وكل دورة تدريب كانت تبدأ فيها، كانت تنهيها بوقت قياسي، حيث فوجئ المدرسين من إكمالها دورة 7 أشهر بغضون 5 أيام فقط. وبصدد نجاحها بجدارة، طلب المعلمون منها أن تعطي دورات تدريب وأن تُدرّس الطلبة معهم.
بالإضافة إلى ذلك، أكملت صباح دراستها في جامعة في بريطانيا بتخصص دراسات الشرق الأوسط العربي والدراسات الإسلامية (Arabic Middle Eastern and Islamic Studies).
فكرة لصدقة جارية
بدأت قصة السيدة صباح مع الجمعية عندما فقدت أمها -رحمها الله- في عام 2012 باليوم الذي صادف عيد الحب “الفالنتاين”! كان ألم الفراق صعباً جداً على صباح، لذا فكرت كثيراً كيف لها أن تفتح لأمها صدقة جارية على أمل أن يخفف ذلك ألم فقدانها قليلاً.
عندما طلبت المشورة بهذا الشأن، كان من بين الاقتراحات التي تلقتها الآتي: “ضعي مصحفاً في المسجد، أو اتركي بعض الماء لتروي الظمآن”. فعلت صباح هذا وذاك ولكنها لم تقتنع كثيراً، حيث كانت تريد شيئا ملموسا على أرض الواقع، كما قالت.
منذ أن كانت صباح صغيرة وبعمر الشباب، لطالما حثتها أمها على الإكثار من الحركة وعلى العمل بنشاط ولو كان ذلك في المنزل. فكانت هوايتها تشمل تصميم الأزياء، والديكور، والخياطة، والمكياج وتصفيف الشعر.
وعلى هذا النحو، خطرت لصباح فكرة مناسبة عندما كانت تعين نفسها في شتى جوانب الحياة بدرجة يصعب عليها موازنة كل مسؤولياتها. ففكرت أن عمل الصليب الأحمر على سبيل المثال، يقتصر على فئات معينة فحسب. وكذلك تدعم الأمم المتحدة أشخاص محددين آخرين، فيظل بعض الناس بدون جهة تساعدهم. ومن هنا أتت الفكرة بأن تبني مجتمعاً يساعد بعضه البعض وأن تكون عونًا لمن لا يجد يد العون.
فجاءت لها فكرة بالبدء بتدريس القرآن للأطفال! قالت صباح: “بعد ولادتي طفلي الأخير، بدأت ألاحظ أن اللغة العربية كانت تضعُف عند جميع الأطفال [العرب في بريطانيا]”.
تسبب ذلك بمشاكل لدى الأهالي لأن أطفالهم لم يعودوا يفهمون اللغة العربية، بينما واجه بعض الأهالي مشاكل باللغة الإنجليزية. ونجم عن ذلك فجوة كبيرة بين الأهل والطفل عند المحاولة للتواصل والتحدث بشتى أمور الحياة العامة.
لذلك، وإلى جانب تدريس الأطفال القرآن واللغة العربية، بدأت صباح حلقات لتعليم اللغة الإنجليزية للآباء والأمهات في نفس الوقت، حيث يكون الأهالي في الطابق السفلي والأطفال في الطابق العلوي.
مساعدة المهاجرين واللاجئين
لم تقتصر دروس الإنجليزي على تدريس اللغة فقط، حيث شملت مواضيع التحاور أمورا كالتربية والحياة العامة. بل وقدمت الجمعية أيضا تدريبا لامتحان الجنسية البريطانية (Life in the UK Test). كان كل ذلك قبل تفشي جائحة كورونا العالمية في أواخر 2019، حين اضطررت صباح أن توقف جميع الخدمات الوجاهية.
على غرار المدارس، عادت حلقات الدراسة قيد العمل من جديد عبر منصة “زووم” (Zoom)، وذلك بتدريس الأطفال يوميا لمدة 5 ساعات! بعد 3 أشهر من التدريس الافتراضي، بدأ التعب يظهر على الأطفال والمتطوعين على حد سواء.
[videopress bH52wJIJ]
تبرعت البلدية في ليدز بإعطاء لابتوبات وألواح برمجية أيضاً لبعض الأفراد شريطة أن ينضموا لصفوفها. وبدأت صباح تعطي دروسا للأهالي: 3 أيام مخصصة للنساء و3 أيام للرجال. وبهذه الطريقة، أصبحت صباح تعطي دروسا في اللغتين العربية والإنجليزية والقرآن، شاملة لجميع أفراد العائلة. بل وكانت تقدم كل ذلك مجانا دون أي مقابل.
دائما ما تكون الجمعية مشغولة بمشاريع عدة لدعم اللاجئين وغيرهم. في رمضان – على سبيل المثال – فقد أشرفت على تحضير 150 وجبة يوميا ليتم توزيعها على المسلمين والمحتاجين.
MEMEC’s weekly food parcel distribution to 15 vulnerable families (10/11/2021). Thanks to all my volunteers. Without all of you, MEMEC couldn’t have carried out this project. pic.twitter.com/jZsqaJy6xF
— Middle Eastern & Mediterranean Community – MEMEC (@MEMEC_UK) November 13, 2021
ونظرا لاهتمام الجمعية الكبير بالصحة النفسية، فإنها تنظم رحلات صيفية ورحلات استجمام وغيرها من النشاطات الترفيهية بشكل مستمر، بحيث تولي هذه الأنشطة اهتماما خاصا في تعزيز طاقة الأمهات المتعبات ودعم نفسيتهن، كونهن الركن الأساسي في تربية الأطفال والاعتناء بالعائلة.
يكمن الهدف الأول لصباح في إنعاش الصحة النفسية والعقلية لدى النساء، خصوصاً أن أغلبهن يعشن هنا في الغربة، وقد يشعرن بشيء من الوحدة – فيكون تجمع العائلات الذي تنظمه الجمعية مصدر راحة ودعم لهن.
كما يساعد تجمع العائلات على بناء مجتمع موحد بأفراد تجمعهم أواصر قوية من الثقة والمحبة والاحترام قوية. وتنظم الرحلات جميعها بسعر رمزي يناسب الجميع.
تحديات العمل الخيري
لا شك أن أكبر التحديات التي تواجه الجمعية تكمن الجانب المادي، نظرا لكونها مؤسسة خيرية تساعد اللاجئين دون تمويل من أي طرف خارجي.
ولكنها تتلقى تبرعات لبعض الدورات في بعض الأحيان. تحدثت صباح في هذا الشأن، وقالت:
“لا أستعمل المال المتبرع لدورة معينة لأي شيء آخر فهذا هو حق الدورة ونصيبها، فأرى أن من الخاطئ استعماله لأي شيء آخر”. فإن كان أكبر همها مساعدة الناس المحتاجين، فإن آخر همها مدخولها من الجمعية، مشيرةً إلى أن الأجر والثواب من عند الله تعالى أعظم من أي مكاسب دنيوية.
ومع ذلك، فإن قلة الموارد تعني أحياناً أنه من الصعب عليها شراء هدايا ومكافآت لتشجيع الأطفال. وعندما كانت طريحة الفراش، كان أحباؤها والمتطوعين يساعدونها على الدوام، وحاولت بدورها مساعدتهم حتى ولو لم يكن بإمكانها التحرك. ولذا فهي تسعى جاهدة لمكافئتهم ولو بهدية رمزية.
الفوز بجائزة ليدز
لولا الأشخاص الذين وثقوا بها والداعمين لها، لما حققت الجمعية وصباح هذا النجاح الذي ساعدهم على الفوز بجائزة أفضل جمعية في ليدز لسنة 2021.
وذلك بدايةً من بناتها اللاتي كُن دائما الحنونات الطيبات المساعدات لها، وابنها – الرجل الصغير، حسب وصفها – الذي لطالما خفف العبء عنها في شتى أمور الجمعية.
كما شكرت صباح السكرتير الذي كان منذ البداية بمثابة الأخ الداعم في أصعب الشدائد والتحديات، ونائبة مديرة المدرسة التي تعتمد عليها كاعتمادها على نفسها. ومساعدة المديرة التي بدأت كمتطوعة والآن لا غنى عنها.
وختمت شكرها بالمحامي الخاص بالجمعية الذي كان يساعدها وراء الكواليس ليلاً ونهاراً، والمستشار الذي وصفته بـ “الصديق وقت الضيق”، الذي ساعدها وقدم لها النصائح عند حاجتها.
أشارت صباح إلى أن الشكر فقط قليلاً جدا على الأشخاص الذين وصفتهم بركائز وأساس هذه الجمعية، والذين كان النجاح ممكنا بفضلهم. ومع كل هذا، فهم يعملون معها بدون أي أجر مكتسب.
ترغب السيدة صباح أن تعمل على هذه الجمعية لتكوِّن مجتمعاً قائم على الثقة والوحدة، وأن يكبر الصغار ويعلموا أن الأجر الأكبر هو الثواب وليس المال.
عندما بدأت التدريس لأول مرة، كانت أعمار الأطفال حوالي ثلاث سنوات، والآن فإن أعمارهم تتراوح ما بين العشر سنوات والخمسة عشر سنة ويعتبرون صباح قدوةً لهم. فدائما ما يقول لها التلاميذ عبارات مثل: “هل بإمكاني أن أعلم الأطفال مثلك الآن؟” و”أنا أريد أن أصبح مثلك حينما أكبر”. فأصبحت صباح المثال الأعلى لدى الأطفال التي تدرسهم بكل جد وحب.
ما هذه سوى أوائل إنجازات الجمعية وبداياتها، حيث وصفتها صباح بـ “طفلتها الصغيرة” التي تعتني بها ليلاً ونهاراً لتكبر وتصبح منظمة عالمية.
وأكدت صباح: “أريد أن أترك أثراً بجمعية متعاونة تساعد الجميع. حتى وإن لم يحصل ذلك تحت إدارتي، أطمح أن تصبح منظمة دولية معروفة ولو بعدي”.
# صباح شحادة سيدة لبنانية تفوز بجائزة ليدز للخدمة المجتمعية
اقرأ المزيد:
ديمة.. لاجئة سورية في بريطانيا بقدم واحدة تُذّكر بمعاناة السوريين
نصائح مهمة للإقامة في مدينة شفيلد
قصة الممرضة نور التي حرمت من دراسة الطب لكونها لاجئة فلسطينية
الرابط المختصر هنا ⬇