سودانيون يوثقون الجوع والخوف تحت الحصار عبر هواتف مهربة بواسطة بي بي سي

تمكن سودانيون من توثيق مشاهد من حياتهم اليومية تحت حصار خانق تفرضه قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، وذلك باستخدام هواتف مهرَّبة وفّرتها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي).
وتسلط هذه المشاهد الضوء على الأوضاع الإنسانية المتدهورة داخل المدينة، ويشمل ذلك النقص الحاد في الغذاء، والقصف المستمر.
شهادات من الداخل: فقدان ومعاناة يومية

حفيظة، شابة تبلغ من العمر 21 عامًا، فقدت والدتها في آب/ أغسطس 2024 جراء قصف أصاب السوق الذي كانت تعمل فيه. ومنذ ذلك الحين، أصبحت مسؤولة عن رعاية شقيقها الصغير، البالغ من العمر خمس سنوات، وشقيقتيها المراهقتين.
وكان والدها قد تُوفِّي قبل اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، وهي الحرب التي تسببت بواحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم.
وتسيطر قوات الدعم السريع على مداخل المدينة ومخارجها، وتسمح أحيانًا للمدنيين بالمغادرة، ما مكّن حفيظة من إرسال أشقائها للبقاء مع أقارب في منطقة محايدة. لكنها بقيت في المدينة لتحاول كسب المال لدعمهم.
تعمل حفيظة في توزيع المياه والأغطية للنازحين، وتساعد في مطبخ مجتمعي، وتشارك في حملات توعية صحية، مقابل دخل يسير يساعدها على تأمين طعام لها ودعم أشقائها. وتقول في أحد تسجيلاتها: “أقضي لياليَّ وحدي أستذكر الأماكن التي كانت تجلس فيها والدتي وإخوتي”.
دمار شامل وفقدان للممتلكات

أما مصطفى، البالغ من العمر 32 عامًا، فعاد ذات يوم من زيارة عائلية ليجد منزله قد تعرّض للقصف وممتلكاته للنهب. ووثّق ذلك بتسجيلات تُظهر الدمار الكبير الذي لحق بالسقف والجدران.
وقال: إن عمليات النهب والسرقة باتت شائعة في الأحياء القريبة من وسط المدينة؛ بسبب الحصار والجوع، مُحمِّلًا قوات الدعم السريع المسؤولية عن ذلك.
وخلال تطوعه داخل مركز لإيواء النازحين، تعرّض الموقع لقصف مكثف، ووثّقت إحدى اللقطات لحظة اختبائه بينما كانت أصوات الانفجارات تتردد في الخلفية. وقال مصطفى: “الفاشر لم يَعُد فيها أي ملاذ آمن، فحتى المخيمات تُقصف. الموت يحاصر الجميع، وقد يأتي في أي لحظة، سواء برصاصة أو قذيفة، أو من الجوع والعطش”.
وفي رسالة أخرى أرسلها إلى بي بي سي، تحدث عن ندرة المياه النظيفة، وقال: إن الناس يُضطرون للشرب من مصادر ملوثة بمياه الصرف الصحي.
كما أفادت مناهل، وهي شابة تبلغ من العمر 26 عامًا، بأن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بصفة حادة، ما جعل تأمين وجبة واحدة في اليوم بالكاد يكفي، ويُعد عقبة كبيرة للسكان.
وتعمل مناهل في مطبخ خيري قائم على تبرعات دولية، يُوفّر وجبة يومية واحدة للنازحين. وتقول: “لم يعد هناك فرق بين غني وفقير؛ الكل عاجز عن شراء الحاجات الأساسية”.
تهديدات أمنية ومخاوف من الانتهاكات

مع تصاعد الحرب، ازدادت المخاوف من تكرار ما حدث في مدينة الجنينة عام 2023، إذ اتُّهمت قوات الدعم السريع بارتكاب فظائع، من بينها مذابح واغتصاب جماعي على أساس عرقي، وبخاصة ضد مجموعات غير عربية مثل المساليت.
وتقول حفيظة: “أخشى أن أتعرض للاغتصاب إن سقطت المدينة في يد الدعم السريع”، في إشارة إلى ما وقع في الجنينة، الواقعة على بُعد نحو 400 كيلومتر غرب الفاشر.
سيطرة إعلامية محدودة وتناقض في الروايات
رغم أن المدينة مغلقة أمام وسائل الإعلام منذ مدة طويلة، تمكّن فريق من بي بي سي من زيارة الجنينة في كانون الأول/ ديسمبر 2024، تحت إشراف مباشر من السلطات. وقد أظهرت الزيارة أن قوات الدعم السريع تسيطر بالكامل على المدينة، إلا أن السلطات المحلية سعت إلى تقديم صورة مغايرة لما وثقته منظمات حقوقية.
ونفى والي غرب دارفور، تجاني كرشوم، في مقابلة مع بي بي سي تورّطه في أي انتهاكات. لكنه خضع لاحقًا لعقوبات من الاتحاد الأوروبي، الذي اتهمه بالمشاركة في جرائم ضد الإنسانية، من بينها القتل والاغتصاب والخطف. وأكد كرشوم استعداده للتعاون مع تحقيق دولي مستقل، مشيرًا إلى أنه بقي في منزله خلال الأحداث، ولم يشارك في أي عمليات مسلحة.
نزوح جديد وغموض في المستقبل
مع تدهور الأوضاع، قررت حفيظة ومصطفى ومناهل مغادرة الفاشر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2024 إلى بلدات قريبة. ومع استعادة الجيش السوداني السيطرة على العاصمة الخرطوم في آذار/ مارس الماضي، بقي إقليم دارفور ساحةً رئيسة للنزاع، ما جعل الفاشر مركزًا للقتال المستمر.
تقول مناهل قُبيل مغادرتها: “نرحل دون أن نعرف مصيرنا. هل سنعود يومًا إلى الفاشر؟ متى تنتهي هذه الحرب؟ لا نعلم ما الذي ينتظرنا”.
جدير بالذكر أن هذه القصص تُعَد جزءًا من معاناة أكبر يشهدها السودان، حيث أُجبر أكثر من 12 مليون شخص على النزوح داخليًّا أو اللجوء خارج البلاد منذ اندلاع الحرب قبل عامين. وفي ظل الانقسام العسكري وغياب حل سياسي واضح، تبقى الشهادات المصوَّرة من داخل الفاشر واحدة من الوسائل القليلة لرصد الواقع الإنساني في واحدة من أكثر بؤر النزاع تعقيدًا في العالم.
المصدر: بي بي سي
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇