العرب في بريطانيا | سموتريتش.. صمتٌ عربي أمام مشروع الضم والتهجير

1447 ربيع الأول 11 | 04 سبتمبر 2025

سموتريتش.. صمتٌ عربي أمام مشروع الضم والتهجير

مقالArtboard-2-copy-4_2 (5)
عدنان حميدان September 3, 2025

في تصريحات صادمة، لكنها ليست مفاجئة، خرج وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش ليؤكد مرة أخرى أن المشروع الصهيوني لم يغادر لحظةً واحدة مربع التوسّع والاستيطان والتهجير. فقد أعلن الرجل، الذي يمثل أحد أركان الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا في تاريخ الكيان، أن 82 في المئة من أراضي الضفة الغربية يجب أن تُضم إلى إسرائيل، وأن السلطة الفلسطينية إذا ما “رفعت رأسها” فستُدمَّر بالكامل. ولم يكتفِ بذلك، بل ذهب إلى أبعد حين كشف أن الإدارة الأمريكية تؤيدهم في القضاء على فكرة إقامة دولة فلسطينية، معتبرًا أن فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية هو السبيل الوحيد لمنع قيام ما أسماه “دولة إرهاب فلسطينية”. ثم أضاف ما هو أخطر: أن الخطة تشمل تهجير حَمَلة الجواز الأردني نحو الأردن.

هذه التصريحات لم تصدر في فراغ، ولم يطلقها وزير عادي في حكومة عابرة. سموتريتش هو اليوم صوت عالٍ داخل المجتمع الإسرائيلي، وصوته بات يمثل رأيًا متناميًا في الشارع، لا مجرد خطاب فردي متطرف. إن خطورته تكمن في أنه لا يعمل وحده، بل يعكس عقلية تتسع دوائرها يومًا بعد يوم، حتى داخل مؤسسات القرار الإسرائيلية.

والمؤلم في هذا المشهد أن هذه التصريحات لم تلقَ حتى الآن موقفًا عربيًّا رسميًّا بحجم خطورتها. فلم نشهد بيانات واضحة من الحكومات العربية تتناسب مع حجم التهديد المعلن. بل إن البعض اكتفى بعبارات دبلوماسية باهتة لا تعكس عمق الكارثة ولا حجم التحدي. إن تهديد سموتريتش بترحيل حمَلة الجواز الأردني -على سبيل المثال- هو تهديد مباشر لأمن واستقرار الأردن، الدولة التي يفترض أنها شريك أساسي في ما يسمى “عملية السلام”. ومع ذلك، لم نشهد ردودًا رسمية ترتقي إلى مستوى الحدث، وكأن الأمر لا يعني مستقبل المنطقة برمتها.

إذا حاولنا قراءة تصريحات سموتريتش بعمق، فإننا نجد أنها تحمل أبعادًا خطرة. فهي تعني عمليًّا إلغاء فكرة الدولة الفلسطينية بشكل نهائي، مع استبدالها بفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، بما يعني نهاية أي حل سياسي متوازن حتى وفق المعايير الدولية التقليدية. وهي أيضًا استهداف مباشر للسلطة الفلسطينية باعتبارها كيانًا مؤقتًا، لا يُسمح له بالتحول إلى نواة دولة، بل يجري التهديد العلني بتدميره إذا حاول لعب هذا الدور. وإلى جانب ذلك، فإن التلويح بخطة الترحيل الجماعي للفلسطينيين نحو الأردن يعيد إلى الواجهة مشاريع “الوطن البديل” التي لطالما حذرت منها النخب الأردنية والفلسطينية.

الأخطر من تصريحات سموتريتش ليس مضمونها فحسب، بل كشفه عن أن الإدارة الأمريكية تقف خلف هذا التوجه، أو على الأقل لا تعارضه. هذه إشارة خطرة إلى أن واشنطن التي طالما قدمت نفسها وسيطًا في عملية السلام، باتت اليوم أكثر صراحة في الانحياز للمشروع الاستيطاني، حتى لو أدى ذلك إلى إنهاء أي أفق لحل الدولتين.

إن مرور مثل هذه التصريحات دون رد فعل عربي وإسلامي قوي، يفتح الباب أمام إسرائيل لتنفيذها على أرض الواقع. الصمت، أو الاكتفاء بالاستنكار الباهت، يُفهم في تل أبيب على أنه ضوء أخضر للمضي قدمًا. وفي ظل ضعف النظام الدولي وعجز المؤسسات الأممية، تقع المسؤولية الكبرى على عاتق الدول العربية والإسلامية، وكذلك على مؤسسات المجتمع المدني، للتحرك الجاد في مواجهة هذه السياسات.

أما نحن -الفلسطينيين في الشتات- فنجد أنفسنا أمام مسؤولية مضاعفة: أن نكشف حقيقة هذه المخططات للرأي العام الغربي، وأن نعمل مع حركات التضامن لفضح الطابع العنصري والاستعماري لهذه السياسات. فمن غير المقبول أن يتحول خطاب الإبادة والتهجير إلى كلام عابر في نشرات الأخبار، مع أنه في الحقيقة مقدمة لجرائم كبرى بحق الشعب الفلسطيني.

سموتريتش ليس مجرد وزير متطرف، بل هو تعبير عن نزعة متنامية في المجتمع الإسرائيلي، نزعة ترى في الفلسطيني عبئًا ينبغي التخلص منه، وفي الضفة الغربية أرضًا بلا شعب يجب ابتلاعها. وإذا لم نواجه هذه النزعة بجدية، فإننا سنجد أنفسنا أمام نكبة جديدة تُنفذ تحت مرأى العالم وصمته. إن التاريخ سيحاسب كل من صمت عن هذه التصريحات ولم يتصدَّ لها كما يجب. فالمسألة لم تعد مجرد كلمات، بل تحولت إلى إعلان رسمي عن مشروع تهجير جديد، مشروع إن لم يُواجه اليوم، فسيُفرض غدًا كأمر واقع.

 


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
1:21 pm, Sep 4, 2025
temperature icon 17°C
scattered clouds
77 %
1004 mb
13 mph
Wind Gust 20 mph
Clouds 40%
Visibility 10 km
Sunrise 6:18 am
Sunset 7:41 pm

آخر فيديوهات القناة