سلسلة “أشباح الحرب في العراق” تكشف حكايا ضحايا الاحتلال البريطاني
أطلقت منظمة “العمل ضد العنف المسلح” (AOAV)، ومقرها لندن، سلسلة تحقيقات موسعة بعنوان “أشباح الحرب – العراق”، ترصد عبر شهادات الناجين والأرشيفات الميدانية الخسائر البشرية بين المدنيين في البصرة خلال الفترة من 2003 إلى 2009، في ظل السيطرة البريطانية على المدينة. وتهدف السلسلة إلى إعادة بناء وقائع غابت عن السجلات الرسمية، وتسليط الضوء على الأثر الإنساني العميق للحرب في البيئات الحضرية.
استهلت السلسلة بتوثيق حادثة مقتل علي توما عبد الله، وهو عامل في أوائل الثلاثينيات، وابنته عذراء ذات العامين، في 27 مارس 2003، بعد أسبوع فقط من دخول القوات البريطانية إلى البصرة ضمن الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
يروي شقيق الضحية، خضير توما عبد الله، أن مقاتلين موالين للنظام العراقي كانوا متمركزين في مدرسة محلية دون اشتباك مباشر، بينما تقدمت القوات البريطانية عبر المنطقة. ويصف المشهد قائلاً إنه شاهد شقيقه يحمل ابنته لعبور الشارع، قبل أن تنطلق رصاصة من مدفع رشاش على متن آلية «هامفي» بريطانية، فاخترقت ظهر الطفلة وخرجت من جسد والدها، ليسقطا قتيلين في الحال. ويضيف أنه رأى الجندية – التي يرجح أنها امرأة – تذرف الدموع بعد إدراك ما فعلته. كما أصيبت امرأة أخرى في ساقيها.
الحادثة لم تُسجَّل في أي ملخص عمليات بريطاني، ولم يُوثَّق لها أي دليل فوتوغرافي أو مرئي، وهو أمر شائع وسط ضباب المعارك داخل المدن، حيث تتعقد خطوط الاشتباك وتغيب التغطية الإعلامية المستمرة.
غياب المساءلة واستمرار الجرح
لم تُفتح أي تحقيقات في الواقعة، ولم تُقدَّم تعويضات لأسر الضحايا. وقد دُفن علي وابنته أولاً في منطقة الهارثة، ثم نُقلا بعد ستة أشهر إلى النجف حين سمحت الظروف الأمنية. وترك مقتل علي زوجةً وثلاثة أطفال بلا معيل، فتولى شقيقه رعايتهم وسط أوضاع مالية صعبة. ويؤكد خضير أن أحدًا من الجيش البريطاني لم يتواصل معهم، رغم تقديم ملف إلى جهة عراقية مختصة بتوثيق الضحايا المدنيين، مطالبًا بتعويض قدره 70 ألف دولار لأبناء شقيقه، لكنه لا يتوقع صرفه.
أجرى فريق AOAV زيارة إلى العراق في يونيو 2025، والتقى عائلات الضحايا وفحص ما توفر من أدلة. وتوضح النتائج أن الواقع الميداني كان أكثر تعقيدًا مما تصفه وزارة الدفاع البريطانية، التي تؤكد التزام قواتها بـ«الاستخدام المتناسب للقوة» مع مراعاة سلامة المدنيين. إلا أن تصاعد نفوذ الميليشيات، وتنامي الجريمة المنظمة، وتعرض الدوريات البريطانية لهجمات متكررة، جعل المدنيين عرضة لخطر مستمر حتى في المناطق التي وُصفت بأنها «آمنة».
وبحلول انسحاب القوات البريطانية عام 2009، كانت البصرة قد أنهكتها سنوات من العنف الطائفي، وهيمنة المجموعات المسلحة، والاضطرابات الاجتماعية، فيما بقيت حوادث مثل مقتل علي وأثـراء طي النسيان خارج السرديات الرسمية.
سجل بديل للضحايا المنسيين
تمثل هذه الواقعة واحدة من عدة حالات ترصدها سلسلة «أشباح الحرب – العراق»، التي تسعى إلى تقديم سجل بديل أو مكمل، وربما مناقض، للرواية الرسمية. ورغم صعوبة جمع الأدلة في ظل غياب التحقيقات ومرور الزمن، ترى AOAV أن استعادة هذه القصص أمر جوهري لفهم الإرث الكامل للاحتلال البريطاني، وتوثيق معاناة من دفعوا الثمن الباهظ بعيدًا عن دائرة الاهتمام العالمي.
في هذا الصدد، ترى منصة العرب في بريطانيا (AUK) أن ما تكشفه هذه الشهادات يفرض على الجهات المعنية – بريطانية ودولية – واجب فتح ملفات الانتهاكات التي طواها الإهمال لسنوات، وإخضاعها للتحقيق المستقل والمحاسبة العادلة. وتؤكد المنصة أن سرد الروايات الكاملة، بما تحمله من تفاصيل إنسانية ووقائع موثقة، هو خطوة أساسية لفهم الإرث الحقيقي للحروب، وحماية حقوق الضحايا وأسرهم، وضمان أن تبقى هذه الجرائم حاضرة في الذاكرة العامة كجزء من السجل التاريخي، لا أن تُمحى من الصفحات الرسمية.
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇
