كشفت دراسة حديثة أنّ كبار السن في إنجلترا باتوا أكثر سعادة ورضا، ويتمتعون بإحساس أكبر بالهدف مقارنة بالفترة التي سبقت جائحة كوفيد-19، في تطور لافت يعكس التحولات الاجتماعية والنفسية التي أعقبت الأزمة الصحية العالمية.
وأشار الباحثون إلى أن تجربة الجائحة ربما عززت من تقدير الأفراد للعلاقات الاجتماعية والأنشطة ذات المعنى، إلا أنهم لفتوا إلى أن معدلات الاكتئاب لا تزال أعلى بقليل مما كانت عليه قبل عام 2020.
وأجرت الدراسة تحليلاً لبيانات “الدراسة الطولية الإنجليزية للشيخوخة”، وهي مشروع بحثي يتتبع رفاهية الأفراد الذين تجاوزوا الخمسين عامًا على مرّ الزمن. وأظهرت النتائج أن مؤشرات السعادة والرضا عن الحياة والإحساس بالهدف تحسّنت بشكل ملحوظ بعد انحسار الجائحة، حيث سجّلت ارتفاعًا يفوق حتى المستويات التي سُجّلت قبل الأزمة الصحية.
ارتفاع السعادة رغم استمرار الاكتئاب بمستويات مرتفعة
1100 باوند لكبار السن في بريطانيا بحلول شتاء 2022
أوضحت بيانات 3,999 شخصًا أن التقييمات الذاتية لمؤشرات الرفاهية، بما في ذلك السعادة والرفاهية الوجودية – التي تقيس مدى شعور الأفراد بأن حياتهم ذات مغزى – شهدت انخفاضًا حادًا خلال الجائحة. ومع ذلك، أظهرت التحليلات أن جميع مؤشرات الرفاهية الإيجابية شهدت تحسنًا إحصائيًا كبيرًا بعد انتهاء الأزمة الصحية، متجاوزة حتى المستويات المسجلة قبل عام 2020.
لكن في المقابل، لم تعد معدلات الاكتئاب إلى مستويات ما قبل الجائحة، حيث أظهرت الدراسة، المنشورة في دورية “الشيخوخة والصحة العقلية”، أن نسبة الأفراد الذين أبلغوا عن أعراض اكتئابية بلغت 11.4% قبل الجائحة، قبل أن تقفز إلى 27.2% في أواخر عام 2020. وعلى الرغم من تراجعها بعد ذلك إلى 14.9%، فإنها لا تزال تفوق المستويات التي سُجلت قبل انتشار الفيروس.
انعكاسات الجائحة على الصحة النفسية والسياسات الاجتماعية
الهواتف الذكية المناسبة لكبار السن (Unsplash)
أوضحت البروفيسورة باولا زانينوتو، الأستاذة في قسم الأوبئة والصحة العامة بجامعة “UCL” والمؤلفة الرئيسية للدراسة، أن الجائحة كان لها أثر بالغ على الصحة النفسية لكبار السن في إنجلترا.
وقالت زانينوتو: “كما هو متوقع، وجدنا أن الرفاهية العامة تراجعت خلال الجائحة، بينما ارتفعت معدلات الاكتئاب بشكل حاد. إلا أن المثير للاهتمام أن مؤشرات السعادة والرضا عن الحياة والإحساس بالهدف ارتفعت الآن إلى مستويات تتجاوز حتى ما كانت عليه قبل الجائحة.”
وأضافت: “يمكن تفسير هذا الاتجاه بعدة عوامل، منها إعادة تقييم الأفراد لأهمية الروابط الاجتماعية والأنشطة ذات المعنى، إلى جانب تنامي المرونة النفسية بعد المرور بفترة من التحديات. كما أن تحسّن الأمان الصحي نتيجة حملات التطعيم الواسعة قد لعب دورًا في تعزيز الشعور بالراحة والاستقرار.”
لكنها شددت على أن التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية كان لها تأثير واضح، حيث أظهرت الدراسة اختلافات كبيرة في تأثير الجائحة على الرفاهية النفسية وفقًا للعمر والوضع الاقتصادي، ما يستدعي تبني سياسات أكثر استهدافًا لمعالجة تداعيات الأزمات الصحية على الفئات المختلفة.
تباين مستويات الرفاهية في بريطانيا
طلاب في بريطانيا يعيشون مع كبار في السن بسبب الغلاء
من جهة أخرى، أظهرت بيانات لوحة قياس الرفاهية الوطنية الصادرة عن مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا، أن بين يوليو وسبتمبر 2024، أفاد 4.7% من البالغين في المملكة المتحدة بأن لديهم مستويات متدنية من الرضا عن الحياة، بينما أعطى 3.6% تقييمًا منخفضًا عند السؤال عن مدى جدوى الأنشطة التي يقومون بها.
وفي المقابل، أفاد 7.7% بأنهم شعروا بسعادة منخفضة في اليوم السابق، بينما أبلغ 22.5% عن شعورهم بـ”قلق شديد” في يوليو إلى سبتمبر 2024، مقارنة بـ20.4% في الفترة ذاتها من عام 2019.
كما كشف المكتب عن ارتفاع طويل الأمد في معدلات الاكتئاب والقلق، إذ بلغت نسبة من أبلغوا عن أعراض اكتئابية أو قلق بين عامي 2022-2023 نحو 22.6%، مقارنة بـ19.7% بين عامي 2017-2018، وهو ما يعكس الحاجة إلى استراتيجيات دعم نفسي واجتماعي لمعالجة التداعيات المستمرة للجائحة.