العرب في بريطانيا | خذلان الزمن والضّمير: تأمّلات في تهاوننا مع است...

1447 صفر 21 | 16 أغسطس 2025

خذلان الزمن والضّمير: تأمّلات في تهاوننا مع استشهاد الإعلاميين

مقالArtboard-2-copy-3_2 (4)

الخذلان هو ذلك الشّعور الثّقيل الّذي يثقل الرّوح، ويجعلنا نحمل في صدورنا جرحاً لا يلتئم، خاصّةً حين يتجسّد في فقدان من نعتزّ بهم، وفي هذه الحالة، استشهاد إعلامي وراء إعلامي، ضحايا يكتبون الحقيقة بأرواحهم، وأرواحنا تغرق في بحر من التّهاون والتّجاهل.

إنّ الخذلان هنا هو مأزقٌ وجوديٌّ وفلسفيٌّ. هو خذلانٌ لأنفسنا قبل أن يكون خذلاناً للآخرين، خذلانٌ لمن ضحّى بحريّته ووقته وربّما بحياته ليكشف لنا ما يُخفيه الغموض عن واقعٍ موجع.

إنّنا نقف أمام مبادئ قاسيةٍ تعكس ضعف عزيمتنا وقلّة مبالاتنا، فنرى أنفسنا نسمح بتكرار الفاجعة، وكأنّنا نرضى أن تبقى الحقيقة محاصرةً بين كفّي الخوف واللّامبالاة.

عندما يستشهد إعلامي، فإنّنا نفقد صوتاً للمجتمع، فالإعلامي هو عين الحقيقة الّتي تحاول أن ترى ما يعجز النّاس العاديّون عن إدراكه، وهو صوت المستضعفين والمقهورين، واستشهاده يعني أن الصّمت عن الظّلم يزداد عمقاً، وأن الخوف يحكم قبضته على الحريّات، لكنّ التّهاون بأمر استشهادهم يعكس أزمةً أكبر: أزمةً في قيمنا وأخلاقيّاتنا، وأزمةً في قدرتنا على التّضامن مع من يقدّمون أغلى ما لديهم لأجلنا.

من هنا، يظهر الخذلان كظاهرةٍ فلسفيّةٍ تتجاوز الألم الفرديّ لتصبح مأزقاً اجتماعيّاً وإنسانيّاً.

هو خذلانٌ للعهد الّذي نحمله جميعاً، عهد الحقّ والعدالة.

حين نتهاون، نساهم – ولو بشكلٍ غير مباشر – في استمراريّة الظّلم الّذي أدّى إلى استشهادهم.

نُغلق أعيننا عن الأسباب الحقيقيّة، نُغلق قلوبنا عن الحزن، نُعتم طريق الوعي والاحتجاج، ونعطي الظّالمين فرصةً أكبر لمواصلة اعتداءاتهم.

ولكن هل الخذلان قدرٌ محتومٌ؟ هل من الممكن أن نكون أكثر من مجرّد متفرّجين على هذه المأساة؟ الفلسفة تعلّمنا أن كلّ فعلٍ يحمل في طيّاته إمكانيّة التّغيير، وأنّ الوعي هو الخطوة الأولى نحو المقاومة.

إنّ إدراكنا لعمق الخذلان ينبغي أن يولّد فينا غضباً صادقاً، رغبةً في استعادة الكرامة المفقودة، وحافزاً للعمل الجادّ من أجل حماية حريّتنا وحقّ الإعلام في أن يكون صوتاً صادقاً ومحرّراً.

علينا أن نستعيد دورنا كشهود حقيقيين، لا مجرّد متلقّين سلبيين، أن نحوّل ألمنا إلى قوّةٍ تدفعنا للسّؤال، للمحاسبة، وللمطالبة بالحماية الحقيقيّة لمن يغامرون بحياتهم لأجل الحقيقة؛ فالخذلان يتلاشى حين يتحوّل إلى وقود للنّضال، وحين لا نسمح للخوف أن يسرق منّا القدرة على الدّفاع عن مبادئنا.

وفي النّهاية، لن يكون استشهاد إعلاميّ مجرّد رقمٍ في سجلّ المآسي، إنّما ذكرى حيّة تدفعنا لأن نكون أفضل، لنتجاوز الخذلان الّذي نعيشه اليوم، ونرسم طريقاً جديداً للحريّة والعدل؛ لأنّ الحريّة لا تُنتزع إلّا بالإرادة، ولا تستمرّ إلّا باليقظة، والخذلان لا يليق بأرواح لم تخلق إلّا لتعيش بكرامةٍ.

 


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
11:16 pm, Aug 16, 2025
temperature icon 16°C
clear sky
77 %
1026 mb
9 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 0%
Visibility 10 km
Sunrise 5:47 am
Sunset 8:22 pm

آخر فيديوهات القناة