العرب في بريطانيا | حين يفكر الذكاء الاصطناعي عنك… من الذي يبقى؟

1447 جمادى الثانية 22 | 13 ديسمبر 2025

حين يفكر الذكاء الاصطناعي عنك… من الذي يبقى؟

WhatsApp Image 2025-10-15 at 9.52.15 AM
عدنان حميدان October 15, 2025

في السنوات الأخيرة، تغيّر شكل العمل والإنتاج على نحو غير مسبوق. فأصبحت التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي جزءًا من تفاصيل حياتنا اليومية، من كتابة الرسائل الإلكترونية إلى إعداد التقارير، ومن تصميم الصور إلى اتخاذ القرارات المعقدة في المؤسسات والشركات. لم يعد السؤال اليوم: هل نستخدم الذكاء الاصطناعي؟ بل أصبح: كيف نستخدمه دون أن نفقد إنسانيتنا في الطريق؟

ليس عيبًا أن نستعين بالذكاء الاصطناعي لتسهيل أعمالنا أو زيادة إنتاجنا، فهذه الأدوات الحديثة صُممت أصلًا لمساعدتنا، ولتوفير الوقت والجهد. العيب الحقيقي هو أن نترك لها زمام المبادرة، ونُسلّمها حق التفكير والإبداع، حتى نصبح نحن مجرد منفذين لما تمليه علينا الخوارزميات.

لقد أُوجِدت التكنولوجيا لتخدم الإنسان، لا لتحلّ محلّه. هدفها أن ترفع من كفاءته، لا أن تُلغيه من المعادلة. فإذا أصبحت الأداة هي التي تفكر وتبدع وتكتب عنا، فماذا يبقى من قيمتنا؟ وماذا يبقى من دورنا في الحياة المهنية أو الثقافية؟

من الطبيعي، في هذه الحالة، أن يفكر صاحب العمل بطريقةٍ واقعية جدًّا: إذا كانت الأداة تؤدي المهمة نفسها بجودة وسرعة، فلماذا أحتاج إلى الموظف أصلًا؟ وهكذا يتحول الذكاء الاصطناعي من وسيلة تمكين إلى وسيلة إقصاء، ومن أداة مساعدة إلى منافسٍ مباشر يهدد موقع الإنسان في سوق العمل.

الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت قدرته، يبقى نتاجًا لما أُدخِل به من بيانات، فهو لا يشعر بالدهشة ولا يفهم الجمال، ولا يعرف الشغف أو الإلهام أو الخوف أو الأمل. هذه المشاعر هي ما يمنح الإبداع البشري قيمته وجماله. الآلة قد تكتب نصًّا صحيحًا نحويًّا ومنسقًا شكليًّا، لكنها لا تستطيع أن تكتب جملةً تلامس القلب أو فكرةً تُلهم العقل ما لم يستحضرها إنسان.

استخدام الذكاء الاصطناعي بذكاء يعني أن تتّخذه أداة تفكير، لا بديلًا عن التفكير. أن تجعله يُكمّل عملك لا أن يبدأه عنك. أن تستفيد من دقته وسرعته، دون أن تتنازل عن بصمتك التي تجعل عملك مميزًا. فالكاتب الذي يترك الذكاء الاصطناعي يكتب عنه، سيفقد صوته مع الوقت، كما يفقد العازف إحساسه بالموسيقى إذا اكتفى بالضغط على زر التسجيل. والطالب الذي يعتمد كليًّا على الذكاء الاصطناعي في أبحاثه لن يتعلم مهارة التحليل والنقد. والمدير الذي يثق في الخوارزميات أكثر من ثقته بفريقه، سيجد نفسه في مؤسسة بلا روح ولا رؤية.

لقد أثبت التاريخ أن كل ثورة تكنولوجية كانت سيفًا ذا حدين. فبعض الناس استخدمها ليبتكر ويتطور، وآخرون استسلموا لها وفقدوا موقعهم في سباق الإبداع. والذكاء الاصطناعي ليس استثناءً. إنه أداة عظيمة بقدر من يستخدمها بحكمة، وخطر داهم على من يسلّم لها قراره وإرادته.

ومن المهم أن نُدرك أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي أحدًا بمفرده، بل البشر هم من يُقصون أنفسهم حين يتوقفون عن التعلم والتطور. الإنسان الذي يجعل من التقنية امتدادًا لعقله يتفوق، أما الذي يسمح لها أن تحل مكانه، فيتراجع تدريجيًّا حتى يُصبح بلا دور.

في بيئة العمل الحديثة، لم يعد التميز في إتقان الأدوات فحسب، بل في الحفاظ على العنصر الإنساني داخلها. فالإبداع الحقيقي ليس في النتائج، بل في الرحلة نحوها، في المحاولة، وفي التفكير، وفي الخطأ والتصحيح والتجريب. تلك العملية التي تُغذي روح الإنسان وتجعله ينمو.

التكنولوجيا، مهما بلغت، لا تستطيع أن تحلم أو تحب أو تعطي من نفسها أكثر مما بُرمجت عليه. لذلك سيبقى الإنسان هو المصدر الأصيل للفكرة، وهو الذي يمنح الحياة معنى. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يُنتج نصًّا جميلًا، لكنه لا يمكن أن يكتب من ضميرٍ حي أو من تجربةٍ عاشها أو من ألمٍ شعر به.

لهذا استخدِم الذكاء الاصطناعي لتتفوّق، لا لتستقيل من دورك الإنساني في الإبداع والتفكير. فالعصر القادم لا يطلب منك أن تنافس الآلة، بل أن تتقن فن استخدامِها لتوسّع حدود قدرتك، لا لتختصر وجودك.


اقرأ أيضًا:

جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي أصحابها ولا تعبّر بالضرورة عن رأي المنصة

اترك تعليقا

آخر فيديوهات القناة