حزب جيريمي كوربين يستعد للانطلاق في نوفمبر رغم “خلافات داخلية”

على الرغم من تفجّر خلاف علني واتهامات بـ”شبكة ذكورية مغلق” واشتباك قانوني حول قواعد البيانات والتبرعات، تؤكّد مصادر تحدّثت إلى موقع Middle East Eye أنّ مشروع الحزب اليساري الجديد—المعروف مؤقتًا بـ”Your Party”—يتّجه لعقد مؤتمر تأسيسي في نوفمبر المقبل، بدفع من النواب المستقلين المتحالفين مع جيريمي كوربين. كوربين نفسه ألمح في فعالية لـ”مشروع السلام والعدالة” يوم السبت إلى أنّ “الحزب سيُؤسَّس”، وأنه سيكون “منفتحًا وديمقراطيًا وقائمًا على القواعد”، مع التشديد على دور النواب كـ”مسهّلين” لا “متحكّمين”. في المقابل، تدفع النائبة سلطانة باتجاه “لجنة تسليم” مستقلة تنقل قيادة التأسيس إلى الأعضاء، ما يضع المشروع أمام صراع على من يرسم قواعد الميلاد الأول.
اشتباك على العضوية والتبرعات: بوابة منفصلة وإخطار للجهات الرقابية
بدأ التصعيد الأخير يوم الخميس حين تلقّى الداعمون رسالةً تدعوهم للاشتراك في عضوية الحزب بقيمة 5 باوند شهريًا أو 55 باوند سنويًا. سلطانة روّجت للرابط عبر منصّاتها وأعلنت أنّ أكثر من 20 ألف شخص سجّلوا، بما قد يعادل أكثر من مليون باوند من الاشتراكات. بعد ساعات، نشر كوربين بيانًا مشتركًا مع أربعة نواب مستقلين آخرين يصف الرسائل بأنها “غير مُخوّلة” ويدعو إلى “إلغاء أي أوامر دفع مباشر” جرى إعدادها، مع الإشارة إلى استشارة قانونية جارية. سلطانة ردّت بأنّها لجأت لإطلاق بوابة عضوية منفصلة بعد “تجميدها” خارج الحسابات الرسمية، مؤكدةً أنّ المنصّة “آمنة ومشروعة”، وموجّهةً اتهامًا لزملائها بإقصاء قائم على التمييز الجنسي. لاحقًا في اليوم نفسه، أعلن النواب الخمسة إبلاغ هيئة حماية البيانات البريطانية بوجود “نظام عضوية زائف أُطلِق بشكل أحادي”، نافيةً استبعاد سلطانة من النقاشات. سلطانة أشارت إلى تكليف محامين مختصّين بالتشهير لمواجهة “هجمات بلا أساس”، على حدّ وصفها. مصادر داخل المشروع ترى أنّ العلاقة بين الطرفين تدهورت خلال الأسابيع الماضية، وأنّ جسر الهوّة لن يكون يسيرًا ما لم تُحسم بنية القيادة عبر تصويت الأعضاء في المؤتمر.
جذور التوتّر: نقد “الكوربينية” وحدود المظلّة القِيَمية
بعد فوز كوربين وأربعة مستقلّين بمقاعدهم في انتخابات 2024، دارت مناقشات حول خلق حزب يساري ينافس حزب العمّال. المفاجأة جاءت في يوليو حين أعلنت سلطانة خروجها من حزب العمّال وإطلاق حزب جديد مع كوربين، خطوةٌ قيل إنّها باغتت بعض الضالعين بالمشروع. في منتصف أغسطس، أجرت سلطانة حوارًا مع New Left Review قدّمت فيه نقدًا واسعًا لمرحلة زعامة كوربين (2015–2020)، معتبرةً أنّ “الكوربينية” خضعت لتعريف IHRA لمعاداة السامية بما يساويها—في رأيها—بمعاداة الصهيونية، وأنها لم تستثمر الكتلة العضوية في بناء قواعد اجتماعية منظّمة، وتعاملت “بقدرٍ كبير من المصالحة” مع هجمات الدولة والإعلام بدل مواجهتها. كوربين عقّب لاحقًا لـMEE بأن طرح تلك الملاحظات “لم يكن ضروريًا” في ذلك التوقيت. في سبتمبر، أطلق النائب عدنان حسين نقاشًا محتدمًا بتغريدات حول قضايا النوع والفضاءات الآمنة، مؤكدًا أنّ “النساء العابرات جنسياً لسن نساءً بيولوجيًا”، وداعمًا خيار “فضاءات ثالثة آمنة”. التغريدات حصدت تأييدًا وانتقادات حادّة من أجزاء واسعة من اليسار. سلطانة ردّت بأنّه “لا مكان لآراء محافظة اجتماعيًا في حزب اشتراكي يساري”، مشدّدة على قيم “دعم العبور الجنسي والهجرة ومناهضة العنصرية”. أصوات يسارية أخرى—منها لورا بيدكوك—حاججت بأنّ حركة جماهيرية بالضرورة ستضم أطيافًا من المحافظة الاجتماعية، وأنّ دور التربية السياسية هو إدارة الاختلاف لا طرد أصحابه. حسين من جانبه استدعى تاريخًا بريطانيًا لتيارات جمعت بين المحافظة الاجتماعية والاشتراكية، رافعًا شعار “التضامن قبل الفردانية”. هذا التباين كشف خلافًا أعمق حول عرض “مظلّة” الحزب: هل تُصاغ على قيم تقدّمية صِرفة، أم تُبقي مساحةً لتعدّد اجتماعيّ محافظ ضمن مشروع اقتصادي-اجتماعي يساري؟
مؤتمر نوفمبر: بأي صيغة ومن يملك مفاتيح التأسيس؟

رغم التصعيد، تؤكد مصادر داخل “التحالف المستقل” أنّ المسار نحو مؤتمر نوفمبر يبقى قائمًا، سواء التحقت سلطانة بالصيغة النهائية أم لا. في المقابل، ظهر يوم الجمعة كيانٌ قاعدي جديد باسم “حزبُنا” يدعو إلى “لجنة تأسيس ديمقراطية جديدة” تُشرف على مؤتمر الميلاد بعيدًا عن نفوذ النواب الستّة؛ العريضة حصدت قرابة 4 آلاف توقيع خلال ساعات، وسلطانة سارعت إلى تأييدها بعبارة: “Your Party ملككم أنتم، لا للنواب”. كوربين لمح إلى رفض ذلك التوجّه، بينما لاذ بقية النواب بالصمت. ومع ترقّب الحسم، تتجه أنظار جزء من القواعد اليسارية إلى حزب الخُضر تحت قيادة زاك بولانسكي؛ الأخير أعلن عبر منصة X وصول العضوية إلى 73 ألف منتسب جديد خلال ذروة الجدل، في إشارة إلى أنّ كلفة الانقسام قد تُدفع مباشرةً من رصيد المشروع الوليد.
ترى “العرب في بريطانيا” أنّ تأسيس كيان حزبي جماهيري في لحظة سيولة سياسية بريطانية يتطلّب ثلاث ضمانات لا التباس فيها: شفافية مالية مُعلنة أمام الأعضاء، وحوكمة ديمقراطية تُحتكم فيها القرارات الكبرى إلى القواعد لا إلى غرف مغلقة، وحماية صارمة للبيانات تليق بثقة الناس. الاختلاف داخل العائلة اليسارية ليس خطرًا بذاته؛ الخطر يبدأ حين يطغى منطق التخوين على منطق البناء. الطريق الأقل كلفة على الجمهور اليساري—والأقرب إلى وعوده—يمرّ عبر تفويضٍ واضح للأعضاء في مؤتمر نوفمبر لحسم بنية القيادة واللوائح، مع تعهّد مُعلن باحترام نتائج التصويت أيًا كانت. دون ذلك، سيبقى الوليد السياسي عُرضةً للنزيف نحو خيارات أخرى، فيما تتبدّد فرصةٌ نادرة لإعادة تشكيل المشهد خارج ثنائية الأحزاب التقليدية.
المصدر: ميدل إيست اي
إقرأ أيضا
الرابط المختصر هنا ⬇