حزب العمال يغذي الخطاب المعادي للمهاجرين

موجة الاحتجاجات المعادية للمهاجرين في مختلف أنحاء بريطانيا ليست فقط مثيرة للقلق العميق، بل هي جرس إنذار صارخ لكل من انخدع بشعور زائف بالأمان منذ انتخاب حكومة كير ستارمر العمالية.
فقد أظهرت التظاهرات الأخيرة أمام الفنادق التي تأوي طالبي اللجوء أنّ اليمين المتطرف ينظم صفوفه ويزداد قوة داخل المملكة المتحدة.
بصفتي مربياً، كان مشهداً صادماً أن أرى أطفالاً يلفّون أنفسهم بأعلام الاتحاد (Union Jack) وهم يشاركون في هذه الاحتجاجات. لقد بدا وكأن الناس اجتمعوا في نزهة عائلية، لكن ما صدر عنهم لم يكن سوى خطابات كراهية. أتساءل: هل يعتقد هؤلاء الشباب فعلاً أن فرصهم في الحصول على وظائف وسكن لائق ورعاية صحية تُسلب منهم بسبب أشخاص يخاطرون بحياتهم لعبور الحدود إلى هذا البلد؟
ورغم أنّ الأمر صادم، إلا أنه ليس مفاجئاً. فوفقاً لأحدث استطلاعات “يوغوف”، يقارب نصف الناخبين البريطانيين الذين يدعمون سياسة “عدم استقبال مزيد من المهاجرين، وإلزام أعداد كبيرة ممن وصلوا في السنوات الأخيرة بمغادرة البلاد”.
مسؤولية حزب العمال

(Anadolu Agency)
لكن هذا المناخ من الكراهية لم ينشأ من العدم، ولم يكن نتيجة حتمية لـ14 عاماً من حكم المحافظين اليمينيين المتشددين فقط. حزب العمال بقيادة ستارمر يتحمل جانباً كبيراً من المسؤولية.
فحتى قبل وصول حزبه إلى السلطة، انشغل ستارمر بالتخلص من إرث جيريمي كوربن، متراجعاً عن وعود أساسية مثل تأميم شركات المياه والطاقة، إلغاء الرسوم الجامعية، وإنهاء الحدّ على إعانات الطفل الثاني. وبذلك، أدار ظهره للفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع، بينما واصل الترويج لسياسات معادية للأجانب مشابهة لتلك التي صاغها المحافظون.
وبمجرد وصوله إلى رئاسة الوزراء، شرع في تنفيذ وعوده بـ”استعادة السيطرة أخيراً” على الحدود البريطانية، عبر تشديد الرقابة على “كل مجالات نظام الهجرة، بما في ذلك العمل، ولمّ الشمل الأسري، والدراسة”.
كنا ندرك تماماً ما يعنيه ذلك: المزيد من الرقابة العنصرية، والمزيد من الاستهداف، والمزيد من تجريم المهاجرين.
صفقات خطرة مع فرنسا

لم يستغرق الأمر طويلاً حتى مضت الحكومة في خططها لتقنين استهداف المهاجرين.
فعلى غرار الممارسات المروّعة التي دعمتها وزيرتا الداخلية السابقتان بريتي باتيل وسويلا برافرمان، يحرص قادة اليوم على جعل رحلة الوصول إلى بريطانيا أكثر خطورة.
ففي وقت سابق من هذا الشهر، صادقت المفوضية الأوروبية على اتفاق “واحد يدخل، واحد يخرج”، الذي يمنح المملكة المتحدة صلاحية إعادة من عبروا القناة الإنجليزية إلى فرنسا.
وقد جرى إبرام الصفقة خلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لندن الشهر الماضي. تخيلوا: أول زعيم أوروبي يزور “داونينغ ستريت” منذ “بريكست”، وأول ما يُطرح على جدول الأعمال هو كيفية تعاون بريطانيا وفرنسا في استهداف المهاجرين.
وبموجب الاتفاق، “تستعيد” فرنسا بعض المهاجرين، في حين تستقبل بريطانيا طالبي لجوء لديهم صلة بها. الفكرة بحد ذاتها تنضح بالتجريد من الإنسانية، إذ تُعامل البشر كقطع شطرنج تُنقل عبر الحدود إرضاءً لليمين المتطرف على ضفتي القناة.
وما إن بدأ تطبيق الاتفاق، حتى انتشر مقطع فيديو يظهر أباً مهاجراً مع ابنه يحاولان ركوب قارب إلى بريطانيا، ليتم دفعهما بعنف من قبل الشرطة الفرنسية وهي تحمل عبوات الغاز المسيل للدموع. هذا المشهد يجسد بوضوح الطبيعة اللاإنسانية لهذا “التعاون” الحدودي.
تشريعات أشد صرامة

تتجاوز الحكومة هذه الاتفاقات إلى تعزيز أجندتها المعادية للأجانب عبر “قانون أمن الحدود واللجوء والهجرة”.
ورغم تسويقه على أنه وسيلة لوقف المعابر البحرية الخطرة ومكافحة شبكات التهريب، فإن الواقع أن القانون سيزيد من مخاطر المهاجرين، بينما يفلت المهربون المستفيدون من معاناتهم من العقاب، طالما أنهم لم تطأ أقدامهم الأراضي البريطانية.
وبدلاً من ذلك، سيجرّم القانون طالبي اللجوء والوافدين الجدد أكثر فأكثر، بما في ذلك عبر استخدام قوانين مكافحة الإرهاب ضدهم.
تجاهل السلطات لسلامة المهاجرين واضح، خاصة وأن إحصاءات عام 2024 تكشف أن 2% فقط من الوافدين جاؤوا عبر القوارب الصغيرة، رغم أن الحكومة تركز بشكل مفرط على هذه الفئة.
دعاية خطيرة
هذه الأولويات تُسهم في تقوية شخصيات مثل نايجل فاراج وغيره من رموز حزب المحافظين و”حزب الإصلاح”، الذين يغذّون الرأي العام بروايات هستيرية ومعلومات غير مؤكدة.
فقد امتلأت العناوين مؤخراً بادعاءات تزعم أن المهاجرين يغتصبون أطفالاً بريطانيين، بل ووصل الأمر إلى القول بأن الشرطة تحمي “مهاجرين غير شرعيين”.
الحقيقة المحزنة أن قادتنا الحاليين لن يتعلموا على الأرجح أن تأجيج نار الكراهية سيعرض حياة المزيد للخطر ويزيد الانقسامات. بل على العكس، من المرجح أن تواصل حكومة العمال طرح خطاب وسياسات أشد عداءً للمهاجرين، بدعوى جذب الناخبين عبر التموقع أبعد إلى اليمين.
مقاومة الكراهية
ومع ذلك، فإن الأمل لم ينطفئ. تقع على عاتق الجمهور مسؤولية فرض تغيير المسار، والوقوف إلى جانب قيم المحبة والتضامن بدلاً من خطاب الكراهية.
وهذا ما جسّده العشرات من المتظاهرين المناهضين للفاشية الذين فاقوا بأعدادهم المتظاهرين المعادين للمهاجرين حين خرجوا للدفاع عن طالبي اللجوء في الفنادق.
كما ينضم هؤلاء إلى مئات الآلاف الذين خرجوا خلال العامين الماضيين للمطالبة بوقف الإبادة في غزة والدعوة لتحرير فلسطين. وليس من قبيل المصادفة أن الحكومة نفسها التي تستهدف المهاجرين تحاول كذلك قمع الأصوات التي تحتج على تواطؤ بريطانيا في جرائم إسرائيل بحق الفلسطينيين.
سواء عبر التظاهر ضد الفاشية، أو تنظيم مبادرات محلية لاستقبال المهاجرين، أو تأسيس والانضمام إلى مجموعات وأحزاب جديدة، أو حتى عبر مواجهة خطاب الكراهية في دوائرنا اليومية، هناك دوماً ما يمكن فعله لمقاومة هذا المسار الخطير.
فلنستمد الشجاعة من كل أولئك الذين يقفون في الصفوف الأمامية، يخاطرون بحرياتهم دفاعاً عن طالبي الأمان ومقاومة القمع، خاصة مع توقع المزيد من الاحتجاجات المليئة بالكراهية في الفترة المقبلة.
المصدر: ميدل إيست آي
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇