حاصد الأوسكار “لا أرض أخرى”.. هل استطاع إيصال القضية الفلسطينية للعالم؟

في خطوة غير مسبوقة، حصد الفيلم الوثائقي “لا أرض أخرى” (No Other Land) جائزة أفضل فيلم وثائقي في حفل جوائز الأوسكار 2025، ليصبح أحد أبرز الأعمال التي وثّقت وحشية الاحتلال الإسرائيلي، ونظام الفصل العنصري وصمود الفلسطينيين في وجه التهجير القسري.
الفيلم، الذي جاء ثمرة تعاون بين مخرجين فلسطينيين وإسرائيليين، نجح في تقديم رواية واضحة حول حقيقة الصراع، بعيدًا عن محاولات التوازن الزائف، حيث كشف أمام العالم الممارسات القمعية التي يتعرض لها الفلسطينيون، وخصوصًا في مسافر يطا، إحدى المناطق الأكثر استهدافًا بعمليات الهدم والتهجير في الضفة الغربية المحتلة.
تعاون بين “المحتلّ والمحتلّة أرضُه”.. ولكن برؤية فلسطينية
وشارك في إخراج الفيلم الثنائي الفلسطيني باسل عدرا وحمدان بلال، إلى جانب المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام ومديرة التصوير الإسرائيلية راحيل تسور. ورغم هذا التعاون غير المعتاد، إلا أن أحد أبرز نقاط قوة الفيلم تكمن في وضوح موقفه، حيث يضع الأمور في سياقها الحقيقي، مسلطًا الضوء على الضحايا الحقيقيين في هذا الصراع دون أي محاولة للتجميل أو التبرير.
لكن الفيلم لا يصوّر الفلسطينيين كضحايا فقط، بل يظهرهم كأفراد يقاومون يوميًّا للحفاظ على وجودهم، متحدّين الاحتلال من خلال إعادة بناء منازلهم المهدمة، والمشاركة في الاحتجاجات السلمية، رغم المخاطر الكبيرة التي تهدد حياتهم.
كيف وصل الفيلم إلى الأوسكار؟
ما يميز فيلم “لا أرض أخرى” عن غيره من الوثائقيات حول القضية الفلسطينية هو قدرته على اختراق المشهد الإعلامي السائد في الغرب، وهو أمر لم تتمكن منه العديد من الأفلام السابقة، رغم جودتها العالية.
ولا يمكن إنكار أن مشاركة إسرائيليين في الإخراج لعبت دورًا في تسهيل قبول الفيلم لدى لجان التحكيم، حيث قد تكون بعض المنصات مترددة في عرض أعمال فلسطينية بالكامل، خوفًا من اتهامات بالانحياز السياسي. ومع ذلك، فإن قوة الفيلم في سرده للأحداث، وجرأته في تقديم أدلة بصرية دامغة على انتهاكات الاحتلال، جعلته يستحق هذا التكريم.
توثيق جرائم الاحتلال.. مشاهد لا يمكن إنكارها
ويقدّم الفيلم أدلة مصوّرة صادمة حول السياسات الإسرائيلية الممنهجة ضد الفلسطينيين، من هدم المدارس والمنازل، إلى نظام التصاريح التمييزي، وحواجز التفتيش التي تعزل المجتمعات الفلسطينية.
أحد أكثر المشاهد المؤثرة في الفيلم يوثّق إطلاق النار على متظاهر فلسطيني أعزل، ما أدى إلى إصابته بالشلل مدى الحياة. كما يكشف كيف يضطر الفلسطينيون إلى إخفاء مواد البناء لإعادة إعمار منازلهم المدمرة، وكأنها أسلحة ممنوعة، في مشهد يوضح حجم القمع اليومي الذي يواجهونه.
الأدلة التي يعرضها الفيلم تدحض بشكل قاطع الادعاءات الإسرائيلية بأن الفلسطينيين يغادرون أراضيهم طواعية، حيث يظهر بوضوح أنهم يُجبرون على الرحيل تحت تهديد الجرافات، والجنود، والمستوطنين المسلحين.
خطاب جريء في الأوسكار
وعند استلامه الجائزة، وجّه المخرج الفلسطيني باسل عدرا رسالة قوية إلى العالم، قائلًا: “لقد عانينا من هذه الظروف القاسية لعقود طويلة.. ندعو العالم إلى اتخاذ خطوات جادة لوقف هذا الظلم، ووقف التطهير العرقي للشعب الفلسطيني”.
أما المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام، فقد أثار ظهوره بعض التساؤلات حول موقفه من الصهيونية، خاصة أن بعض تصريحاته السابقة تعكس مواقف متناقضة، حيث يحاول فصل الاحتلال عن الصهيونية، رغم أن جميع سياسات الاحتلال منذ عام 1948 حتى اليوم لم تؤدِ إلا إلى التهجير الجماعي والمجازر، كما ظهر مؤخرًا في غزة.
هل يمهّد الأوسكار لمزيد من الاعتراف بالأفلام الفلسطينية؟
ورغم هذا الإنجاز، هناك شعور بخيبة الأمل بسبب استبعاد الفيلم الفلسطيني “من نقطة الصفر” (From Ground zero) من الترشيحات النهائية للأوسكار، رغم وصوله إلى القائمة القصيرة.
الفيلم، الذي يتكون من 22 فيلمًا قصيرًا صوّرها مخرجون فلسطينيون تحت القصف الإسرائيلي العنيف على غزة في عام 2024، يُعَدّ إنجازًا استثنائيًّا، حيث تمكّن صانعوه من إنهاء الإنتاج وسط الدمار والعدوان.
كما استُبعد الفيلم الفلسطيني “برتقالة من يافا” (An Orange From Jaffa)، الذي أخرجه محمد المغني من غزة، وتدور أحداثه عند حاجز عسكري إسرائيلي في الضفة الغربية.
من الصعب الجزم بما إذا كان الأوسكار سيمهّد الطريق أمام تمويل وإنتاج أفلام فلسطينية أكثر في المستقبل، لكن الواضح أن اللجان التحكيمية في هوليوود قد لا تكون مستعدة بعد لتكريم أفلام يرويها الفلسطينيون بالكامل، دون مشاركة إسرائيلية تمنحها “شرعية” في نظر بعض الجهات الغربية.
وتأتي هذه التطورات بينما تواجه إسرائيل اتهامات بارتكاب جرائم إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية، إضافة إلى تقديم أسماء أكثر من ألف جندي إسرائيلي إلى المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب.
الضغط على الاحتلال يتزايد.. وهذه مجرد البداية
المصدر: New Arab
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇