جوناثان كوك: كيف تضافرت جهود ستارمر والشرطة لقمع المعارضة

يُعَد قرار شرطة العاصمة البريطانية الذي يقضي بإجراء تحقيق مع زعيم حزب العمال السابق جيريمي كوربين والنائب اليساري جون ماكدونيل لحضورهما احتجاجًا سلميًّا في لندن ضد الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة نقطة تحول حاسمة.
ويمثل القرار تصعيدًا جديدًا من حكومة ستارمر في حملتها لقمع المعارضة، ولا سيما المظاهرات التي تدعم قرار محكمة العدل الدولية الذي صدر قبل عام وأشار إلى ارتكاب إبادة جماعية في غزة.
الشرطة البريطانية تتواطأ مع حكومة ستارمر لقمع المعارضة

انتهجت الشرطة البريطانية وشخصيات حكومية رفيعة المستوى مثل وزير الداخلية التضليل وتزييف الحقائق، حيث ألمحوا إلى أن المتظاهرين انخرطوا في سلوك عنيف وغير قانوني أو شكلوا تهديدًا لليهود في لندن في المسيرة التي نُظِّمت يوم السبت الماضي، إذ اعتُقِل كوربين وماكدونيل، زعيما المسيرة، وعشرات المحتجين ووُجِّهت لاحقًا اتهامات إلى المنظمين الرئيسيين بارتكاب جرائم تتعلق بالنظام العام.
هذا وقد فنّد المشاركون في المسيرة زعم الشرطة أن المتظاهرين “اخترقوا” بالقوة الطوق الذي فرضته الشرطة في أعلى وايت هول لدخول ميدان ترافالغار القريب من المعبد اليهودي.
تجدر الإشارة إلى أنه في هذا الأسبوع، كتب أكثر من 40 محاميًا وأكاديميًّا بارزًا إلى وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، محذرين من أن تصرفات شرطة العاصمة كانت “اعتداءً غير متناسب وغير مبرر على حق التجمع والاحتجاج”، وأن مجموعة من قوانين مكافحة الاحتجاج تُستَغلّ لاستهداف الاحتجاجات المناهضة للحرب والمؤيدة لفلسطين على وجه الخصوص.
وفي بيان أكدت شرطة العاصمة أنها تصرفت دون محاباة بدافع الحاجة إلى ضمان قدرة المجموعات على ممارسة حقها في الاحتجاج السلمي، مع ضمان قدرة المجتمع بصفة عامة على مواصلة حياته دون اضطراب كبير.
الأهداف السياسية
تسعى ادعاءات شرطة العاصمة الكاذبة إلى تحقيق أهداف سياسية محددة، فهي تساعد حكومة كير ستارمر المتورطة في الإبادة الجماعية الإسرائيلية على تشويه سمعة المتظاهرين باعتبارهم مثيري شغب ومعادين للسامية. كما أنها تُوجِد ذريعة لوقف الاحتجاجات التي أزعجت ستارمر كثيرًا.
إن ما تشهده بريطانيا الآن هو استمرار لحرب الدولة على اليسار الأخلاقي. فهي تستخدم معارضة إسرائيل والإبادة الجماعية لقياس عدم الشرعية السياسية والانحراف.
وقد كانت أول مهمة لكير ستارمر بوصفه زعيمًا للمعارضة هي تطهير حزب العمال من كوربين والحركة الشعبية التي قادها، والتي كانت تتطلع إلى إزالة أربعين عامًا من الظلم الاجتماعي المتزايد في الداخل، وإنهاء استثمار بريطانيا في الحروب الاستعمارية في الخارج، ويشمل ذلك دعمها المتواصل لقمع إسرائيل للشعب الفلسطيني.
والآن تتمثل مهمة ستارمر بوصفه رئيسًا للوزراء في تطهير الشوارع من الداعمين للقضية الفلسطينية، ومن الذين يدركون أن حزبي المحافظين والعمال متواطئان في الإبادة الجماعية.
جدير بالذكر أنه لسنوات عندما كان كوربين زعيم حزب العمال، اتُّهِم هو وأنصاره بمعاداة السامية دون أي دليل على هذا الاتهام، بصرف النظر عن انتقاداته المبررة لإسرائيل التي تدعمها بريطانيا عسكريًّا واستخباريًّا.
إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو
شعر ستارمر بالحرج من قرار المحكمة الجنائية الدولية، وهي المحكمة الشقيقة لمحكمة العدل الدولية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بإصدار مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.
ورغم ذلك بررت تقارير وسائل الإعلام المتحيزة، وعلى رأسها بي بي سي، دعم الحكومة البريطانية الإبادة الجماعية في إسرائيل. وستبرر نفس التغطية الشائنة لإسرائيل انتهاك وقف إطلاق النار، كما تفعل الآن.
لكن مع عدم ظهور أي بادرة على تراجع المظاهرات، أصبحت حكومة ستارمر أكثر يأسًا. وأخفقت بي بي سي في تحسين صورة الإبادة الجماعية، ولم ينجح التواطؤ البريطاني بالكامل.
ومن ثَمّ احتاج ستارمر إلى طريقة جديدة لإنهاء التجمعات التي كانت تحرجه، فإن لم يكن يمكن غسل دماغ الجمهور البريطاني لقبول الإبادة الجماعية، فسيتعين تخويفهم من النزول إلى الشوارع، ما دفع رئيس الوزراء إلى استبدال القفاز المخملي لهيئة الإذاعة البريطانية، بي بي سي، بقبضة الشرطة الحديدية.
وحتى يوم السبت الماضي، نُظِّم أكثر من 20 مسيرة احتجاجية في لندن دون وقوع حوادث تستحق الذكر، ومع أن مئات الآلاف من الأشخاص يحضرون بانتظام، فقد كانت الاعتقالات أقل مما هي عليه في مهرجان جلاستونبري الموسيقي السنوي.
ومن الواضح أن الطبيعة السلمية للمسيرات، وحضور كتلة كبيرة من اليهود، ويشمل ذلك الناجين من الهولوكوست، أثار غضب اليمين وجماعات الضغط الإسرائيلية، ما دفع الشرطة السبت الماضي لأن تكون أكثر تعسفًا مع عشرات المتظاهرين، وبخاصة أنها اتهمت اثنَين من المنظمين على الأقل بارتكاب مخالفات تتعلق بالنظام العام، واتصلت بكوربين وماكدونيل للتحقيق.
جدير بالذكر أن حكومة المحافظين السابقة صاغت نفس الرواية الواهية بأن الشرطة تعمل على الحفاظ على النظام العام وإدانة جميع أشكال معاداة السامية، حيث وصفت وزيرة الداخلية السابقة سويلا برافرمان الاحتجاجات ضد ما تسميه محكمة العدل الدولية إبادة جماعية بأنها “مسيرات كراهية”.
وختامًا يبدو أن الشرطة، التي خططت للإيقاع بكوربين وماكدونيل، قد أعدت الآن بعض الأدلة لمساعدة حكومة حزب العمال الحالية، حتى يمكن إعادة صياغتها والاستدلال بها على الادعاءات التي تقول إن الزعيمين السابقَين معاديان للسامية ومخالفان للقانون.
المصدر: Middle East Eye
اقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇