جراح في غزة: رأيت الجحيم في عيون الأطفال وبريطانيا مسؤولة
كشف جراح بريطاني متقاعد عن تفاصيل مروعة عاشها أثناء تطوعه في مستشفى ناصر بمدينة خان يونس ضمن بعثة طبية تابعة لمنظمة الإغاثة الطبية للفلسطينيين (MAP). وصف الجراح، الذي شغل سابقًا منصب أستاذ لجراحة زراعة الأعضاء في أحد أكبر المستشفيات التعليمية في لندن، تجربته بأنها “أقسى ما يمكن تصوره”، مقارنة بأي منطقة أخرى عمل بها خلال مسيرته المهنية.
نزيف بين يديه وانعدام تام للمستلزمات الطبية
روى الجراح حادثة مأساوية أثناء محاولته إنقاذ طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات كانت تغرق في بركة من دمها. أثناء العملية، أخبره الممرّض المسؤول بأنهم نفدوا تمامًا من الشاش الطبي. واضطر حينها لاستخدام يديه العاريتين لوقف النزيف المتدفق، غارقًا في شعور بالغثيان والعجز والخوف على حياة الطفلة، التي نجت بأعجوبة وسط هذه الظروف الكارثية. إلا أن مئات الأرواح الأخرى لم تحظَ بنفس المصير.
وعند وصوله إلى غزة، صُدم الجراح بمشاهد الدمار الشامل التي وصفها بأنها تشبه صور هيروشيما بعد الكارثة النووية. كانت المباني مهدمة بالكامل، والطرقات مغطاة بالركام والشظايا. أما داخل مستشفى ناصر، فالوضع كان مأساويًا إلى حد لا يُوصف: أجنحة مكتظة بالمرضى، وأسرة مكدسة في الغرف والممرات وحتى الشرفات، بينما اضطر أقارب المرضى للنوم على الأرض وسط القذارة والعفن، فقط ليتمكنوا من مساعدة الممرضين في تقديم الرعاية.
انهيار تام لمنظومة الرعاية الصحية
أكد الجراح أن النظافة الصحية كانت غائبة تمامًا، حيث لم يُسمح بإدخال مواد أساسية مثل الصابون والشامبو. أما الفريق الطبي، فقد كان يعاني من نقص حاد في المستلزمات الطبية الأساسية مثل القفازات المعقمة والملابس الواقية. وصف مشاهد تقشعر لها الأبدان، حيث رأى جروحًا متعفنة مليئة بالديدان الحية، واضطر زميله في العناية المركزة لإزالة ديدان من حلق طفل صغير كانت تسد مجرى تنفسه.
ولم يكن الخطر محصورًا في انهيار القطاع الصحي، بل كان القصف اليومي يطارد الجميع. تعرض المستشفى للقصف عدة مرات، وكان يهتز مع كل انفجار قريب. تحولت أقسام الطوارئ إلى مسرح لجثث محروقة وأطراف مبتورة وصرخات أطفال ممزقة من الألم. كان الموت حاضرًا في كل زاوية، والدماء تغطي الأرض.
استهداف ممنهج للأطفال والنساء
وأوضح الجراح أن غالبية الضحايا كانوا من النساء والأطفال، مشيرًا إلى إصابات تدل على استهداف مباشر، مثل الرصاصات التي اخترقت رؤوس الأطفال بدقة قناص محترف. تحدث عن طفل يُدعى عامر، أصيب بجروح مروعة جراء استهدافه بطائرة مسيرة بعد غارة جوية. كانت أعضاؤه الداخلية ممزقة، لكنه نجا بأعجوبة بعد عملية جراحية معقدة.
أشار الجراح إلى رسائل رسمية بعثها أكثر من 30 طبيبًا وممرضًا بريطانيًا إلى زعيم حزب العمال كير ستارمر، وأخرى من 99 عاملًا في القطاع الصحي الأمريكي إلى الرئيس جو بايدن، توثق استهداف الأطفال عمدًا في غزة. كما أكدت تقارير منظمات دولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية أن الجرائم المرتكبة قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
صدمة واتهام للحكومة البريطانية
عاد الجراح إلى بريطانيا محملًا بشعور ثقيل بالذنب، إذ وصف حياته هناك بأنها “ترف لا يُحتمل” مقارنة بجحيم غزة. تحول هذا الشعور إلى غضب عارم من الحكومة البريطانية، التي رفضت إدانة الجرائم الإسرائيلية واستمرت في تزويدها بالسلاح. اعتبر أن هذا الموقف يُمثل خيانة أخلاقية، مؤكدًا أن الإبادة الجماعية في غزة تكشف فشل القادة في اختبار الشجاعة الإنسانية.
وفي ختام شهادته، أطلق الجراح نداءً صريحًا بضرورة محاسبة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة في غزة. وأكد أن وقف القصف لا يُنهي الحاجة لتحقيق العدالة. رغم بشاعة ما رأى، ظل يحمل أملًا صغيرًا بأن يحظى الأطفال الناجون مثل عامر بفرصة لحياة كريمة بعيدًا عن جحيم الاحتلال.
المصدر: الغارديان
إقرأ أيضًا:
الرابط المختصر هنا ⬇