العرب في بريطانيا | إلى تومي روبنسون.. هكذا يعيش طالبو اللجوء

1447 ربيع الثاني 3 | 26 سبتمبر 2025

إلى تومي روبنسون.. هكذا يعيش طالبو اللجوء

إلى تومي روبنسون.. هكذا يعيش طالبو اللجوء
عثمان September 25, 2025

لم أتصوّر يومًا أن أصبح لاجئًا. اسمي عثمان، وقد غادرت الصومال لا عن رغبة، بل عن ضرورة للبقاء على قيد الحياة. كانت حياتي مهددة باستمرار من جماعة الشباب، تلك الجماعة المتطرفة التي أرعبت بلادي لعقود. وبسبب عملي مع الحكومة، كنت هدفًا مباشرًا لهم. ما زلت أذكر اليوم الذي نجوت فيه من محاولة لاختطافي – هجوم كان يمكن أن يضع حدًا لحياتي بسهولة.

وفي تلك اللحظة أدركت أن البقاء في الصومال يعني الموت الحتمي. ولمن قد لا يعرف، تقع الصومال في القرن الأفريقي، عند أقصى شرق القارة. إنها أرض الصمود والشعر والتقاليد الغنية، لكنها أيضًا عانت لعقود من الصراع الأهلي وعدم الاستقرار السياسي والتطرف العنيف.

يعيش الصوماليون العاديون في ظل مخاطر استثنائية، ومع ذلك واصل كثيرون منا العمل وبناء مسيرات مهنية والمساهمة في نمو مجتمعاتنا. كنت واحدًا منهم. ففي وطني، كان لدي عمل جيد الأجر، وكنت نشيطًا وذا هدف، وأشعر بالفخر لأنني أساهم في خدمة بلدي.

لكن ترك كل ذلك لم يكن فقط خسارة وطن، بل خسارة أسلوب حياة كامل. وعندما وصلت إلى المملكة المتحدة طلبًا للأمان، توقعت الصعاب. لكنني لم أتوقع أن أفقد إحساسي بالقيمة. كطالب لجوء، تم وضعي في ثكنات نابير في مقاطعة كِنت – وهو معسكر عسكري قديم حُوِّل إلى سكن مؤقت.

الحياة هناك بعيدة عن السهولة. الغرف ضيقة، الجدران متآكلة، والجو بارد ومعزول. لكن الأصعب ليس المباني بحد ذاتها، بل الانتظار. الأيام تتحول إلى أسابيع، والأسابيع إلى شهور، وأحيانًا إلى سنوات. لا يُسمح لنا بالعمل، ولا نستطيع الدراسة بحرية. كل ما نفعله هو الانتظار لقرار بشأن مستقبلنا.

ولمن هم مثلنا – أشخاص كانوا يعملون ويبنون ويعلّمون ويخدمون مجتمعاتهم – فإن هذا الانتظار مدمر. إنه تآكل بطيء للكرامة. ليست مجرد خسارة للوقت، بل إسكات للقدرات. تخيّل أطباءً ومعلّمين ومهندسين وروّاد أعمال ذوي مهارات عالية يجلسون بلا عمل، محجوزين خلف البيروقراطية. تلك هي حقيقة نظام اللجوء في بريطانيا.

وفي الوقت نفسه، أشعر بتعاطف عميق مع بعض الناس في المملكة المتحدة الذين ينظرون إلى أزمة اللاجئين واللجوء بغضب وإحباط. في 13 سبتمبر وما بعده، رفع كثيرون أصواتهم قائلين إننا “نستولي على كل شيء” بينما نعيش في الفنادق. لكن دعوني أوضح: لسنا هنا لنمكث في الفنادق ونأكل بلا عمل. نحن لا نريد البطالة. نحن نريد أن نساهم. نريد أن نستخدم مهاراتنا لدعم أنفسنا وخدمة المجتمعات التي نعيش فيها. أن يُتَّهم شخص لا يملك شيئًا بأنه “أخذ كل شيء” أمر مؤلم.

متى أصبح طلب اللجوء جريمة؟ متى أصبح الهروب من الحرب والاضطهاد والعنف جرمًا؟ ليت أولئك الذين ينشرون الكراهية – مثل تومي روبنسون وغيره – يقضون أسبوعًا واحدًا فقط في ثكنات نابير، مقطوعين عن العمل، معزولين عن المجتمع، يعيشون في غموض حول مستقبلهم. حينها فقط سيدركون ما نشعر به. أنا أستطيع أن أفهم غضبهم، لكنني أطلب منهم بالمقابل أن يفهموا غضبنا. نحن لم نختر المنفى، بل فُرض علينا.

ومع ذلك، حتى وسط هذا الجمود المفروض، هناك بصيص أمل. ففي نابير، وقف الأصدقاء إلى جانب بعضهم البعض – قدّموا دروسًا مجانية في اللغة الإنجليزية، نظموا أنشطة صغيرة، وابتكروا طرقًا لإدخال الضحك والكرامة إلى حياة من يواجهون صعوبة في اللغة.

وخارج الثكنات، فتحت المجتمعات المحلية في فوكستون وهايث أبوابها لنا من خلال فرص للتطوع. مجموعات مثل “مجموعة هايث البيئية المجتمعية” منحتنا الفرصة للمساهمة والشعور بأننا مفيدون من جديد، وأن نرد الجميل للمجتمع الذي نتمنى أن نصبح جزءًا منه. هذه اللحظات تذكرنا أنه رغم العوائق، لا تزال لدينا طاقات كامنة – وأن لطف الناس المحليين يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا.

ويجب أن أعبر عن امتناني العميق لـ “أصدقاء نابير“، الذين تعني أفعالهم أكثر بكثير من مجرد كلمات. عملهم – في مساعدة طالبي اللجوء على تعلم الإنجليزية، وإيجاد موطئ قدم في الحياة البريطانية، وتوفير أنشطة ذات معنى تعزز الصحة والرفاهية، وبناء روابط مع المجتمع المحلي – منح الكثير منا القوة والإحساس بالهدف. في مكان يبدو فيه كل شيء خارج سيطرتنا، منحنا “أصدقاء نابير” إمكانية وأملًا وانتماءً.

الحقيقة أن اللاجئين وطالبي اللجوء ليسوا عبئًا – نحن بشر نمتلك مهارات وخبرات وأحلامًا. نحن من ساهمنا سابقًا في تنمية مجتمعاتنا في أوطاننا، ونتوق لأن نفعل الشيء نفسه هنا في المملكة المتحدة. لكن النظام الحالي يتركنا في بطالة قسرية، نهدر سنوات من المواهب والطاقة التي كان يمكن أن تساعد في بناء مجتمعات أقوى ومجتمع أفضل للجميع.

منح طالبي اللجوء حق العمل ليس إحسانًا – بل هو منطق سليم. السماح لنا باستخدام مهاراتنا سيخفف العبء عن الدولة، ويقوي المجتمعات المحلية، ويعيد الكرامة لأشخاص وُضعت حياتهم في الانتظار.

اللاجئون ليسوا مجرد أرقام. نحن معلمون، وبناؤون، ومقدمو رعاية، ومبتكرون، وقادة. كثير منا خاطر بحياته من أجل قيم الحرية والعدالة. لا ينبغي أن نُترك لنتلاشى في صمت.

لقد غادرت الصومال لأنه لم يكن لدي خيار. لكن هنا في المملكة المتحدة، ما زال لدي خيار: أن آمل، أن أحلم، وأن أتكلم. قصتي مجرد واحدة من بين آلاف. كل ما نطلبه هو فرصة للوقوف من جديد – لا كمنفيين عاطلين، بل كأشخاص فاعلين، كما كنّا في أوطاننا.

المصدر: bigissue


إقرأ أيضًا:

اترك تعليقا

loader-image
london
London, GB
12:13 am, Sep 26, 2025
temperature icon 11°C
clear sky
73 %
1023 mb
7 mph
Wind Gust 0 mph
Clouds 5%
Visibility 10 km
Sunrise 6:53 am
Sunset 6:50 pm

آخر فيديوهات القناة